< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : يخيّرُ الشخصُ في مخرج الغائط بين إزالة القذارة بالأحجار وغيرها

يخيّرُ الشخصُ في مخرج الغائط بين إزالة القذارة بالأحجار ونحوها وبين إزالتها بالمائع، كالماء مثلاً، لما ذكرناه قبل قليل . ولك أن تستدلّ على ذلك بما يلي :
1 ـ صحيحة يونس بن يعقوب السابقة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : ( يَغْسِلُ ذكرَه، ويُذهِبُ الغائطَ، ثم يتوضأ مرتين مرتين )[1] صحيحة السند، والملاحَظُ هنا أنّ الرواية ذَكَرَتْ في الوضوء مرّتين مرّتين، وهو أمرٌ مستحبّ، ولم تذكر في إذهاب الغائط أكثر من أنْ ( يُذْهِبَ الغائطَ ) مع أنها قالت في كيفية الوضوء ( مرتين مرتين ) ممّا يعني أنّ الإمام (عليه السلام) كان في مقام البيان، وبالتالي يعني الإكتفاء بمجرّد إذهاب الغائط لا أكثر .
2 ـ صحيحة عبد الله بن المغيرة السابقة عن أبي الحسن(الكاظم) عليه السلام قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )، قلت : فإنه يَنْقَى ما ثَمّةَ ويَبْقَى الريحُ ؟ قال : ( الريحُ لا يُنظر إليها )[2] صحيحة السند، وهذا صريح أيضاً في استفادة الإكتفاء بالنقاوة، لا أكثر، فهي صريحة في الإكتفاء بزوال النجاسة .
3 ـ وفي يب بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال : كان يستنجي من البول ثلاث مرات، ومن الغائط بالمدر والخرق .
4 ـ وفي يب أيضاً عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ( كان الحسين بن علي (عليهم السلام) يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل) . الكُرْسُف أو الكُرسوف هو القطن .

* ولكن هل يجوز المسح بالرَّوث والعظم أم لا يجوز ؟
لنلاحظْ أوّلاً الرواياتِ التالية :
1 ـ روى في يب باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن خالد عن أحمد بن عبدوس عن الحسن بن علي بن فضال عن المفضل بن صالح (كذّاب يضع الحديث) عن ليث المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود ؟ قال : ( أما العظم والروث فطعامُ الجِنّ، وذلك مما اشترطوا على رسول الله (ص) ) فقال : ( لا يصلح بشيء من ذلك ) ضعيفة السند . قال الفيض الكاشاني : "إنهم يأتون العظم فيشمونه فيصير ذلك غذاء لهم" . وأنا لا أفهم هذه الاُمور، ولا أعرف دليلَها .
2 ـ وفي الفقيه قال : إنّ وفْدَ الجنّ جاؤوا إلى رسول الله (ص) فقالوا : يا رسول الله "مَتِّعْنا"، فأعطاهم الروثَ والعظم، فلذلك لا ينبغي أن يُستنجَى بهما[3]. الروث هو رجيع ذات الحافر من الخيل والبغال والحمير ونحوها .
أقول : رأيتَ أنّ الرواية الاُولى ضعيفة السند، والثانية مرسلة جداً وغير دالّة على الإلزام، وإنما تدلّ على الكراهة فقط . على كلّ لا يبعد كراهة الإستنجاء بالعظم إن كان لإنسان، وذلك احتياطاً، لعلّه لمُسْلِمٍ، ولعلّه أيضاً لا يزيل النجاسة بشكل جيد، وأمّا الروث فيبعد اقتلاع النجاسة به . ويؤيده ما رواه العامّة عن النبيّ (ص) أنه قال : لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن، وعن الدارقطني أنّ النبيّ (ص) نهى أن يُستنجَى بروث أو عظم، وقال : إنهما لا يطَهِّران، وعن أبي داود عن النبيّ (ص) أنه قال : لرويفعة بنت ثابت : أخبري الناسَ أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو بريء من محمد، بل في الخلاف : رَوَى سلمان قال : أمرنا رسول الله (ص) أن نستنجي بثلاثة أحجار وليس فيها رجيع ولا عظم، والضعفُ في سند أخبارنا، أو في دلالتها لمكان لفظ "لا ينبغي" ونحوِه منجبر بعمل الأصحاب في المقام، بل يظهر منهم عند الإستدلال على حرمة الإستنجاء بالمطعوم أنه من المسَلَّمات، حيث يأخذونه دليلاً عليه، لكن ظاهر النص والفتوى تخصيص الحكم بما يسمّى روثاً .
على أيّ حال فلا يوجد دليل صحيح السند ظاهرُ الدلالة على حرمة الإستنجاء بالروث أو العظم، أو على عدم صحّة الإستنجاء بها، المهمّ أن تزول النجاسة .

* وقد يَتوهّم بعضُ الناس وجوبَ استعمال ثلاثة أحجار ـ لا أقلّ ـ في إزالة الغائط، حتى وإن فُرِضَ زوالُ النجاسةِ بأقلّ من ثلاثة حجارة، ويستدلّون على هذا بما يلي :
1 ـ ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار، بذلك جرتِ السُنّةُ من رسول الله (ص)، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[4] . وكلمة ( يجزيك ) يعني أنك مخيّر، وليس ذلك متعيَّناً عليك .
ورواها في يب هكذا قال : عن الشيخ المفيد(محمد بن محمد بن النعمان) عن جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى)بن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد وابن أبي نجران جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( جرت السُنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[5] صحيحة السند .
2 ـ وقد يفيدنا ما رواه في علل الشرائع قال : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنهم كانوا يأكلون البسر[6] فكانوا يَبْعَرُون بَعْراً، فأكل رجلٌ من الأنصار الدُّبّا[7] فلانَ بطنُه فاستنجَى بالماء، فبعث إليه النبيّ (ص) قال : فجاء الرجل وهو خائف يظن أن يكون قد نزل فيه أمرٌ يسوؤه في استنجائه بالماء، فقال (ص) له : "هل عملتَ في يومك هذا شيئاً ؟" فقال : نعم يا رسول الله، اِنّي واللهِ ما حملني على الإستنجاء بالماء إلا أنّي أكلتُ طعاماً فلانَ بطني، فلم تُغْنِ عني الحجارةُ شيئاً، فاستنجيتُ بالماء ! فقال رسول الله (ص) : ( هنيئاً لك، فإنّ اللهَ تعالى قد أنزل فيك آيةً فأبشر ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222)) [8]فكنتَ أوَّلَ مَن صَنَعَ هذا، أوّلَ التوابين وأوّلَ المتطهرين )[9] .
3 ـ وفي كتاب الذكرى عن سلمان الفارسي المحمّدي (عليه السلام) قال : نهانا رسول الله (ص) اَنْ نَستنجِيَ بأقلِّ مِن ثلاثة أحجار . ورواها في المستدرك عن العوالي عن النبيّ (ص) نحوه .

أقول : لا شكّ في كون العلّة ـ كما ذكرنا عدّة مرّات ـ هي إزالة القذارة لا أكثر، ويكفي هنا أن نذَكِّرَ ببعض الكلام السابق فنقول :
1 ـ روى في يب بإسناده عن الصفار عن السندي بن محمد(ثقة وجه) عن يونس بن يعقوب(ثقة) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : ( يَغْسِلُ ذكرَه، ويُذهِبُ الغائطَ، ثم يتوضأ مرتين مرتين )[10] صحيحة السند، والملاحَظُ هنا أنّ الرواية ذَكَرَتْ في الوضوء مرّتين مرّتين، وهو أمرٌ مستحبّ، ولم تذكر في إذهاب الغائط أكثر من أنْ ( يُذْهِبَ الغائطَ ) مع أنها قالت في كيفية الوضوء ( مرتين مرتين ) ممّا يعني أنّ الإمام (عليه السلام) كان في مقام البيان، وبالتالي يعني الإكتفاء بمجرّد إذهاب الغائط لا أكثر .
2 ـ وفي الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (عبد الله)بن المغيرة عن أبي الحسن(الكاظم) عليه السلام قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )، قلت : فإنه يَنْقَى ما ثَمّةَ ويَبْقَى الريحُ ؟ قال : ( الريحُ لا يُنظر إليها )[11] صحيحة السند، وهذا صريح أيضاً في استفادة الإكتفاء بالنقاوة، لا أكثر، حتى وإن حصلت بأقلّ من ثلاثة أحجار، نعم حصولُ النقاوة بأقلّ من ثلاثة حجارة فَرْضٌ نادر، قد لا يحصل، وعلى هذا نَجمَعُ بين طائفتَي الروايات .
وبناءً على ما ذكرنا فإنه يجزي أن يتمسّح الشخصُ بنفس المحرمة الناعمة من جهاتها المتعدّدة حتى تزول النجاسة . وتستفيد من هتين الروايتين أنه لا ضرر من بقاء الرائحة في المسح من الغائط .

* وإذا تجاوز الغائطُ المحلَّ المعتادَ فالأحوطُ وجوباً غسله، وذلك رجوعاً إلى العمومات، ولإستصحاب بقاء النجاسة، ولما رواه في المستدرك قال : عن فخر المحققين عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)أنه قال : ( يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محلَّ العادة )[12].
* * * * *
مسألة 1 : لا يجوز الإستنجاء بالمحترمات المقدّسة ولا بالعظم والروث، ولو استنجى بها عصى، لكن يطهر المحلّ على الأقوى 354.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
354 ذكرنا هذه المسألة قبل عدّة أسطر، وأمّا الإستنجاء بالمحترمات فهو من أكبر المحرّمات، بل قد يوجب الكفر في بعض الأحيان .
* * * * *
مسألة 2 : إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدم أو وصل إلى المحل نجاسة من الخارج يتعين الماء355 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
355 وذلك لاستصحاب النجاسة إذا اكتفى بالمسح، وذلك لورود روايات المسح في خصوص الحالات الإعتياديّة، ولا يطهر محلّ الدم بغير الماء .


[5] وسائل الشيعة، شیخ الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح10، ط الاسلاميةملاحظة، قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً ...) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو ).. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً ..).
[6] هو التمر قبل أن يُرْطِبَ لغضاضته، قال الأصمعي ( إذا اخضرّ حبُّه واستدار فهو خَلال، فإذا عَظُمَ فهو البُسْرُ، فإذا احمرّت فهي شِقْحَة )، وقال الجوهري ( البُسْرُ أوّلُه طَلْعٌ ثم خَلال ثم بَلَحٌ ثم بُسْرٌ ثم رُطَبٌ ثم تمر )وبكلمة اُخرى، هو الملوّن قبل أن ينضج وقبل أن يحمرّ، فإذا نَضِجَ فقد أَرْطَبَ، واحدتُه بُسْرَة.
[7] مشهور معروف في بلادنا بإسم القَرع، وهو يشبه الكوسَى تماماً ولكنه أكبر،ه بقليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo