< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة 10 : يحرم على الأحوط وجوباً ـ في حال التخلّي ـ استقبالُ القبلة واستدبارها، سواءً بمقاديم البدن ـ أي بصدر الشخصِ ـ أو بنفس العورة . ولا فرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري على الأحوط وجوباً . والقبلة المنسوخة ـ وهي بيت المقدس ـ لا يلحقها الحكم346 . والأحوط وجوباً حرمتهما في حال الإستبراء . ولو اضطُرَّ إلى أحد الأمرين تَخَيَّرَ، وإن كان الأحوط الإستدبار . ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر . ولو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو ترددت بين جهتين اختار الأخريين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
346 مرّ الكلام في ذلك، وذكرنا الروايات، وتوصّلنا إلى حرمة استقبال القبلة واستدبارها أثناء التخلّي هو المشهور جداً بين الأصحاب، ويصعب مخالفتهم .
ثم إنك لاحظتَ من الروايات السابقة أنّ توجّه صدرِ الإنسان بوجهه إلى القبلة حرام، وكذا توجيه العورة إليها، أيضاً حرام، تلاحظ ذلك في الروايات السابقة :
لاحِظْ الطائفةَ التالية من الروايات السابقة التي تفيد حرمةَ توجّه صدر الإنسان إلى القبلة :
( لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ) و ( إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة ) و ( إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولكن شرقوا أو غربوا ) و ( لا تستقبلِ القبلةَ ولا تستدبرها ).
ولاحِظِ الطائفةَ التاليةَ التي تفيد حرمةَ توجيه البول أو الغائط إلى القبلة المشرّفة :
لاحِظْ مثلاً مرفوعةَ علي بن إبراهيم ( ولا تستقبل القبلةَ بغائط ولا بول )، و ( اِجتنِبْ ولا تستقبل القبلةَ بغائط ولا بول )، ومرسلة الفقيه قال : ونهى رسول الله (ص) عن استقبال القبلة ببول أو غائط، ومثلهما مرسلة الراوندي الأخيرة، فإنك تلاحظها تنهى عن توجيه نفس البول أو الغائط، وبالملازمة يحرمُ توجيهُ نفس العورة، وليس النظر إلى توجّه الإنسان بصدره .
ثم إنّ توجيهَ الرجلِ لعورته إلى القبلة مع توجّه صدره إلى جهة ثانية ممكن، لكن في المرأة أو في مخرج الغائط لا يمكن .
وهل يحرم الإستقبال والإستدبار مطلقاً أو في خصوص الصحاري والمناطق المكشوفة ؟
قال السيد محسن الحكيم في مستمسكه ج 2 ص 196 ـ تعليقاً على قول السيد اليزدي في العروة ( والقول بعدم الحرمة في الأبنية ضعيف" ـ قال : "وإن حكي عن ابن الجنيد والمفيد وسلاّر ) .
أقول : إذن يجب أن ننظر إلى بعض كلمات علمائنا من حيث كون التخلّي في المناطق المكشوفة أو في الأبنية :
ـ قال الشيخ المفيد في المقنعة ص 41 : ( إذا دخل الإنسان داراً قد بُنِيَ فيها مقعدٌ للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضرَّه الجلوسُ عليه، وإنما يكره ذلك في الصحارى والمواضع التي يتمكن فيها من الإنحراف عن القبلة ) [1]، إذن هو لا يحرّمُ استقبالَ القبلة الشريفة أثناء التخلّي .
ـ وقال الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي(توفّي 448 هـ ق) في كتابه المراسم العلوية ص 32 : ( ويجلس غير مستقبل القبلة ولا مستدبرها، فإن كان في موضع قد بني على استقبالها أو استدبارها فلينحرف في قعوده . هذا إذا كان في الصحاري والفلوات، وقد رُخِّصَ ذلك في الدور، وتجنبُه أفضل ) [2]، فهو إذن لا يحرّمُ استقبالَ القبلة المشرّفة أثناء التخلّي في الدور .
ـ وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف : ( لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غائط، ولا عند الإضطرار، لا في الصحاري ولا في البنيان )، دليلُنا إجماعُ الفرقة وطريقة الإحتياط . وروي عن النبيّ (ص) أنه قال : ( إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ببول ولا غائط )[3] .
ـ ومثلَه تماماً قال ابن زهرة في غنية النزوع .
إذن المسألةُ خلافيّة، ورغم ذلك يَستنكر الفقيهُ الإفتاءَ بجواز الإستقبال أو الإستدبار ـ ولو بناءً على البراءة ـ حتى ولو ظنّ أنه جائز، ولو خوفاً من أن يستهتر الناسُ في ذلك، ولنبقِ المسألةَ على ما هو المعروف، تعظيماً لبيت الله الحرام، ولما هو مرتكز الآن عند المؤمنين .
أمّا بيت المقدس فلا شكّ في عدم حرمة التوجّه إليه أثناء التخلّي، لعدم الدليل على ذلك أصلاً، وللبراءة .
أمّا حال الإستبراء، فهل يحرم الإستقبال أو الإستدبار ؟
الأحوط وجوباً حرمة ذلك، لمعلوميّة أنه يخرج دائماً أو عادةً بولٌ بالإستبراء، ولك أن تستدلّ بما رواه في الكافي عن محمد بن الحسن(الصفار) عن سهل بن زياد(القمّي الرازي) عن موسى بن القاسم(بن معاوية بن وهب ثقة) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له : الرجل يريد أن يستنجِي، كيف يقعد ؟ قال : ( كما يقعد للغائط )[4] موثّقة السند، ورواها في الفقيه هكذا : قال : سئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل إذا أراد أن يستنجي كيف يقعد ؟ قال : ( كما يقعد للغائط ) . ثم إنّ سهلاً ثقةٌ لتوثيق الشيخ الطوسي له في أصحاب الهادي (عليه السلام) ولرواية الكثير من الأجلاّء عنه ... ولا اعتبار بعد ذلك بقول الشيخ الطوسي عنه في عدّة مواضع "إنه ضعيف"، وقال عنه جش ( ضعيف في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب) (إنتهى)، نعم لا بدّ من الإحتياط بشأن رواياته في مقام الفتوى .
وقد يُستدَلّ بالمرسلة السابقة عن النبيّ (ص) أنه قال : ( إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولكنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا)[5] وذلك بتقريب أنّ المنصرف إليه هو إرادة التخلّي.
ولو اضطرّ إلى أحدهما تخيّر بينهما، لعدم الترجيح بغير مرجّح، أو قُلْ لعدم وضوح الأقبح هنا، وإن كان يحتمل اختيار الإستدبار، وذلك لاحتمال أقبحيّة الإستقبال من الإستدبار، لكن هذا الترجيح المحتمل لا يوجب حكم العقل بلزوم اختيار الإستدبار، وذلك لجريان البراءة عن لزوم الإستدبار في هكذا حالة .
ولو أراد أن يشرّق أو يغرّب، ولكنه رأى أنه سوف يحتمل أن يُعَرّضُ نفسَه للنظر، فحينها يكون مراعاةُ السترِ اَولى قطعاً .
ولو اشتُبِهت القبلةُ وَجَبَ ـ عقلاً ـ أن يَسأل أو ينتظر إن أمكنه المعرفة بعد قليل، وإلاّ حكم العقل أن يَعمل بالظنّ . المهم هو أنه يجب التحرّي عقلاً، ولك تستدلّ بإطلاق ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى أو ابن خالد) عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( يجزئ التَّحَرّي أبداً إذا لم يعلم أين وَجْهُ القبلة )[6] صحيحة السند، لكن يبقى في النفس إشكال من باب عدم علمنا بالسؤال، فقد يكون السؤال عن الصلاة، لكن يكفينا معلوميّة وحدة المناط .
ولو تردّد بين جهتين وجب اجتنابهما عقلاً والتوجّهُ إلى إحدى الجهتين الاُخريين .
ويكفي الإنحراف عن القبلة ـ للبعيد كالذي في لبنان مثلاً ـ بمقدار ثلاثين درجة، فعند ذلك لا يصدق عليه عرفاً أنه متَّجِهٌ إلى القبلة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo