< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة مكروهات الوضوء

أمّا الوضوء بالماء الذي تسخّنه الشمسُ فيحتمل كراهته ، وذلك لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي (مهمل) عن سليمان بن جعفر (.. بن جعفر الطيّار الطالبي الجعفري ثقة له كتاب) عن اسماعيل بن أبي زياد (السكوني) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (ص) : ( الماء الذي تُسَخِّنُه الشمسُ لا تتوضَّؤوا به ، ولا تغتسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنه يُوْرِثُ البَرَصَ )[1] ضعيفة السند . ويستفاد من التعليل أنّ الأمر إرشادي إلى عدم الإصابة بالبرص .

هذا ، ولكن يعارضُها ما رواه في يب بإسناده عن سعد بن عبد الله عن حمزة بن يعلى عن محمد بن سنان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لا بأس بأن يتوضأ الإنسان بالماء الذي يوضع بالشمس )[2] مرسلة السند ، فإنها بإطلاقها تشمل الوضع الطويل المدّة تحت الشمس إلى حين التسخين .

المهم هو أنه لم تثبت كراهةُ الوضوء بماء سُخّن بالشمس ، خاصةً وأنّ الإصابة بالبرص أمر خطير ، فلو كان الأمر كذلك لوجب ـ بمقتضى حكمة المعصومين (عليهم السلام) ـ أن ينبّهوا شيعتَهم على ذلك بأكثر من رواية واحدة ، لكي يشيع هذا التنبيهُ ، خاصةً وأنّ استعمال الماء الذي تسخّنه الشمس هو أمر في معرض ابتلاء كلّ الناس .

وقال لي طبيبان متخصّصان بهذا الأمر أنهم لم يسمعوا بأنّ الماء المسخّن بالشمس يصيب بالبرص ، ولو كان لبان ، وذكروا لي بعض الأسباب المعروفة التي تصيب بالبرص من قبيل الوراثة والهمّ والغمّ الشديدين وو .. وقد يصيب البرصُ بعضَ الأعضاء فقط دون كلّ الجسم .. أقول : من المعلوم أنهم يجهلون أكثر ممّا يعلمون ، ولكننا ذكرنا قولهم الآن من باب الفائدة العامّة لا من باب الإحتجاج بقولهم .

على أنه إذا كانت الرواية الناهيةُ صحيحةً واقعاً فهذا يعني أنّ كل أو جلّ الناس كان يجب أن يصابوا بالبرص ، لأنّ كلّ أو جلّ مياهنا اليوم موجودة على سطوح أبنيتنا التي تسخن بالشمس في الأيام الحارّة ، ولم نَرَ هذا البرص في بلادنا ـ على الأقلّ ـ ولذلك عندي شكّ كبير في صدور الرواية الناهية .

أمّا الوضوء بالماء المستعمل في الغسل من الحدث الأكبر فهي ليست محلّ ابتلائنا اليوم ، لذلك نقتصر على قولنا بعدم البأس في ذلك ، وعدم ثبوت الكراهة ، وذلك لما رواه في يب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة (بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة (بن مِهْران ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا أصاب الرجلَ جنابةٌ فأراد الغُسلَ فليُفرغ على كفيه فليغسلْهما دون المرفق ، ثم يدخل يده في إنائه ، ثم يغسل فرجه ، ثم ليصبَّ على رأسه ثلاث مرات مِلأَ كفَّيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره ، وكف بين كتفيه ، ثم يفيض الماء على جسده كله ، فما انتضح من مائه في إنائه بعدما صنع وما وصفتُ لك فلا بأس )[3] موثّقة السند . ومعنى ذلك عدمُ البأس في استعمال هذا الماء الذي وقع فيه من ماء الجنابة إذا كان طاهراً .

وروى في التهذيبين بإسناده الصحيح عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن موسى بن القاسم (بن معاوية بن وهب البجلي فقيه ثقة ثقة) [4] وأبي قتادة(علي بن محمد بن حفص الأشعري القمّي ثقة) عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة ، إذا كان لا يجد غيره ، والماءُ لا يبلغ صاعاً للجنابة ، ولا مُدّاً للوضوء ، وهو متفرق فكيف يصنع ، وهو يتخوَّفُ أن تكون السباع قد شربت منه ؟ فقال : ( إن كانت يده نظيفة فليأخذ كفّاً من الماء بيد واحدة ، فلينضحه خلفه ، وكفّاً أمامه ، وكفّاً عن يمينه ، وكفّاً عن شماله ، فإن خشي أن لا يكفيه غَسَلَ رأسَه ثلاث مرات ، ثم مسح جِلْدَه بيده ، فإنّ ذلك يُجزيه ، وإن كان الوضوء غَسَلَ وجهه ، ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرِّقاً فقَدِرَ أن يجمعه وإلا اغتسل من هذا ومن هذا ، وإن كان في مكانٍ واحد وهو قليل لا يكفيه لغُسْلِه فلا عليه أن يغتسل ويُرْجِعَ الماءَ فيه ، فإنّ ذلك يجزيه ) ، ومثلهما غيرهما ، وهي صريحة في المطلوب ، أو قل هي صريحة في جواز أن يُرجِع الماءَ إلى الطشت ويأخذ منه هذا الماءَ الواقع فيه ثم يغتسل به ثم يأخذه ثم يغتسل حتى ينتهي ، وهذه اُمور قد يحتاج إليها المسلم في بعض الضرورات ، وعدم البأس في الوضوء يكون بالأولويّة أو لوحدة المناط .

أمّا الوضوء بالماء الآجن ـ أي المتغيّر لونه وطعمه ـ فلا شكّ في كراهة الوضوء منه ، وذلك من باب الإرشاد إلى التنزّه عن الأوساخ والجراثيم والحشرات ، وهي قضيّة يدركها الإنسانُ بفطرته ، فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد (بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي) الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الماء الآجن يتوضأ منه ، إلاّ أن تجد ماء غيره فتَنَزَّهْ منه . صحيحة السند . وظاهرٌ أنّ في الرواية نقصاً ، والظاهر أنّ الجواب كان ( يجوز ، إلاّ أن تجد ماءً ...) ، ويمكن حمل الرواية على الإختصار من الراوي .

وقريب من هذه الرواية ما رواه في يب عن الحسين بن سعيد عن (محمد) ابن سنان (موثّق عندي لعدّة قرائن) عن (عبد الله) ابن مسكان (ثقة عين) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور ، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك ، أيتوضأ منه أو يغتسل ؟ قال : ( نعم ، إلا أن تجد غيرَه فتَنَزَّهْ عنه )[5] مصحّحة السند . ولعلّ الرواية السابقة هي عين هذه الرواية ، وذلك لأنّ الحلبي لم يدّعِ أنه سأل بنفسه الإمام الصادق (عليه السلام) ، فلعلّه أخذها من عبد الله بن مسكان .

أمّا الوضوء بماء البئر قبل نزح المقدّرات فقد ذكرنا الروايات التي قد تدلّ على ذلك في (فَصْلٌ في ماء البئر) من قبيل ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن محمد بن اسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلى رجلٍ أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من عذرة (غيره بدل عَذَرَة ـ إستبصار) كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة ؟ فوقَّعَ (عليه السلام) بخطّه في كتابي : ( يُنزحُ دِلاءٌ منها ) (صحيحة السند) ولم يحدّد الإمام (عليه السلام) عددَ الدلاء ... وأنت تعلم أنّ المراد بالبئر في الروايات هو النابع ، فإذا نَزَحْتَ منه عدّةَ دلاء فإنه سيرجع الماءُ إلى نفس المستوى السابق ، وذلك لتدفّق الماء عليه من المادّة ..

وحملناها على الإرشاد إلى التوقّي عن الجراثيم لأكثر من دليل من قبيل ما رواه في الاستبصار بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن محمد بن اسماعيل (بن بزيع) أيضاً عن الرضا (عليه السلام) أنه قال : ( ماء البئر واسع لا يفسده شيءٌ (لا ينجسه شيء ـ خ) إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فيُنزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادة )[6] صحيحة السند ، فراجع.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص150، أبواب الماء المضاف، ب6، ح2، ط الاسلامية ملاحظة : الموجود في ئل هو ( ولا تغسلوا به ) وهو خطأ بلا شكّ، والصحيح ـ كما في الكافي والوافي ومرآة العقول وجامع أحاديث الشيعة وعشرات الكتب ـ هو ( ولا تغتسلوا به ) .
[4] إشتبه في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص156، أبواب الماء المضاف، ب10، ح1، ط الاسلامية فكتب : ( محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن موسى بن القاسم وأبي قتادة عن علي بن جعفر ..) وهو اشتباه يعرفه الخبراء جداً من مسائل علي بن جعفر والإستبصار ويب، فقد كثُر فيها هذا السند، فالصحيح ما أثبتناه في المتن . والسند التامّ في يب هو : أخبرني الشيخ أيّده الله تعالى عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (القمّي ثقة جليل فقيه صاحب كامل الزيارات واُستاذ الشيخ المفيد توفّي 369 هـ ق أو 368) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى ...، وسند الشيخ إلى سعد صحيح .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo