< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : طرق ثبوت التطهير
فصل في طرق ثبوت التطهير
الخامس : إخبار الوكيل ـ كالخادم والزوجة ـ بالتطهير .
السادس : غسل مسلم له بعنوان التطهير، وإن لم يعلم أنه غسله على الوجه الشرعي أم لا، حملاً لفعله على الصحة 322 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
322 أمّا مسألة إخبار الوكيل ـ كالخادم والزوجةـ بالتطهير فهو ممّا استقرّت عليه سيرة الناس من عصر المعصومين (عليهم السلام) وإلى الآن، وستبقى إلى قيام الساعة، وقد سكت المعصومون (عليهم السلام) عن هذه السيرة، وسكوتُهم حجّة .
فإن قلت : يكفي حجيّةُ خبر الثقة الذي قلتَ بحجيّته قبل قليل من دون هذا العنوان الزائد، فإن كان الوكيل ثقة كان قوله حجّة وإلاّ فلا .
قلتُ : لا، بل خبر الوكيل المجهول الوثاقة حجّة أيضاً، فأنت إذا تنجّس عندك شيءٌ وكنتَ ضيفاً عند مسلم، فأعطيت هذا الشيءَ المتنجّس لخادمه المسلم المجهول الوثاقة عندك ليطهّره، فجاءك به بعد قليل وقال إنه طهّره فإنّ لك أن تبني على طهارته، وليس ذلك إلاّ للسيرة على ذلك، ومثلها ما بعدها، ومستندُهما واحدٌ، وهي السيرة المتشرّعيّة المسكوت عنها من قِبَل المعصومين (عليهم السلام)، فإنك كما تبني على تذكية اللحم الذي تأخذه من المسلم وتبني على طهارته، مع أنك قد لا تعرف القصّابَ، فكذلك تبني على طهارة ما يدّعيه الخادمُ المسلمُ من تطهيره للأشياء بنفس الدليل . وكذلك أنت تعطي ثيابَك المتنجّسة لمحلّ غَسْلِ الثيابِ ليطهّروها وينظفوها، وتبني على طهارتها دائماً . وكذلك الأمر في الحجّام الذي يدّعي أنه أزال الدم، فإنك تصدّقه وتذهب وتُلْقِي الماءَ على محلّ الحجامة لتطهّرها، وقد لا تعرف الحجّامَ أصلاً، فضلاً عن أن تعرف مدى وثاقته، وهذه سيرة الناس جميعاً ...
لا بل إخبار الوكيل في غير التطهير أيضاً معتبر متشرّعياً، فلو أخبرك شيخٌ بأنه طلّقَ فلانة، فإنك تبني على صحّة طلاقه لها من جميع الجهات .. وهكذا ...
وممّا سَبَقَ تعرفُ مسألةَ غسل المسلم له بعنوان التطهير، حتى وإن لم يعلم أنه غسله على الوجه الشرعي، فدليلها هو مشروعيّة حمْلِ فِعْلِ المسلم على الصحة، وأنت تعلم ثبوت قاعدة الصحّة في عمل المسلم، سواءً في العبادات أو المعاملات أو التطهير، ومن جملة أدلّتهم على قاعدة الصحّة في عمل المسلم مشروعيّة البناء على طهارة اللحم عند القصّاب كما قلنا، ونحو ذلك ... ولولا هذا لاختلّ نظامُ العالَمِ .
* * * * *
مسألة 1 : إذا تعارضتِ البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه تساقطا، ويحكم ببقاء النجاسة . وإذا تعارضتِ البينةُ مع إحدى الطرق المتقدمة ـ ما عدا العلم الوجداني ـ تقدمتِ البيِّنَة 323 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
323 لا شكّ في أنه إذا تعارضتِ البيّنتان تساقطتا، وكذلك إذا تعارض إخبار ذي اليد مع إخبار ذي اليد الثاني، بحيث لا يمكن الجمعُ بينهما، وجب البناء على بقاء الحالة السابقة، وهي ـ فرضاً ـ النجاسةُ .
وإذا تعارضت البيّنةُ مع اليد وَجَبَ تقديمُ البيّنة، لأنها أقوى الأمارات بعد العِلْم .
أمّا لو تعارضتِ البيّنةُ مع خبر الثقة فإنه يُشْكَلُ تقدّمُ البيّنة هنا، وذلك لعدم وجود إطلاق في دليل حجيّة البيّنة لمثل هكذا حالة، على تأمّل في ذلك . وبتعبير آخر : إنّ أدلّة حجيّة البيّنة دلّت على حجيّتها بنحو مهمل، أي لم تكن ناظرةً إلى حالات التعارض، فالأخذ بالبيّنة وترك خبر الثقة فيه شكّ وإشكال عندي .
توضيح ذلك : روى في الكافي ج 5 ص313 قال : علي بن إبراهيم (عن أبيه ـ يب) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ( كلُّ شيءٍ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه مِن قِبَلِ نفسِك، وذلك مثلُ الثوب يكون عليك قد اشتريتَه وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلَّه حُرٌّ قد باع نفسَه أو خُدِعَ فبِيعَ أو قُهِرَ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيِّنة)[1]. وقد أثبتنا وثاقةَ مسعدة لرواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً، وقد شهد أنه قد أخذ رواياتِه عن المصنّفات والأصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ، وهذه طريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال، فالسند موثّق، وكذا وصفها جملة من الأعلام كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما .
لا شكّ أوّلاً في تبادر الرجلين العادلين من البيّنة لعدّة أدلّة، وهذا أمر ثابت في الشرع، وإلاّ لم يعد هناك معنى لقول النبيّ (ص) (البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر)[2] أي أنه إذا كان المراد من البيّنة رجل واحد ثقة، فسوف تتعارض الأمارتان، بل لا وجه عقلائي ح لكون البيّنة ـ إن كانت البيّنةُ رجلاً عادلاً واحداً ـ على المدّعي، وقد يكون المنكر عادلاً، وهو أيضاً صاحب اليد، والمدّعي مجهول الوثاقة !! وتكفينا كثرةُ الإستعمال في الرجلين العادلين في زمان المعصومين (عليهم السلام) حتى صارت منقولاً شرعيّاً .
المهمّ هو أنّ موثّقة مسعدة تقول ( والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيِّنة )، ومن الأشياءِ الموضوعاتُ الخارجيّة كالتطهير، ولك أن تقول : البيّنةُ تثبت جميع موضوعات الأحكام، وضعيّة كانت أم تكليفيّة، فاعتبر الإمامُ (عليه السلام) البيّنةَ بعد العلم الوجداني مباشرةً، أي مع عدم العلم إرجع إلى البيّنة، فحجيّتها إذن تعبّديّة جعليّة، وكذلك كما تترتّب جميع الموضوعات والأحكام على العلم، تترتّب جميع الموضوعات والأحكام على البيّنة .
وثانياً : الدليل على حجيّة البيّنة هو الإجماع، وادّعته جماعة، ولا شكّ أنه المشهور جداً، فقد حكي إنكاره من القاضي ابن البرّاج، وهو أيضاً ظاهر عبارة الكاتب والشيخ . وخلافهم لا يهمّنا بعد تسالم العلماء على حجيّتها . على أنه قيل إنّ هؤلاء لم يخالفوا في أصل حجيّة البيّنة، وإنما خالفوا في بعض الموارد الجزئيّة، كما لو كانت الحالة السابقة للشيء الطهارةَ وجاءت بيّنةٌ تقول بطروء النجاسة، فقيل بعدم الأخذ بقول البيّنة لأنّ الطهارة مغيّاةٌ بالعِلم بالنجاسة، لا بالبيّنة .
ولك أن تستدلّ على حجيّتها بما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن أحمد النهدي(هو محمد بن أحمد بن خاقان المعروف بـ حمدان القلانسي كوفيّ فقيه ثقة خيّر) عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبد الرحمن(مهمل جداً) عن عبد الله بن سليمان(الصيرفي له أصل لم يوثّقوه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجُبن قال : ( كلّ شيء لك حلال حتى يجيئَك شاهدان يشهدان أن فيه مَيتة )[3] .
لكن في الكافي أيضاً ـ باب الجبن ـ قال : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقال لي : ( لقد سألتني عن طعام يعجبني ) ثم أعطى الغلام درهماً فقال : ( يا غلام اِبْتَعْ لنا جبناً )، ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتي بالجبن فأكل وأكلنا معه فلما فرغنا من الغداء قلت له : ما تقول في الجبن ؟ فقال لي : ( أوَ لم ترني أكلتُه ؟ ) قلت : بلى، ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال : ( سأخبرك عن الجبن وغيره، كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه )[4] .
وكذا رواها بعينها في المحاسن ـ للبرقي ـ عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام)، لكن ليس في الروايتين شاهدان عادلان فلا تفيدنا فيما نحن فيه، فراجع . على أيّ حال هي ضعيفة السند .
والنقاش في السند لا يهمّنا بعد الوثوق بصدورها، ولذلك عمل بها فقهاؤنا أو أكثرهم .
ولك أن تستدلّ على حجيّة البيّنة بما ورد في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن (عبيد الله بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)إن علياً(عليه السلام)كان يقول : ( لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين )، ورواها الصدوق باسناده عن الحلبي مثله، ومثلها ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإنْ شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه ) [5]، ورواها المفيد في ( المقنعة ) عن صفوان بن يحيى مثلهصحيحة السند .
للبحث تتمّة .


[2] رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام . عن رسول الله .وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص215، أبواب كيفية الحكم، ب25، ح3، ط الاسلامية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo