< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فَصْلٌ في الإستنجاء
المراد من الإستنجاء هو إزالةُ البول والغائط، فإنه يجب غسل مخرج البول والغائط حتى تزول النجاسة، ويكفي المرّة الواحدة353 لأنّ الهدف هو زوال النجاسة، ولا يُجزئُ في مخرج البولِ غيرُ المائع ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
353 كثرت الروايات في الإكتفاء بغسل مخرج البول، ولم تذكر مرّة أو مرّتين، مع أنها في مقام البيان والعمل، فيُفهم من ذلك كفاية المرّة الواحدة، وح تحمل الروايات الآمرة بالمرّتين على التأكّد من زوال النجاسة . فلننظر إلى بعض هذه الروايات :
1 ـ ففي الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين عن أبي الحسن(الكاظم) (عليه السلام) في الرجل يبول فينسى غَسْلَ ذَكَرِهِ ثم يتوضأ وضوء الصلاة ؟ قال : ( يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ولا يُعِيدُ الوضوء ) صحيحة السند .
2 ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى قال حدثني عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أبول وأتوضأ وأنسَى استنجائي، ثم أذكر بعدما صَلَّيتُ ؟ قال : ( اِغسلْ ذَكَرَك وأَعِدْ صلاتَك ولا تُعِدْ وضوءَك ) صحيحة السند .
3 ـ وأيضاً في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن (عُمَر)ابن أذينة قال : ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم بن عتيبة بال يوماً ولم يغسل ذَكَرَهُ مُتَعَمِّداً، فذَكَرْتُ ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال : ( بِئْسَ ما صَنَعَ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه ) صحيحة السند .
4 ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أبيه، والحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة قال : توضأت يوماً ولم أغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : ( اِغسلْ ذكرَك وأعد صلاتك ) صحيحة السند .
5 ـ وأيضاً في التهذيبين بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله عن فضالة بن أيوب عن حسين بن عثمان(بن زياد الرواسي ثقة) عن سماعة بن مهران(ثقة) عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( إن أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء وغسل ذكرك ) صحيحة السند . ولا شكّ في وقوع السهو من الراوي في قوله ( فعليك إعادة الوضوء ) والصحيح (الصلاة) بدل (الوضوء)، ولا أقلّ لمعارضتها بالروايات السابقة، ومثلها في الوقوع في السهو الرواية التالية :
6 ـ وأيضاً في التهذيبين عن سعد بن عبد الله عن صفوان(بن يحيى) عن منصور بن حازم(فقيه ثقة) عن سليمان بن خالد(ثقة فقيه) عن أبي جعفر(الباقر) (عليه السلام) في الرجل يتوضأ فينسَى غَسْلَ ذَكَرِه ؟ قال : ( يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء )[1] صحيحة السند .
7 ـ وفي يب بإسناده عن الصفار عن السندي بن محمد(ثقة وجه) عن يونس بن يعقوب (ثقة) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : ( يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين )[2] صحيحة السند .
ولك أن تستدلّ بإطلاق الروايات الواردة في الفراش ونحوه، وذلك لعدم الفرق بين الثوب والبدن :
1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا (عليه السلام) : الطنفسة والفراش يصيبهما البول، كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو ؟ قال : ( يغسل ما ظهر منه في وجهه )[3]صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن أبي محمود .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، وعن الفرو وما فيه من الحشو، قال : ( اِغسلْ ما أصاب منه ومُسَّ الجانبَ الآخر، فإن أحببت مس شيء منه فاغسله، وإلا فانضحه بالماء )[4] صحيحة السند .
3 ـ وروى عبدُ الله بن جعفر الحِمْيَري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : سألته عن الفِراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول، كيف يغسل ؟ قال : ( يغسل الظاهر، ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر )[5] وهو سندٌ ضعيفٌ بعبد الله بن الحسن لجهالته عندنا، إضافةً إلى أنّها مرسلة ما بيننا وبين صاحب قرب الإسناد إلاّ أن تطمئنّ بصحّة الكتاب بادّعاء تواتره، ورواها علي بن جعفر في كتابه .
4 ـ وقد يصحّ الإستدلال بما رواه في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل يبول بالليل فيحسب اَنّ البول أصابه فلا يستيقن، فهل يجزئه اَنْ يَصُبّ على ذكره إذا بال ولا ينشف ؟ قال : ( يغسل ما استبان اَنّه أصابه، وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه )[6] صحيحة السند .
ثم ماذا تقول فيما لو صَبَبنا الماءَ على الذَكَر مرّة واحدة مستمرّة بمقدار عشرين غسلة وظَلَلْنا نُدَوّرُ الإبريقَ فوقه مع تدليكه عشرين مرّة ؟! ولا تريد النصوص أن تقول إلاّ بضرورة التأكّد من زوال القذارة لا غير، ولك أن تستدلّ على ذلك بما ذكرناه في أوائل هذا الكتاب على الإكتفاء بزوال النجاسة وآثارها .
إذن لا بدّ من المسير إلى الإكتفاء بالمرّة الواحدة، لكن بشرط العلم بزوال النجاسة .

وهل يُجزي الغَسلُ بمائع آخر غير الماء، أم يجب خصوص الماء ؟
قد تقول بتعيّن الماء للشهرة ولما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري مجهول) عن أبان بن عثمان عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال :( يجزي من الغائط المسحُ بالأحجار، ولا يجزي من البول إلا الماء )[7] .
فأقول : لا شكّ في الإكتفاء بغير الماء من سائر الموائع، لكن بشرط العلم بزوال النجاسة، أمّا هذه الرواية المذكورة فهي في مقام الإرشاد إلى عدم ارتفاع نجاسة البول بالأحجار وإنما يحتاج البول على الذكر للإزالة إلى الغَسل بالماء لا الأحجار، فلا تدلّ هذه الرواية على حصر الغسل بالماء مطلقاً، ولذلك ترى رواياتنا تقول بأنّ الشخص إذا تنجست قدمه أو حذاؤه بالبول من الأرض فإنه يمكن تطهيرها بالأرض، وكذا إذا بال صبيّ على الأرض فجففتها الشمس فإن المحلّ يطهر، ولا تشعر بالمجازيّة في الجملة الاُولى ممّا يدلّ على عدم دلالة الرواية الاُولى على الحصر .
المهم هو أنّ المراد هو التقابل بين مخرج الغائط ومخرج البول، فالأوّل يكفي فيه الحجارة، وفي الثاني لا يكفي .
ويشهد على ذلك ما رواه في المعتبر ج 1 ص 435 عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : ( إغسله مرتين، الأول للإزالة والثاني للإنقاء ) مرسلة، ولكن يطمئن المتأمل بصحة مضمون هذه الرواية لأنها وجدانية تماماً وتوافق ما نذكره من أدلة .
وأيضاً يشهد لذلك ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللهتعالى، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[8].
إذَنْ فالغرضُ هو إنقاءُ المحل بلا شك، بل نحن ندّعي أنها وجدانية، بل استعمالُ الماء في خصوص الذكر أمر عادي إذ لا يستعمل فيه غير الماء عادة، ولا ينقى بغير الغسل بدليل الروايات، بمعنى أنه لا تزول آثار البول بالمسح بالحجارة، فهو أمر ارشادي لا تعبّدي، كما أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب لا تزول آثار جراثيم لعاب الكلب عنه إلاّ بالتعفير بالتراب ثم بغسله، فما وردنا من روايات في كيفية التطهير إن هي إلاّ إرشادات إلى كيفية إزالة آثار النجاسات، فالمناط هو ازالة النجاسة والقذارة لا غير .
وأيضاً تعرف ذلك ممّا رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك ) موثقة السند، فالمناط بالنجاسة هو العلم بالقذارة، وبما أنّ هذا العلم طريقي، فيكون المناط هو وجود القذارة، فإذا ارتفعت القذارة صار المحل طاهراً قطعاً .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo