< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/11/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : ( فَصْلٌ في بعض مستحبات الوضوء )

الأول : أن يكون بمُدٍّ وهو 738 غ تقريباً .

الثاني : الإستياك بأي شيء كان ، ولو بالإصبع ، والأفضل عود الأراك .

الثالث : وضْعُ الإناء الذي يغترف منه على اليمين .

الرابع : غسل اليدين قبل الإغتراف مرة في حدث النوم والبول ، ومرتين من حدث الغائط ، والأفضل التأكيد على تحت الأظافر باستعمال الصابون .

الخامس : المضمضة والإستنشاق ، كلٌّ منهما ثلاث مرات بثلاثة أكف .

السادس : التسمية عند وضع اليد في الماء أو عند صَبِّهِ على اليد ، وأقلها (بسم الله) ، والأفضل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وأفضل منهما ( بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهرين ) 384 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(384) يستحبّ أن يكون الوضوء بمدّ ، كما هو مذهب علمائنا ، كما عن المنتهى والتذكرة ، وذلك لصحيحة[1] زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : ( كان رسول الله (ص) يتوضأ بمد ، ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال[2] ) . والصاع هو 2948,5 غرام ، والمد هو 738 غ تقريباً كما أفاد الشيخ ابراهيم سليمان في كتابه (الأوزان والمقادير) ص 57 ، والمسألة تقريبيّة لأنهم قالوا بأنّ الصاع هو أربعة أمداد ، فعليه يجب أن يكون المدّ 737,12 غراماً .

وفي صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عنه (عليه السلام) : ( كان رسول الله (ص) يغتسل بصاع من ماء ، ويتوضأ بمد من ماء[3] ) ، ومثلهما في ذلك غيرهما .

والمعروف أنّ الصاع هو أربعة أمداد ، بل هو قول العلماء كافة ، كما عن المنتهى ، بل إجماعاً كما عن الخلاف والغنية وظاهر التذكرة وغيرها وهو المصرح به في صحيحة زرارة المتقدمة . لكن في موثقة سماعة : ( إغتسل رسول الله (ص) بصاع ، وتوضأ بمد ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد[4] ) ، ونحوه خبرُ المَرْوَزي ، ولا معارضة بينهما .

لا شكّ ولا خلاف في استحباب الإستياك قبل الوضوء ، كما في الحدائق ، وفي صحيحة معاوية بن عمار : ( وعليك بالسواك عند كل وضوء[5] ) ، ونحوه غيره . والسواك مطلق ، فهو إذن يشمل السواك الإصطناعي المعاصر الموجود في بيوت الناس اليوم . ويؤيّد ذلك ما عن علي بن إبراهيم باسناده : ( أدنَى السواكِ أن تدلكه بإصبعك[6] ) ، وفي رواية السكوني : إن رسول الله (ص) قال : ( التسوّكُ بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك[7] ) . ولعلّك تعلم أنّ أسماء أصابِع الكَفِّ بالترتيب هي الإبهامُ والسَّبَّابة والوُسْطَى والبِنْصِر والخِنْصَر .

ولا شكّ في استحباب أن يكون السواك من شجر الأراك ، فعن مكارم الأخلاق : ( وكان (عليه السلام) يستاك بالأراك ، أمَرَهُ بذلك جبرئيلُ (عليه السلام) ) ، وعن الرسالة الذهبية : ( واعلمْ يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك ، فإنه يجلو الأسنان ، ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسمنها ، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال .. ) . كما لا شكّ في أفضليّة الجمع بين السواك الحديث والسواك الشرعي (الخشبي) ، وذلك لوضوح العلّة في الروايات من استحباب استعمال السواك ، فاستعمالهما معاً يحقّق الهدف المعلوم في الشرع . وأخبرني الآن أحد أطبّاء الأسنان بعدّة فوائد لسواك الأراك ، منها أنّ فيه مادّةً معقّمة قاتلة للجراثيم التي تكون على الأسنان أو داخل اللثة ، ولذلك صاروا يصنعون منها معجون أسنان .

* ويستحبّ وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين ، وقد يستدلّ على ذلك بالنبويين أحدهما : ( إنّ الله يحبّ التيامن في كلّ شيء ) ، والآخر : ( إنه (عليه السلام) كان يعجبه التيامنُ في طهوره وفعله وشأنه كلّه ) .

* ويستحبّ للرجل أن يغسل يده مِن حَدَثِ النومِ مرّة ، ومن حدث البول مرّة أو مرّتين ، ومن حدث الغائط مرّتين ، ومن حدث الجنابة ثلاث مرّات ، فقد ورد في صحيحة الحلبي عن الوضوء : كم يُفْرِغُ الرجلُ على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء ؟ قال (عليه السلام) : ( واحدة من حدث البول ، واثنتان من حدث الغائط ، وثلاثاً من الجنابة )[8] وهو المشهور ، وفي صحيحة حريز أو حسنته : ( يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثاً[9] ) ، ولعل قوله (عليه السلام) ( مَرَّتَين ) في هذه الرواية هو بلحاظ ما لو جَمَعَ بين البول والغائط ، كما هو الظاهر من عدم تكرار ( من ) ، وفي الجواهر : ( لم أجد فيه خلافاً ) . ولا شكّ أنّ الظاهر من هكذا روايات هو الإنصراف إلى خصوص ما لو كان يصبّ على يده من الماء القليل ، لا ما إذا كان الماءُ جارياً ، فإنه بتكراره إنْ نَزَلَ بمقدار مرّتين أو أكثر فهو كافٍ ، لأنّ المسألة توصليّة ـ أي الهدف هو التنظيف ورفْعُ النجاسةِ المحتملة ـ لا تعبّديّة ، فإن احتملت أن يكون الهدف نفسيّاً فلا شكّ ح في استحباب التكرار مرّتين . ثم إنّ المنصرف إليه من الروايات هو غسلُ خصوصِ الكفّين لا أكثر .

* أمّا المضمضة والإستنشاق فالنصوصُ بهما مستفيضة أو متواترة ، ففي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر : ( وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة : تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثاً[10] ) ، وفي موثقة أبي بصير : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عنهما فقال (عليه السلام) : ( هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تُعِدْ )[11] . ولا شكّ أنّ الغاية من المضمضة والإستنشاق هو التنظيف ، فلو استاك بالسواك الإصطناعي مع معجون أسنان فقد حصل المطلوب ، ففي رواية الخصال بإسناده عن عليّ (عليه السلام) في حديث الأربعمئة : ( والمضمضة والإستنشاق سُنَّة وطهَورٌ للفم والأنف ...[12] ) ، ولذلك أيضاً وَرَدَ استحبابُ المبالغة في المضمضة والإستنشاق ، فقد روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ (ص) قال : ( ليبالغْ أحدُكم في المضمضة والإستنشاق ، فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان )[13] ، ولذلك أيضاً إذا كان الإنسانُ قد غسّل فَمَهَ وأنفه قبل دقائق جيّداً ثم أراد أن يتوضّأ فلا يبعد سقوطُ استحباب المضمضة والإستنشاق ثانيّة .

* ويستحبّ التسميّة والدعاء قبل أنْ يَمَسّ الماءَ للوضوء وهو أمْرٌ عقليّ محض ، فإنّ الله تعالى يحب من عباده أن يواصلوا على ذِكْرِهِ في كلّ الحالات ، وأن يَبقوا على صِلَةٍ مع الله ، فكيف إذا كان العبدُ يريد أن يتوضّأ للصلاة التي هي أعظم عبادة على الإطلاق ، ولذلك كثرت الروايات في ذلك ، ومن أعظم الأذكار في بداية كلّ عمل هو (بسم الله الرحمن الرحيم) ، لذلك كانت بداية لكلّ سورة ـ إلاّ سورة التوبة لأنها نزلت بالبراءة من المشركين ـ ففي صحيحة زرارة ( إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهرين[14] ) ، وفي حديث الأربعمئة : ( لا يتوضأ الرجل حتى يسَمّي ، يقول قبل أن يمس الماء : بسم الله ...[15] ) . هذا وفي مصححة زرارة الحاكية لوضوء النبيّ (ص) ( ثم غرف مِلأها ماءً فوضعها على جبينيه ، ثم قال : بسم الله ...[16] ) وهو ظاهر في استحباب التسمية أيضاً عند غسل الوجه . ويظهر من بعض النصوص استحباب التسميّة في غير ذلك من الحالات ، فراجع .

ويكفي (بسم الله) وذلك لإطلاق قوله "حتى يسمّي" ، وأما مجرد التلفظ باسم من أسمائه تعالى فالظاهر أنه لا تصدق التسمية عليه ، وإن كان قد يشهد له خلو بعض النصوص عن لفظ الإسم والإكتفاء بالشهادة ونحوها . ولا شكّ في أفضليّة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، وذلك لحديث محمد بن قيس ( فاعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء وقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ، تناثرت الذنوب ...[17] ) ، بل ورد في بعض الروايات كراهةُ ترْكِ التسمية قبل الوضوء[18] .


[1] إعتمدت في هذه المسألة ـ في تصحيح الروايات ـ على مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج2، ص311، وذلك لكون الموارد المذكورة إستحبابيّة.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص301، أبواب الوضوء، ب27، ح1، ط الاسلامية. ويمكن معرفة مصادر كلّ الروايات، كتاب مستمسك السيد الحكيم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo