< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الستر الواجب

( فصلٌ في أحكام التخلّي )

مسألة 1 : يجب على كلّ عاقل مميّز سترُ عورته في كلّ الأحوال عن الناظر العاقل حتى عن الصغير المميّز والمجنون، سواء كان الناظرُ مِنَ المحارم أم لا، وسواءً كان الناظر رجلاً أو امرأة، كما أنه يحرم على الناظر أيضاً النظر إلى عورة الغير ولو كان الغيرُ مجنوناً أو طفلاً مميزاً334 .
والعورة في الرجل : القبل والبيضتان والدبر، وفي المرأة عن الرجل كلّ جسدها ما عدا الوجه والكفّين، وفي القدمين إشكال، وعورتُها على المرأةِ : القبل والدبر . واللازم ستر لون البشرة والشبح واللون والحجم، ولا يبعد كراهية الكشف عن الفخذين حتى أمام المماثل 335.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
334 لا شكّ ولا خلاف في وجوب ستر العقلاء من الرجال والنساء والأطفال المميّزين لعوراتهم، وهذا أمر عقليّ وشرعيّ وفطري ولا شكّ فيه . وكذلك يجب غضّ النظر إلى ذلك، لشدّة قُبْحِ النظر إليها عقلاً وشرعاً، بل لا يجوز النظر إلى عورة المجنون والطفل المميّز لقبح ذلك أيضاً، والظاهر أنّ هذا هو المشهور أيضاً بين العلماء .
وقد ذكرنا أدلّتنا على كلّ ذلك، ونضيف اليوم ما يلي :
ولا بأس بذكر بعض الأدلّة على ذلك، يقول الله تعالى﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ﴾[1]
فكلّ ما يصدق عليه أنه منكَر فهو حرام، هذه هي القاعدة الشرعيّة والعقليّة، وقد تعرّض علماؤنا لتعريف المنكر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا حكم العقلاءُ أنّ هذا منكر فهو حرام، سواءً كان في موضوع الستر أو في موضوع النظر أو غير ذلك . وقد لا يكون المنكرُ واضحاً بنظر العقلاء فلك أن تجري فيه البراءةَ، لكن إذا كان عندهم قبيحاً إلى حدّ ما بحيث كان فيه شكّ في كونه منكراً فح يُحكَمُ بالكراهة .
يبقى رواية الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( النظرُ إلى عورة مَن ليس بمسلم مِثْلُ النظرِ إلى عورة الحمار )[2].
ورواها في الفقيه أيضاً قال : رُوِيَ عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : ( إنما أكره النظرَ إلى عورة المسلم، فأمّا النظر إلى عورة مَن ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار )[3] فلا أفتي بها ولا أنكرها، وإنما أردّ علمها إلى أهلها . لكنْ هذه الرواية تريح الأطبّاءَ الذي يتدرّبون على التشريح في جثث الكفّار، وطبعاً من اللازم ـ عقلاً ونقلاً ـ تقييدُ هذه الرواية بعدم النظر عن شهوة وحرمة النظر إذا ترتّب على هذا النظر الشهوة، وقد يدافَع عن هذه الرواية بأنّ الكافر لا كرامة له ولا حرمة، وأنه لا دليل على حرمة النظر إلى عورته، لا آية ولا رواية، أمّا الآيات فلم يتّضح متعلّق المنظور إليه، فيؤخذ بالقدر المتيقّن، وأمّا الروايات فمصرّحة بحرمة النظر إلى عورة المؤمن والمسلم والأخ . ولذلك قيل بأنه لا بأس بالنظر إلى عورة الكافر، لكنْ ـ كما قلنا ـ من غير شهوة . وقد أفتى على طبق هذه الرواية جماعةٌ من علمائنا منهم الشيخ الصدوق وهو ظاهر الحرّ العاملي وصاحب الحدائق .
أمّا غير المميّز فهو بمثابة الحيوانات في التفكير، فهو لا يدرك العورة وقبح إبدائها وقبح النظر إليها، ولا يعرف لها قيمة خاصّة، ولا ينظر لها بنظرة خاصّة .
335 لا شكّ أنّ العورة هي ما يقبح إظهارها والنظر إليها، وقد ادّعى الإجماعَ في الخلاف والسرائر على أنها في الرجلِ القبلُ والبيضتان والدبرُ، وفي المرأة القُبُلُ والدبر . وكذا في الروايات أيضاً، ومن المسلّم أنّ الفخذين ليسا من العورة، وأمّا الدبر فإنّ الإليتين تسترهما عادةً، وكذا العانة ليست من العورة، فلو كشفها الطبيبُ لغير حاجة في عمليّة جراحية للبطن مثلاً، لا يعدّ هذا عورة ولا قبيحاً، ولك أن تتمسّك بالبراءة أيضاً . نعم فقط فِعْلُ المنكر عقلائيّاً حرامٌ، إظهاراً ونظراً .
1 ـ فقد روى في يب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن علي بن إسماعيل عن محمد بن حكيم قال الميثمي : لا أعلمه إلا قال : رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) أو من رآه متجرداً وعلى عورته ثوب، فقال : ( إن الفخذ ليست من العورة )[4].
2 ـ وفي الفقيه قال : قال الصادق (عليه السلام) : ( الفخذ ليس من العورة )[5].
3 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن اسماعيل بن يسار عن عثمان بن عفان السدوسي عن بشير النبال قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمام فقال : ( تريد الحمّام ؟ ) قلت : نعم، فأمر بإسخان الماء ثم دخل فأتزر بإزار فغطى ركبتيه وسرته ـ إلى أن قال : ـ ثم قال : ( هكذا فافعل )[6].
مسألةٌ : ما هو العُمرُ الذي يجوز فيه النظرُ إلى عورة المماثل وغير المماثل؟
الجواب : جرت سيرةُ المتشرّعة في تطهير النساء للأطفال ـ ذكوراً واناثاً ـ إذا كانوا دون الست سنوات، وذلك لعدم معرفة غير المميّزين لكيفيّة التطهير، وعلى الأقلّ لعدم وثوق المتديّنين من صحّة تطهير أولادهم الغير مميّزين . وقد سكت الشارعُ المقدّس عن ذلك، وهو أمارة القبول والإمضاء .
هذا، ولكن لم تَجرِ السيرةُ في تطهير الرجال لبناتهم الصغار الغير مميّزات، إلاّ في حال عدم وجود نساء، وقد يقال إنّ نظر الرجالِ إلى البنات الصغار الغير مميّزات هو مستنكَر عقلائيّاً، وليس الذكرُ كالاُنثى، فيجب أن يكون محرّماً .
أقول : صحيح، لا شكّ أنّ فيه نحواً من الإستنكار، ولذلك الأحوط وجوباً عدمُ النظر عند الإضطرار إلى تطهير البنات الغير مميّزات، إلاّ إذا كنّ تحت الثلاث سنوات .
دليلُنا : عدمُ وضوح منكَريّة النظر إلى مَن هو أو هي تحت الثلاث سنوات، هذا أوّلاً، وثانياً أصالة البراءة عقلاً ونقلاً بعد عدم وجود إطلاق نرجع إليه، لكن طبعاً من دون شهوة.
إذن من كان دون الثلاث سنوات ـ سواءً كان ذكراً أو اُنثى ـ فلا شكّ في جواز النظر إليه، لكن طبعاً مِن دون شهوة، وذلك لعدم وضوح منكريّة ذلك، فتجري البراءة ح، وللإجماع المدّعى في جواز تغسيل الميّت غير المماثل ـ مع وجود المماثل ـ الطفل الغير مميّز عارياً إذا كان دون الثلاث سنوات .
* * * * *
مسألة 2 : لا فرق بين أفراد الساتر، فيجوز بكل ما يَسْتُرُ اللون والشكل، ولو بيده أو يد زوجته336 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
336 هذا هو مقتضى إطلاق أدلّة وجوب الستر .
* * * * *
مسألة 3 : لا يجب الستر في الموارد التي لا داعي فيها للستر، كما هو الحال في الظلمة الحالكة المانعة من الرؤية، أو فيما لو كان الحاضرُ أعمى، أو مع العِلم بعدم نظر المبصِر، أو في مكان خالٍ لا يوجد فيه أحدٌ337.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
337 لا شكّ أنّ الأمر بالستر هو طريقي ـ طبعاً كلامُنا في غير الصلاة ـ، فإذا عَلِم الشخصُ في المورد الفلاني أنه لن يَنظر إليه البصيرُ فلا شكّ في عدم وجوب الستر ح، وكذلك الأمر في الظلمة المانعة عن الرؤية وفي حال البُعْدِ الكبير وفي حال كون الشخص الموجود أعمى، ففي كلّ هذه الحالات لا يجب الستر لنفس السبب .
نعم في وقتنا هذا بما أنه يحتمل الرؤية من مسافاتٍ بعيدة بواسطة المجاهر المقرّبة للمسافات، فإنه يجب ـ عقلاً، من باب الإحتياط ومن باب أهميّة المحتمل ـ يجب على الشخص أخْذُ الحِيطةِ الكافية، خاصّةً النساء .


[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص365، أبواب آداب الحمّام، ب5، ح1، ط الاسلامية
ملاحظة، إنّ الملاحِظَ اليومَ لأعدائنا يرى بوضوح أنهم يراقبون كلماتنا بدقّة، ويَودّون أن نغلط ولو بحرف واحد حتى يثيروا ذلك في الإعلام كثيراً، فيجب أن نحتاط ما أمكن، فإنهم رغم معرفتهم بمقاصدنا وأنها حقّ فإنهم يأخذون قولنا (لا إله إلا الله) أوّل كلمتين فقط، وينسبونها لنا، ويفتون بالمتعة تحت أسماء أخرى ويستنكروها علينا، ويعلمون أنّ التقيّة ورد فيها آيات، ويستنكروها علينا، ويعلمون أنّ المحو والإثبات حقّ وورد فيه الكثير الآيات، ويستنكرون علينا القول به، وقد نسبوا إلينا أخيراً ـ .كذباً وزوراً ـ أننا نقطع اليدَ اليمنى للميّت حتى يضطرّ في الآخرة أن يأخذ كتابه بيمينه، كلّ ذلك غَيْظاً وحِقْداً على دِين اللهِ وأتباعه

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo