< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة الفراغ في مورد الإستنجاء

مسألة 3 : إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في أنه استنجَى أم لا، فإنّ عليه أن يبني على العدم، وذلك لعدم جريان قاعدة الفراغ في هكذا حالة356، وكذا فيما لو دخل في الصلاة ثم شَكَّ، فإنّ له أن يبني على الإستنجاء بلحاظ الأجزاء السابقة، لكن لا تجري قاعدة الفراغ للأجزاء التالية . نعم لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة فإنّ له أن يبني على صحّة صلاته لقاعدة الفراغ، وأيضاً عليه الإستنجاءُ للصلوات الآتية . ويجب أن يُعلم أنّ قاعدة الفراغ لا تجري إلاّ مع احتمال الإلتفات، أمّا مع قطعه بعدم الإلتفات فلا تجري قاعدة الفراغ على الأحوط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(356) روى في الفقيه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إذا شكّ الرجل بعدما صلّى فلم يدرِ أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينُه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يُعِد الصلاةَ، وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك )[1]، ورواها ابنُ إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم، صحيحة السند .
وقد تقول : لكنّ التعليلَ في هذه الرواية ـ ومثلُها ما بعدها ـ يفيد أنّ الشخصَ إذا كان يعرف لزوم الإستنجاء لتحصيل شرط الصلاة، ويوجد عنده ماء أو شيء يتمسّح به، ولا مانع عنده من عجلة أو خوف ونحو ذلك، فلماذا لا يكون قد استنجى ؟! ففي هكذا حالة يجب أن يرجع إلى التعليل الموجود في الصحيحة السابقة .
فأقول : يمكن صحّة ذلك، لكن الجزم به صعب، وذلك لاحتمال أنّ الفراغ قد شرّع في حالة الرواية السابقة والرواية التالية لأنّ الإنسان عادة يكون ملتفتاً إلى صلاته وأجزائها ووضوئه وأجزائه، والإستنجاء عمل مستقلّ في نفسه، وليس جزءً من شيء آخر .
ففي التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن فُضالة(بن أيوب) عن أبان بن عثمان[2] عن بُكَير بن أعيَن (مستقيم جداً ومشكور جداً) قال قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ ؟ قال : ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ )[3].أقول : هذه الرواية ـ ظاهراً ـ مرويّة عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ذلك لأنّ بُكَيراً هذا يروي رواياتِ الوضوء عنه (عليه السلام) . وعلى أيّ حال لا شكّ في أنّ بُكَير لم يروِ هذه الرواية عن غير المعصوم وإلاّ لكان غاشّاً في أسانيد الروايات بل لكان غاشّاً في دين الله عزّ وجلّ، وحاشا لمثل بُكَير أن يرتكب مثل هذا . المهم أنّ هذه الرواية موثّقة السند . وكما قلنا في الرواية السابقة، هو بعد الفراغ قد ينسى، فقد يكون من الصحيح أن يقول له الشارعُ المقدّس إبنِ على أنك قد استنجيتَ، وهذا تعليل عقلائي من الإمام (عليه السلام) ويفيدنا أيضاً أنّ قاعدة الفراغ هي قاعدة عقلائية، لا محض تعبّد من دون سبب عقلائي، ولكن الجزم بذلك والإفتاء صعبٌ .
وقريب منهما أيضاً صحيحة الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أستتمّ قائماً فلا أدري ركعتُ أم لا، قال : ( بلى قد ركعتَ، فامضِ في صلاتك، فإنما ذلك من الشيطان )[4] فلم يقل الإمام (إبنِ على صحّة العمل) وإنما قال ( بلى قد ركعتَ ) أي بناءً على أصالة أنّ الإنسان حين العمل يكون أذكر منه حين الفراغ يجب أن يقول له العقلاء (بلى قد ركعت) وذلك لأصالة الإلتفات العقلائية أو قُلْ لأصالة الصحّة العقلائية، إذن فهذه الرواية إشارةٌ إلى كون قاعدة الفراغ أمارة لا أصلاً عملياً، وأنّ الإمام (عليه السلام) حين اعتبره قد ركع فإنّ ذلك يعني أنّ عليه أن يبني على التفاته حين العمل، وأنّ شكّه بعد الصلاة وسوسةٌ من الشيطان .
وقد تستفيد ذلك أيضاً ممّا رواه في التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ؟ قال : ( يمضي )، قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ؟ قال : ( يمضي )، قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ؟ قال : ( يمضي )، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ؟ قال : ( يمضي )، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ؟ قال : ( يمضي على صلاته )، ثم قال : ( يا زرارة، إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) [5] صحيحة السند .
وقد تستفيد أيضاً ممّا رواه في التهذيب أيضاً عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( كل ما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامضِ ولا تُعِد )[6] صحيحة السند أيضاً[7].
وبناءً على ما ذكرنا قد يصحّ أنْ نُقَدّم قاعدةَ الفراغ على استصحاب عدم الإستنجاء بالورود، بمعنى أنها تُلغي موضوعَ الإستصحاب تعبّداً .
ثم إنك إن لاحظت الروايات الثلاثة الاُولى ترى أنّ أئمّتنا (عليهم السلام) يستدلّون بأدلّة عقلائيّة محضة، ولا يخترعون شيئاً جديداً غيرَ معروف مسبقاً عند الناس، فهي تفيدنا أصالةَ الإلتفات عند العقلاء وأصالةَ الصحّة في أعمالهم، وأنّ الشخص يتصرّف عادةً التصرّفَ الصحيح، لكن طبعاً بشرط احتمال الإلتفات، كما يقول السيد المرعشي النجفي أيضاً . ولذلك تعرف أنّ قاعدة الفراغ هي أمارة لا أصلاً عمليّاً .
وأمّا لو شكّ في الإستنجاء لسبب أنه كان في منطقة رمليّة مثلاً وحصل عنده شكّ عقلائي بعد انتهائه من التخلّي بساعة مثلاً أنه لم يكن يوجد ماءٌ أصلاً واحتمل أيضاً أنه لم يجد حجارةً ونحو ذلك، فهنا يوجد وجهٌ عقلائي للشكّ، ففي مثل هذه الحالة يجب أن يبني على عدم الإستنجاء لأصالة العدم الأزلي، حتى ولو ظنّ أنه قد استنجى .
* ولو شرع في الصلاة من دون توجّه إلى قضيّة استنجائه، ثم شكّ وهو يصلّي، فإن احتمل أن يكون ملتفتاً إلى قضيّة استنجائه قبل الصلاة فإنّ له أن يبني على قاعدة الفراغ، لكن بلحاظ الأجزاء السابقة، وإلاّ ـ فإن كان يقطع بأنه لم يكن ملتفتاً إلى قضيّة الإستنجاء ـ فلا يصحّ أن يجري قاعدة الفراغ . وعلى أيّ حال يجب عليه أن يستنجي لما يأتي من صلوات .
* نعم، لو شكّ في حصول الإستنجاء بعد الصلاة، هنا تجري قاعدة الفراغ بلا شكّ، لكنْ كما قلنا قبل قليل (إنْ كان يَحتمل أنه قد التفت إلى قضيّة الإستنجاء قبل الصلاة)، لكن ـ كما تعلم ـ يجب عليه ـ على الأحوط ـ أن يستنجي لما يأتي، وذلك لعدم وضوح الروايات السابقة في البناء مطلقاً على الإستنجاء، أي حتى بلحاظ الأعمال الآتية .


[2] قال عنه علي بن الحسن بن فضّال الفطحي إنه كان ناووسياً، والناووسي هو الذي وقف على الإمام جعفر الصادق وقال عنه إنه حيّ لن يموت حتى يَظهَرَ ويَظهَرُ أمرُه، وهو القائم المهدِيّ . وعن الملل والنحل : وقالوا إنّ عليّاً (عليه السلام) مات وستنشقّ الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً، قيل : نُسِبوا إلى رجل يُقال له ناووس، وقيل : إلى قرية يُقال لها ذلك . ثم إنه لا شكّ في وثاقة أبان بن عثمان لشهادة الكشي أنّ ( العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ... وهم : ... وأبان بن عثمان ...)، والصدوق في الفقيه يروي عنه مباشرة.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص936، أبواب الخلل أحاديث، باب13، ح1و 2و 3، ط الاسلامية لعلّك تذكر بأنّ قاعدة الفراغ ناظرةٌ إلى الشكّ في صحّة العمل، وقاعدةُ التجاوز ناظرةٌ إلى الشكّ في أصل الوجود، وهاتان القاعدتان هما أمارتان وليستا أصولاً عملية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo