< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الكلام في البيّنة وحجّيّتها
موضوع البيّنة : لا شكّ في تبادر الرجلين العادلين من البيّنة لعدّة أدلّة، وهذا أمر ثابت في الشرع، وإلاّ لم يعد هناك معنى لقول النبيّ (ص) ( البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر)[1] أي أنه إذا كان المراد من البيّنة رجلاً واحداً ثقة، فسوف تتعارض الأمارتان، بل لا وجه عقلائي ح لكون البيّنة ـ إن كانت البيّنةُ رجلاً عادلاً واحداً ـ على المدّعي، وقد يكون المنكر عادلاً، وهو أيضاً صاحب اليد، والمدّعي مجهول الوثاقة !! وتكفينا كثرةُ الإستعمال في الرجلين العادلين في زمان المعصومين (عليهم السلام) حتى صارت منقولاً شرعيّاً .
المهمّ هو أنّ موثّقة مسعدة تقول ( والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيِّنة )، ومن الأشياءِ الموضوعاتُ الخارجيّة كالتطهير، ولك أن تقول : البيّنةُ تثبت جميع موضوعات الأحكام، وضعيّة كانت أم تكليفيّة، فاعتبر الإمامُ (عليه السلام) البيّنةَ بعد العلم الوجداني مباشرةً، أي مع عدم العلم إرجع إلى البيّنة، فحجيّتها إذن تعبّديّة جعليّة، وكذلك كما تترتّب جميع الموضوعات والأحكام على العلم، تترتّب جميع الموضوعات والأحكام على البيّنة .
وثانياً : الدليل على حجيّة البيّنة[2] :
الأوّل : القرآن الكريم، من قبيل قوله تعالى﴿واسْتَشْهِدُوا شَهِيْدَيْنِ مِن رِجالِكُم[3] مع الوثوق بعدم وجود خصوصيّة في الإشهاد على الدَّين، وكذا قوله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا شهادةُ بينِكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ الموتُ حِينَ الوصيّةِ اثنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أو آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إنْ أنتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرضِ فأصابَتْكُمْ مصيبةُ الموتِ[4] مع الوثوق بعدم الخصوصيّة في الوصيّة، وكذا قوله تعالى﴿وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ[5] مع الوثوق بعدم وجود خصوصيّة أيضاً في الطلاق، وكذا قوله عزّ وجلّ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ..﴾[6] في تقدير مثل الصيد .
الثاني : الروايات الكثيرة، منها السالفة الذكر، فنحن نثق بعدم وجود خصوصيّة للهلال والجبن في ذلك، ولعدم وجود خصوصيّة لما ذكره الإمام (عليه السلام) في موثّقة مسعدة بن صدقة وهي ( الثوب يكون عليك قد اشتريتَه وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلَّه حُرٌّ قد باع نفسَه أو خُدِعَ فبِيعَ أو قُهِرَ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك <([7]) وعدم وجود خصوصيّة لإثبات المال وغيره ـ في الدعاوى ـ في قوله (ص) (البيّنةُ على مَنِ ادّعى واليمين على مَن أنكر)[8].
ولك أن تستدلّ على حجيّتها بما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن أحمد النهدي(هو محمد بن أحمد بن خاقان المعروف بـ حمدان القلانسي كوفيّ فقيه ثقة خيّر) عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبد الرحمن(مهمل جداً) عن عبد الله بن سليمان(الصيرفي له أصل لم يوثّقوه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجُبن قال : ( كلّ شيء لك حلال حتى يجيئَك شاهدان يشهدان أن فيه مَيتة )[9] .
لكن في الكافي أيضاً ـ باب الجبن ـ قال : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقال لي : (لقد سألتني عن طعام يعجبني ) ثم أعطى الغلام درهماً فقال : ( يا غلام اِبْتَعْ لنا جبناً )، ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتي بالجبن فأكل وأكلنا معه فلما فرغنا من الغداء قلت له : ما تقول في الجبن ؟ فقال لي : ( أوَ لم ترني أكلتُه ؟ ) قلت : بلى، ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال : ( سأخبرك عن الجبن وغيره، كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه )[10] .
وكذا رواها بعينها في المحاسن ـ للبرقي ـ عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام)، لكن ليس في الروايتين شاهدان عادلان فلا تفيدنا فيما نحن فيه، فراجع . على أيّ حال هي ضعيفة السند .
والنقاش في السند لا يهمّنا بعد الوثوق بصدورها، ولذلك عمل بها فقهاؤنا أو أكثرهم .
ولك أن تستدلّ على حجيّة البيّنة بما ورد في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن (عبيد الله بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)إن علياً (عليه السلام)كان يقول : ( لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين )، ورواها الصدوق باسناده عن الحلبي مثله، ومثلها ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( صُمْ لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإنْ شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه ) [11]، ورواها المفيد في ( المقنعة ) عن صفوان بن يحيى مثله صحيحة السند .
وهناك روايات اُخرى شبيهة بما ذكرنا تشترط الشاهدين العادلين لا داعي لذكرها كلّها، لوضوح الأمر .
الثالث : الإجماع، اِدّعته جماعة، ولا شكّ أنه المشهور جداً، فقد حكي إنكاره من القاضي ابن البرّاج، وهو أيضاً ظاهر عبارة الكاتب والشيخ . وخلافهم لا يهمّنا بعد تسالم العلماء على حجيّتها . على أنه قيل إنّ هؤلاء لم يخالفوا في أصل حجيّة البيّنة، وإنما خالفوا في بعض الموارد الجزئيّة، كما لو كانت الحالة السابقة للشيء الطهارةَ وجاءت بيّنةٌ تقول بطروء النجاسة، فقيل بعدم الأخذ بقول البيّنة لأنّ الطهارة مغيّاةٌ بالعِلم بالنجاسة لا بالبيّنة .
* فإذا عرفتَ كلّ هذا وتأمّلت فيما ذكرنا تفهم من هذه الآيات الكريمة والروايات الشريفة أنّ البيّنة حجّة في إثبات كلّ موضوعات الأحكام، إلاّ ما خرج بالدليل .
وتعرف أيضاً أنّ المولى تعالى نزّل الشاهدين العادلين منزلة العلم في إثبات موضوعات الأحكام .
* أقول : إذا ادّعى زيدٌ المجهولُ الوثاقة على عمرو العادلِ بكون المال الذي مع عمرو هو لزيد، وأتى زيدٌ بشاهدين عادلين، فهنا أجمعت الروايات والفتاوى على الأخذ بالبيّنة، معنى هذا هو تقديم العادلين على خبر العادل الواحد رغم أنّ معه أماريّة اليد أيضاً، وليس ذلك إلاّ لتقديم الأقوى أماريّةً .


[1] رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام .. عن رسول الله . .وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص215، أبواب كيفية الحكم، ب25، ح3، ط الاسلامية
[2] لا شكّ أننا يجب أن نستثني ما استثناه الشارع المقدّس من قبيل الشهادة على الزنا واللواط وأمثالهما، والشهادة على الميّت بكونه مديوناً بكذا، فإنّ البيّنة ـ على ما هو معروف ـ لا تقبل إلاّ مع ضمّ يمين المدّعي، وغير ذلك من موارد . ثم علينا أن نعرف أيضاً أنّ عدّة من علمائنا لم يؤمنوا بعموم حجيّة البيّنة، فقد نسب إنكار حجية البينة العادلة إلى القاضي عبد العزيز بن البراج في اثبات النجاسة، وكذا ما هو الظاهر من السيد في الذريعة، والمحقق الأول في المعارج، والمحقّق الثاني في الجعفرية، وبعض آخر قدس الله أسرارهم من أن الإجتهاد لا يثبت بشهادة عدلين لعدم الدليل عليه .
[8] رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعاً عن أبي عبد الله. (عليه السلام) عن رسول الله (ص) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص215، أبواب كيفية الحكم، ب25، ح3، ط الاسلامية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo