< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فَصْلٌ في غايات الوضوءات الواجبة وغير الواجبة
الوضوء إمّا مستحبّ في نفسه، فإنه يستحبّ الوضوء للكون على الطهارة، وإمّا شرط في صحّة فِعْلٍ كالصلاة والطواف الواجب دون المستحبّ377، وإمّا شرط في كماله كقراءة القرآن، أو واجب بالعرَض كالوضوء الواجب بالنذر أو رافع للكراهة، كوضوء الجنب للأكل .
أما الغايات للوضوء الواجب فيجب للصلاة الواجبة أداءً وقضاءً، عن النفس أو عن الغير، ولأجزائها المنسية، بل ولسجدتي السهو على الأحوط وجوباً، وللطواف الواجب ولو بالعرَض، وهو ما لو كان الطوافُ جزءً من الحجّ أو العمرة المندوبَين، فبما أنه يجب إتمامهما بالشروع فيهما إجماعاً، فيصير نفسُ طوافهما واجباً أيضاً، أمّا الطواف المستحبّ الذي ليس جزءً من حجّ أو عمرة فلا يشترط الطهارة فيه . ويجب الوضوء بالنذر والعهد واليمين .
وقد اشتهر جداً بين قدماء فقهائنا جوازُ مـَسِّ الآيات القرآنية الشريفة على المحْدِث بالأصغر، وهو الصحيح . كما لا دليل على حرمة مسّ المحْدِثِ بالأكبر للآيات القرآنية الكريمة، وقد اختلفوا في جواز ذلك وحرمته، والصحيح أيضاً جواز ذلك، إلاّ أنه لا يَحْسُنُ . وأيضاً لا يَحْسُنُ للمحْدِثِ مَسُّ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه الخاصّة وأسماءِ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وإن كان جائزاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
377 أكثرنا الكلام حول هذه المسألة، ويكفي أن نقول الكلام التالي الآن :
لم تَثْبُتْ عقلاً المنكريّةُ في مسّ المحْدِثِ ـ بالأصغر والأكبر ـ للآيات الشريفة، فإنه ليس نجاسةً كالغائط مثلاً .
وبعد كلّ الذي سمعتَ يجبُ الإفتاءُ بجواز مسّ كتابة المصحف الشريف للمحْدِث بعد الظنّ القويّ بوجود سيرة عند الشيعة في زمن المعصومين (عليهم السلام) على جواز مسّ كتابة المصحف الشريف للمحْدِث بالأصغر والأكبر، وبعد الظنّ القويّ بكون الروايات المانعة لمسّ المحْدِثِ صادرةً عن تقيّة .
أمّا مسُّ أسماءِ الله تعالى وصفاته المختصة به فلا دليل ـ كما رأيتَ ـ على حرمة ذلك على المحْدِث بالحدَثَين، فيجب القول بجواز ذلك للأولويّة بعد جواز ذلك في آيات القرآن الكريم المحتوية على أسماء الله تعالى غالباً .
وأمّا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) فلا شكّ، بعد كلّ ما سمعتَ، في جوازه للمحدث .
ونتيجةُ كلامنا هو عدم وجوب الإحتياط في مسّ الآيات القرآنية الكريمة للمحْدِث بالأصغر أو بالأكبر، وجواز مسّ مطلق أسماء الله تعالى وصفاته، فضلاً عن أسماء الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، بل عدم ثبوت الكراهة، بل ثبوت عدم الكراهة، والله هو العالِمُ، والحمد لله رب العالمين .
أمّا كونُ الوضوء شرطاً في كمال قراءة القرآن الكريم فلِما رواه عبد الله بن جعفر الحميري(ط ري) في قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد(بن سالم ثقة من أصحابنا ط رضا (عليهم السلام)) عن محمد بن الفضيل[1] عن أبي الحسن (عليهم السلام) قال : سألته : أقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي وأعود إلى المصحف فأقرأ فيه ؟ قال : ( لا، حتى تتوضأ للصلاة ) وهي تفيد كراهةَ قراءة القرآن الكريم حتى يتوضّأ، هذا، ولكن يبعد جداً إرادة الكراهة المصطلحة، وهي المبغوضيّة، وإنما يظهر ـ عقلاً ـ أنها تعني قلّةَ الإستحباب، وذلك لأنّ قراءة القرآن الكريم حسنة عقلاً وراجحة في نفسها، لأنها من العبادات الراجحة في نفسها . ولذلك إن أراد الإنسانُ أن يتوضّأ فله أن ينوي بوضوئه قراءة القرآن الكريم، وإن كان الأحوط إستحباباً أن ينوي الكون على الطهارة .
وقريب منها روى الشيخ الصدوق في الخصال بإسناده عن عليّ (عليه السلام) ـ في حديث الأربعمئة ـ قال : ( لا يقرأ العبدُ القرآنَ إذا كان على غير طهور حتى يتطهر ) .
وروى أحمد بن فهد في عدة الداعي قال قال (عليه السلام) : ( لقارئ القرآن بكلّ حرف يقرؤه في الصلاة قائماً مئةُ حسنة، وقاعداً خمسون حسنة، ومتطهراً في غير صلاة خمس وعشرون حسنة، وغير متطهر عشر حسنات، أما إني لا أقول : المر، بل بالألف عشر وباللام عشر وبالميم عشر وبالراء عشر )[2] وهي تفيد استحباب قراءة القرآن على طهارة .
ويستحبّ الوضوءُ للكون على الطهارة بلا شكّ .
كما أنه يُكْرَهُ على الجنب أن يأكل أو يشرب قبل أن يتوضّأ، فإنه يورث الفقرَ، وسيأتي ذلك في (فصل فيما يكره على الجنب).


[1] إن كان الأزدي الصيرفي الأزرق ـ كما هو الظاهرـ فهو يرمى بالغلوّ، ووصفه الشيخ بالضعيف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo