< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة مستحبّات الوضوء

ويستحبّ أن يقرأ أثناء وضوئه سورة القدر ، ففي الفقه الرضوي : ( وأيما مؤمن قرأ في وضوئه (اِنَا أنزلناه في ليلة القدر) خرج من ذنوبه كيومِ وَلَدَتْهُ أمُّه ) ، ورَوَى الكفعمي في البلد الأمين أنّ ( مَن قرأ بعد إسباغ الوضوء (اِنّا أنزلناه في ليلة القدر) وقال "اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك" لم تَمُرَّ بذنب أذنبه اِلاّ مَحَتْهُ )[1] .

كما ويستحبّ أن يَفتح عينيه أثناء غسل الوجه ، وذلك لما أرسله في الفقيه قال : وقال رسول الله (ص) : ( اِفتحوا عيونَكم عند الوضوء ، لَعَلَّها لا تَرَى نارَ جهنم )[2] قد يصحّح سندُها بناءً على أنّ قول الشيخ الصدوق ( قال رسول الله (ص) ) ـ وهو ثقة يُحتمَلُ أن يكون نقْلُه عن حسّ ـ هو موضوع لحجيّة خبر الثقة كما هو المشهور بين العلماء .

* * * * *

( فَصْلٌ في مكروهات الوضوء )

الأوّل : لا يبعد كراهة الإستعانة بالغَير في المقدمات القريبة ، كأنْ يَصُبَّ شخصٌ الماءَ في يد المتوضّئ .

الثاني : الوضوء من الآنية المفضضة أو المذهبة أو المنقوشة بالتماثيل 385 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

385 المعروف بين العلماء هو كراهة الإستعانة بالغَير في المقدمات القريبة ، كأنْ يَصُبَّ شخصٌ الماءَ في يد المتوضّئ ، وذلك لخبر الوشا قال : دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريقٌ يريد أن يتهيّأ للصلاة ، فدَنَوتُ منه لأصُبَّ عليه ، فأبَى ذلك وقال (عليه السلام) : ( مَهْ يا حسن ) ، فقلت : لِمَ تنهاني أن أصب على يديك ؟ تَكره أن أؤجر ؟! فقال (عليه السلام) : ( تؤجر أنت وأؤزرُ أنا ؟! ) ، قلت : وكيف ذلك ؟ فقال (عليه السلام) : ( أما سمعت اللهَ عز وجل يقول( فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادةِ رَبِّهِ أحَداً ) وها أنا أتوضأ للصلاة ، وهي العبادة ، فأكره أن يُشْرِكَني فيها أحَدٌ )[3] ، وقريب منه ما روى في الإرشاد قال : دخل الرضا (عليه السلام) يوماً والمأمون يتوضأ للصلاة ، والغلامُ يَصُبُّ على يده الماءَ ، فقال (عليه السلام) : ( لا تُشْرِكْ يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحداً )[4] . وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : اَنه إذا توضأ لم يدع أحداً يَصُبُّ عليه الماءَ ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، لِمَ لا تَدَعُهُم يَصُبّون عليك الماء ؟ فقال (عليه السلام) : ( لا أحب أن أشرِك في صلاتي أحداً وقد قال الله تبارك وتعالى ( فَمَنْ كان يَرْجُو ... )[5] ، رواه في الفقيه والمقنع مرسلاً ، وفي العلل مسنداً ، وكذلك الشيخ في التهذيب . وفي رواية السكوني : قال رسول الله (ص) : ( خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد : وضوئي ، فإنه من صلاتي ، وصَدَقَتي ، فإنها من يدي إلى يد السائل ، فإنها تقع في يد الرحمن )[6] المحمولة على الكراهة ، لما في رواية الحذاء مِن أنّه صَبَّ على يد الباقر (عليه السلام) في جُمَع فغسل به وجهه ، وكَفّاً فغسل به ذراعه الأيمن ، وكَفّاً فغسل به ذراعه الأيسر .[7] .

وعن المدارك التوقف لضعف النصوص مع وجود المعارِض وهي رواية الحذّاء السالفة الذكر ، والإمامُ لا يَفعل المكروهَ .

أقول : لكنْ مع تعدّد الروايات وقرب مضمونها من العقل المتشرّعي لا يبعد الإطمئنان بصدور كلّ أو بعض الروايات المذكورة ، وبالتالي لا يبعد القول بكراهة الإستعانة بالمقدّمات القريبة . أمّا رواية الحذّاء فقد تكون لسببٍ لا نعلمه . ولما ذكرناه قوّى عدم الكراهة في الحدائق والجواهر والسيد محسن الحكيم ، وعَمِلَ بها أيضاً السيد المرتضى والشيخ الطوسي في أحد قَولَيه . أمّا احتمال حرمة الإستعانة بالمقدّمات القريبة فغير وارد بلا شكّ ولا إشكال ، وذلك لأنه لو كان حراماً لكان غريباً ولَبانَ في الكثير من الروايات ، ولمَا كانت السيرة قائمة بين المتشرّعة على الإستعانة في الوضوء في البراري ونحوها .

* أمّا التَّمَنْدُل فليس مكروهاً ، يتّضح ذلك من خلال الروايات [8] .

* أمّا الوضوء في مكان الإستنجاء ففي المستدرك عن جامع الأخبار عن النبيّ (ص) : ( عشرون خصلةً تورث الفقرَ : غَسْلُ الأعضاء في موضع الإستنجاء ... )[9] . وهذه الرواية ـ على إرسالها ـ لا تَفِي بالقول بكراهة الوضوء في مكان الإستنجاء ، وذلك لمعارضتها برواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي الحاكية لوضوء أمير المؤمنين (عليه السلام) [10] وبرواية الحذّاء عن وضوء الإمام الباقر (عليه السلام) [11] حيث رُوِيَ أنهما توضّآ في محلّ الإستنجاء ، أقول : خاصّةً في حمّامات المنازل النظيفة المشتملة على مغاسِل للوضوء حيث يتوضّأ المتشرّعةُ عادةً .

* وأمّا الوضوء من الآنية المفضّضة أو المذهّبة أو المنقوشة بالصور فلا شكّ في كراهته ، وذلك لما رواه الشيخ في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن (بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن إسحاق بن عمار (بن حيّان الساباطي له أصل وكان فطحيّاً إلاّ أنه ثقة وأصله معتمد عليه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الطست يكون فيه التماثيل أو الكوز ، أو التَّوْر[12] يكون فيه التماثيل أو فضة أنه ( لا يتوضأ منه ولا فيه ... )[13] موثّقة السند . ومن المعلوم أنّ هذه الرواية لا تفيد الحرمة لأكثر من سبب ، فلو كان المراد الحرمة لذكر ذلك في الكثير من الروايات ، ولما اقتصر على رواية واحدة من طريق الفطحيّة ...

ويمكن التمسّك بالروايات المطلقة ـ أي التي لم تصرّح بالوضوء ـ التي ذكرناها سابقاً في مسألة 4 ص 664 ، التي يفهم منها كراهة التوضُّئ من أواني الذهب والفضّة ، ولو لوحدة المناط ، أو لوضوح التعليل ، ونكتفي بذكر بعضها :

1 ـ ففي الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل (بن زياد) عن علي بن حسان عن موسى بن بكر (قد يوثّق لرواية صفوان بن يحيى عنه كثيراً وابن أبي عمير) عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[14] . أستقرب أن يكون علي بن حسان هذا هو الواسطي الثقة .

2 ـ وفي الفقيه عن النبيّ (ص) أنه قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[15] . هاتان الروايتان وما بعدهما تفيد وضوحَ العلّةِ ، وهي أنّ آنية الذهب والفضّة متاع المترَفين الذين لا يوقنون بقُرْبِ أجل الإنسان وبخلود الآخرة وبدناءة هذه الحياة الدنيا مهما تزيّنت في أعين الناظرين ...

3 ـ وروى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب والفضة فكَرِهَمُا ، فقلت : قد رَوَى بعضُ أصحابنا أنه كان لأبي الحسن (عليه السلام) مرآةٌ مُلَبَّسَةٌ فضةٌ ! فقال : ( لا ، والحمدُ لله ، إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي ) ، ثم قال : ( إنّ العباس حين عُذِرَ عُمِلَ له قضيبٌ مُلَبَّسٌ مِن فضة من نحو ما يعمل للصبيان ، تكون فضة نحواً من عشرة دراهم ، فأَمَرَ به أبو الحسن (عليه السلام) فكُسِرَ )[16] صحيحة السند . وهي ـ بإطلاقها ـ تفيد كراهية مطلق استعمالها ، سواءً في الوضوء أو في غيره .

4 ـ ويمكن الإستفادة ممّا رواه في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (بن عيسى أو ابن خالد) عن (الحسن بن علي) ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون (ثقة ثقة) عن بريد (بن معاوية العجلي ثقة فقيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كَرِهَ الشربَ في الفضة وفي القدح المفضض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض ، والمشطة كذلك ) .[17] صحيحة السند . وتقريب الإستفادة منها يكون باستفادة المناط من هكذا موارد ، إذ يبعد وجود كراهة في الشرب من إناء مفضّض والإدّهان من مدّهن مفضّض ، ووضع المشط في إناء مفضّض ، دون الوضوء .

وفي الفقيه : وروى ثعلبة عن بريد العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كَرِهَ الشربَ في الفضة وفي القدح المفضض ، وكره أن يدهن من مدهن مفضض ، والمشط كذلك ، فإن لم يجد بُدّاً من الشرب في القدح المفضض عَدَلَ بِفَمِهِ عن موضع الفضة[18] .

5 و 6 ـ وروى أحمد بن محمد البرقي في (المحاسن) عن موسى بن القاسم (بن معاوية بن وهب ثقة فقيه ط رضا) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن المرآة ، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : ( نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به ) ، قال : وسألته عن السرج واللجام فيه الفضة ، أيركب به ؟ قال : ( إن كان مُمَوَّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس ، وإلا فلا يركب به ) ، ورواها علي بن جعفر في كتابه . ورواها الكليني في أحكام الدواب ، ورواها الحميري في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه مثله إلا أنه قال : وسألته عن المرآة ، هل يصلح العمل بها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : ( نعم ، إنما كُرِهَ ما يُشرب فيه استعمالُه )[19] . محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن السرج وذكر مثله . وعدم الكراهة في حلقة الفضّة لعلّ منشأه هو صغر حجم حلقة المرآة ، بحيث لا قيمة لها عند العقلاء ، يؤيّد ذلك عدم الكراهة في المموّه .

فإن قلتَ : النظرُ إلى الشرب فقط ، بدليل قوله تعالى ( إنما يكره استعمال ما يشرب به ) ،

قلتُ : لا ، وذلك بدليل قوله بالكراهة في السرج واللجام ، وكذلك في السرير ، كما في الرواية التالية .

7 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان عن ربعي (بن عبد الله بن الجارود) عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت ؟ فقال : ( إن كان ذهباً فلا ، وإن كان ماءَ الذهب فلا بأس )[20] صحيحة السند . وكما في الروايات السابقة ، عدمُ الكراهة في ماء الذهب لأنه لا قيمة له عند العقلاء .

 


[12] التَّوْر هو إناء صغير، نحاس أو خزف، يشرب، ه، ويتوضّأ، ه أيضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo