< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة الكلام في الإستنجاء

( فَصْلٌ في الإستنجاء )

المراد من الإستنجاء هو إزالةُ البول والغائط، فإنه يجب غسل مخرج البول حتى تزول النجاسة، ويكفي المرّة الواحدة353 لأنّ الهدف هو زوال النجاسة، ولا يُجزئُ في مخرج البولِ غيرُ المائع، ولا فرق بين الذكر والأنثى والخنثى، كما لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره معتاداً أو غير معتاد، المهمّ أن تزول النجاسة . وأمّا في مخرج الغائط فإنّ الشخص مخيّر بين الماء والمسح بثلاثة أحجار ونحو الأحجار من الأجسام القالعة كالخرق والمحارم الورقية الناعمة المعروفة، ولا يجزي دون الثلاثة، هذا إن لم يتعد عن المخرج، وإلا فإن تَعَدَّى، كما إذا وقعت نقطة من الغائط على الفخذ مثلاً فإنه يتعيّن فيها الماءُ دون الحجارة .
والمسألة توصليّة وليست تعبّديّة، أي أنّ المهم هو العلم بزوال النجاسة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
353 في هذه المسألة عدّة نقاط ...
* النقطة الثانية : قال بعض الناس بوجوب أن يُغسَلَ مخرَجُ البول مرّتين، واستدلّوا على ذلك ببعض روايات ذكرناها أمس وذكرنا جوابها، وادّعى السيد الخوئي وجوبَ تقييد الروايات المطلقة التالية بهذه الروايات (المقيّدة بالمرّتين) جمعاً بين المطلق والمقيّد .
وذكرنا أمس دليلنا على الإكتفاء بغسلة واحدة، وهي عشر روايات مطلقة، نكتفي بذكر الثلاثة الأخيرة منها :
8 ـ ومثلها ما رواه في يب أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( إذا انقطعت درة البول فصب الماء )، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن جميل مثله[1] صحيحة السند .
فإن قيل : إنّ الروايات المذكورة غير ناظرة إلى عدد الغسلات من البول .
قلتُ : أوّلاً : كلّها أو جلّها في مقام البيان للعمل، ثانياً ومع التنزّل، يكفي القولُ بأنّ الأصل أن يكون المتكلّم العاقل في مقام البيان، وإلاّ لكان غاشّاً، وحاشا لأئمّتنا (عليهم السلام) أنْ يَغُشّونا في أحكام الله سبحانه وتعالى .
9 ـ ما رواه في التهذيبين أيضاً عن المفيد عن أحمد بن محمد (بن الحسن بن الوليد) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن مروك بن عبيد (ثقة) عن نشيط بن صالح (ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال سألته : كم يجزي من الماء في الإستنجاء من البول ؟ فقال : ( مِثْلا ما على الحشفة مِنَ البَلَل ) مصحّحة السند بلحاظ أحمد بن محمد . وهي مطلقة بلحاظ وحدة الصبّة أو تعدّدها، وبالتالي هذا يكفي في إثبات مطلوبنا وهو الإكتفاء بصبّ هذا المقدار ـ رغم قلّته جدّاً ـ صَبّةً واحدة، تمسّكاً بالإطلاق .
10 ـ وفي الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (عبد الله)بن المغيرة عن أبي الحسن (الكاظم) عليه السلام قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )، قلت : فإنه يَنْقَى ما ثَمّةَ ويَبْقَى الريحُ ؟ قال : ( الريحُ لا يُنظر إليها )[2] صحيحة السند.
( تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ )
وقد أخّرنا الروايةَ الأخيرة لأهميّتها ولطول الكلام فيها فنقول :
لعلّك تعلم أنّ كلمة (الإستنجاء) تشمل عرفاً الإستنجاء من البول ومن الغائط . وقد اكتفى الإمامُ (عليه السلام) في التطهير من البول بزوال النجاسة، وهذا ما ندّعيه .
قال في لسان العرب : ( نَجا وأنْجَى إذا قَضَى حاجتَه منه، والإستنجاءُ هو استخراجُ النَّجْوِ مِنَ البَطْن، وقيل هو إزالتُه عن بدنه بالغَسْل والمَسْح، وقيل هو مِنْ نَجَوْتُ الشجرةَ وأَنْجَيْتُها إذا قَطَعْتُها، كأنه قَطَعَ الأذى عن نفسه . والإستنجاء هو الإغتسال بالماء، من النَّجْوِ والتمسّح بالحجارة منه، واستنجيتُ بالماء والحجارة أي تطهّرتُ بها، والإستنجاءُ هو التنظّف بمَدَر أو ماء . وقال الأصمعي "أنجى فلان إذا جلس على الغائط يتغوّط، ويقال أَنْجَى الغائطُ نفسُه يَنْجُو، وفي الصحاح نجا الغائطُ نفسُه، والنَّجْوُ العَذِرَة نفسُه، وأيضاً : النجو هو ما يخرج من البطن من ريح وغائط، واستنجيت الشجرة : قطعتها من أصلها، واستَنْجَيْتُ النخلةَ إذا قطعت من رطبها، ونَجَوْتُ جِلْدَ البَعِير عنه وأَنْجَيْتُه إذا سَلَخْتُه، ونَجا جِلْدَ البَعيرِ والناقةِ نَجْواً، ونَجا وأَنْجاه أي كَشَطَهُ عنه) (إنتهى) [3] .
إذن الإستنجاء يعني القطع، وفي المقام يعني قطع الأذى وإزالته عن نفسه، وهو يشمل التطهير من البول والغائط، وإن كان من الغائط هو الأشهر والأكثر استعمالاً .
فإن قيل : إنّ ذيلَ الرواية يشير إلى إرادة خصوص الإستنجاء من الغائط !
قلنا : صدرُ الروايةِ عامّ، وذيلُها خاصّ، ولا مانع من ذلك .
وإذا رجعتَ إلى الإستصحاب فإنك تعرف أنه بعد فرض زوال البول بالصبّة الواحدة لا يبقى محلّ لاستصحاب النجاسة، وذلك لزوالها أصلاً، وأمّا استصحاب حكم النجاسة من دون وجود أصل النجاسة فهو من المضحكات .
إذن لا بدّ من المسير إلى الإكتفاء بالمرّة الواحدة، لكن بشرط العلم بزوال النجاسة .

النقطة الثالثة : هل يُجزي الغَسلُ بمائع آخر غيرِ الماء، أم يجب خصوص الماء ؟ وبتعبير آخر : قد يوضع بعضُ الموادّ المعقّمة في الإبريق بحيث يخرج الماءُ عن الإطلاق بوضوح، فهل هذا الماء المضاف يُطَهِّرُ أم لا ؟
قد تقول بتعيّن الماء للشهرة ولما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري مجهول) عن أبان بن عثمان عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال :( يجزي من الغائط المسحُ بالأحجار، ولا يجزي من البول إلا الماء )[4] .
فأقول : لا شكّ في الإكتفاء بغير الماء من سائر الموائع، لكن بشرط العلم بزوال النجاسة، أمّا هذه الرواية المذكورة فهي في مقام الإرشاد إلى عدم ارتفاع نجاسة البول بالأحجار وإنما يحتاج البول على الذكر للإزالة إلى الغَسل بالماء لا الأحجار، فلا تدلّ هذه الرواية على حصر الغسل بالماء، ولذلك ترى رواياتنا تقول بأنّ الشخص إذا تنجست قدمه أو حذاؤه بالبول من الأرض فإنه يمكن تطهيرها بالأرض، وكذا إذا بال صبيّ على الأرض فجففتها الشمس فإن المحلّ يطهر، ولا تشعر بالمجازيّة في الجملة الاُولى ممّا يدلّ على عدم دلالة الرواية الاُولى على الحصر .
المهم هو أنّ المراد هو التقابل بين مخرج الغائط ومخرج البول، فالأوّل يكفي فيه الحجارة، وفي الثاني لا يكفي .
على أنّ الماء المضاف الذي اُضيفت إليه المعقّمات هو (ماء) حقيقةً، إلاّ أنه اُضيفت إليه المعقّمات فقط، فزادت مطهّريته، المهمّ ـ عند من يشترط الماء ـ هو أن يطهّر بالماء الخارجي، ولا يهمّنا بعد ذلك عدم إطلاق إسم الماء عليه، فنحن لا نطهّر بإسم الماء، وإنما نطهّر بنفس الماء الخارجي .
ويشهد على أنّ العبرة هي بالإنقاء، لا بالغسل بخصوص الماء :
1 ـ ما رواه في المعتبر ج 1 ص 435 عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : ( إغسله مرتين، الأول للإزالة والثاني للإنقاء )[5] مرسلة، ولكن يطمئن المتأمل بصحة مضمون هذه الرواية لأنها وجدانية تماماً وتوافق ما نذكره من أدلة .
2 ـ وأيضاً يشهد لذلك ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول الله (ص) ، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[6] . ومثلُها كلّ الروايات السابقة التي اقتصرت على كلمة ( يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ) ( اِغسلْ ذَكَرَك ) ( عليه أن يغسل ذكره ) ( اِغسلْ ذكرَك ) ( فعليك إعادة الوضوء وغسل ذكرك ) ولم تقيّد الغسْلَ بخصوص الماء .
3 ـ ما رويناه قبل قليل عن الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (عبد الله)بن المغيرة عن أبي الحسن (الكاظم) (عليه السلام) قال قلت له : للإستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، يَنْقَى ما ثَمَّةَ )، قلت : فإنه يَنْقَى ما ثَمّةَ ويَبْقَى الريحُ ؟ قال : ( الريحُ لا يُنظر إليها ) صحيحة السند، فهي صريحة في الإكتفاء بزوال النجاسة .
إذَنْ فالغرضُ هو إنقاءُ المحل بلا شك، بل نحن ندّعي أنها وجدانية، بل استعمالُ الماء في خصوص الذكر أمر عادي إذ لا يستعمل فيه غير الماء عادة، ولا ينقى بغير الغسل بدليل الروايات، بمعنى أنه لا تزول آثار البول بالمسح بالحجارة، فهو أمر ارشادي لا تعبّدي، كما أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب لا تزول آثار جراثيم لعاب الكلب عنه إلاّ بالتعفير بالتراب ثم بغسله، فما وردنا من روايات في كيفية التطهير إن هي إلاّ إرشادات إلى كيفية إزالة آثار النجاسات، فالمناط هو ازالة النجاسة والقذارة لا غير .
وأيضاً تعرف ذلك ممّا رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك ) موثقة السند، فالمناط بالنجاسة هو العلم بالقذارة، وبما أنّ هذا العلم طريقي، فيكون المناط هو وجود القذارة، فإذا ارتفعت القذارة صار المحل طاهراً قطعاً .
ولا فرق فيما ذكرناه بين الرجل والمرأة والخنثى للإطلاق في الروايات، كما لا فرق بين ما لو كان خروج البول أو الغائط من المخرج الطبيعي أو من مخرج غير طبيعي ـ ولو لعمليّة جراحيّة غيّرَتِ المجرى ـ .
ويخيّرُ الشخصُ في مخرج الغائط بين إزالة القذارة بثلاثة أحجار ونحوها وبين إزالتها بالمائع، كالماء مثلاً، لما ذكرناه قبل قليل، من قبيل ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حماد (بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار، بذلك جرتِ السُنّةُ من رسول الله (ص) ، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[7] . وكلمة ( يجزيك ) يعني أنك مخيّر، وليس ذلك متعيَّناً عليك .
ورواها في يب هكذا قال : عن الشيخ المفيد (محمد بن محمد بن النعمان) عن جعفر بن محمد (بن جعفر بن موسى) بن قولويه (صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد وابن أبي نجران جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[8] صحيحة السند .
وقد يفيدنا ما رواه في علل الشرائع قال : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنهم كانوا يأكلون البسر ) [9] فكانوا يَبْعَرُون بَعْراً، فأكل رجلٌ من الأنصار الدُّبّا[10] فلانَ بطنُه فاستنجَى بالماء، فبعث إليه النبيّ (ص) قال : فجاء الرجل وهو خائف يظن أن يكون قد نزل فيه أمرٌ يسوؤه في استنجائه بالماء، فقال (ص) له : ( هل عملتَ في يومك هذا شيئاً ؟) فقال : نعم يا رسول الله، اِنّي واللهِ ما حملني على الإستنجاء بالماء إلا أنّي أكلتُ طعاماً فلانَ بطني، فلم تُغْنِ عني الحجارةُ شيئاً، فاستنجيتُ بالماء ! فقال رسول الله (ص) : ( هنيئاً لك، فإنّ اللهَ تعالى قد أنزل فيك آيةً فأبْشِرْ ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222)[11]فكنتَ أوَّلَ مَن صَنَعَ هذا، أوّلَ التوابين وأوّلَ المتطهرين )[12] .


[3] لسان العرب، مادّة نجا.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح10، ط الاسلامية. ملاحظة، قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً ...) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو (.. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً ..).
[9] هو التمر قبل أن يُرْطِبَ لغضاضته، قال الأصمعي "إذا اخضرّ حبُّه واستدار فهو خَلال، فإذا عَظُمَ فهو البُسْرُ.، فإذا احمرّت فهي شِقْحَة"، وقال الجوهري ( البُسْرُ. أوّلُه طَلْعٌ ثم خَلال ثم بَلَحٌ ثم بُسْرٌ ثم رُطَبٌ ثم تمر )وبكلمة اُخرى، هو الملوّن قبل أن ينضج وقبل أن يحمرّ، فإذا نَضِجَ فقد أَرْطَبَ، واحدتُه بُسْرَة
[10] مشهور معروف في بلادنا بإسم القَرع، وهو يشبه الكوسَى تماماً ولكنه أكبر،ه بقليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo