< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : طرق ثبوت التطهير

فصل في طرق ثبوت التطهير

الثاني : شهادة عدل واحدٍ بالتطهير، ويجب الإحتياط في قول الصبيّ المميّز .
الثالث : إخبار ذي اليد وإن لم يكن عادلاً إذا أورث خبرُه الظنّ .
الرابع : غيبة المسلم ذي اليد، بمعنى أنّه إذا كان شيءٌ متنجّساً، ثم رأينا مسلماً يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة، وكان يحتمل أن يكون هذا المسلم عالماً بنجاسته ـ بل يكفي احتمالُ معرفته بالنجاسة ـ ويُحتمل أن يكون قد طهّره فإنّ الشارع المقدّس في هكذا حالةٍ تعبّدنا باعتبار هذا الشيءِ طاهراً . فيكونُ هذا الإستعمالُ أمارةً ـ ولو احتمالية ـ على طهارته، بل ولو من باب حمل فعل المسلم على الصحّة، ولذلك لا قيمة لاستعمال المسلم له إذا كنّا نعلم بعدم مبالاته بالنجاسة . وفي الحقيقةِ إحتمالُ التطهير هذا، هو دليل تعبّديّ مستقلّ، على كفاية احتمال تطهير المسلم ذي اليد لما هو تحت تصرّفه وكان يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة، فهو بمنزلة إخباره بالطهارة .
الخامس : إخبار الوكيل ـ كالخادم والزوجة ـ بالتطهير 322 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
322 وأمّا إثبات شهادة العدل الواحد للتطهير فقد مرّ استدلالنا عليه مفصّلاً .
وهل يُقبَلُ خبرُ الصبيّ المميّزِ بالتطهير ؟
الجواب : أوّلاً يجب أن يُعلم أنه لا شكّ في عدم حجيّة قول الصبيّ الغير مميّز عقلاً وشرعاً وعقلائياً .
وأمّا إن كان مميّزاً وثِقَةً في نفسه فلا شكّ في لزوم الإحتياط ـ إن لم يكن القولُ بقبول قوله كالبالغ قوياً ـ ولا يُصغَى لمن يقول بأنّ الأصلَ عدمُ حجيّة قولِه، وذلك لورود روايات في أنه إنما يصلَّى عليه إذا بلغ ستّ سنوات وذلك لأنه يعقل الصلاة، ولأنه يؤدّب ويعزّر إذا ارتكب الفواحش، فقد ورد في الروايات أنه إذا سرق الصبيّ ولم يحتلم بَعْدُ عُفِي عنه، فإن عاد عُزّر، فإن عاد تقطع أطراف الأصابع (بنانه ـ في رواية اُخرى) فإن عاد قُطِع أسفل من ذلك، وورد أنه يصحّ عِتْقُه إذا بلغ عشر سنوات وصَدَقَتُه ووصيّتُه على حدّ معروف وطلاقه وأن يؤمّ القوم . بل في صحيحة أبي بصير ( إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته )[1]، لا، بل ورد أنه تجب عليه الفرائض "إذا كان ابن ست سنين" .
فهل ترى كلّ هذا ـ من تعزيرات وعتق وصدقة ووصيّة وطلاق وغيرها ـ يصير عليه ويُقبَلُ منه ولا يُقبَل قولُه في الطهارة أو النجاسة مثلاً ؟!
وأمّا رَفْعُ القلمِ عنه فهو امتنان محض لا أنه يكشف عن عدم عقله، نعم رَفْعُ القلمِ عنه يكشف عن نقصان عقلِه قليلاً بلا شكّ، وهذا أمر وجداني واضح، لذلك لا يحدّ حدّ البالغ . لذلك يجب الإحتياط في قوله قطعاً .
ومع كلّ ما ذكرناه يبقى في النفس شيء من الشكّ، وذلك لتعارض الأدلّة في ذلك، ففي قوله تعالى( واسْتَشْهِدُوا شَهِيْدَيْنِ مِن رِجالِكُم ) فاستثنى الصبيان، ولأنّ الأصل عدم قبول قولهم .
هذا ولكن المشهور هو قبول قولهم في الجراح والقتل، وهو غير فاسق، فلا يخرج من آية النبأ .
ولك أن تستأنس بما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : تجوز شهادة الصبيان ؟ قال : ( نعم في القتل، يؤخذ بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني منه ) صحيحة السند .
وبما رواه أيضاً في الكافي عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن حمران (ثقة له كتاب) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة الصبي قال فقال : ( لا، إلا في القتل، يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني ) صحيحة السند .
وبما رواه في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن عبد الله بن بكير(فطحي ثقة) عن عبيد بن زرارة(ثقة ثقة) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة الصبي والمملوك ؟ فقال : ( على قدرها يوم أشهد، تجوز في الأمر الدون، ولا تجوز في الأمر الكبير )[2] موثّقة السند .
وهذا بعض ما وجدته في هذه العجالة حول قبول قول الصبيّ المميّز وعدم قبوله :
1 ـ الشهيد الثاني في رسائله : ( يقبل قول الصبيّ المميّز في تطهير الثوب ونحوه)[3].
2 ـ وقال السيد محمد الطباطبائي الكربلائي : ( مفتاح : ... وفي النهاية لا يقال يقبل قول الصبي في إخباره عن كونه متطهراً حتى يجوز الإقتداء به في الصلاة لأنّا نقول نمنع الإقتداء به أوّلاً، سلمنا لكنْ صحة صلاة المأموم ليست موقوفة على صحة صلاة الإمام، ومنها أن شهادة الصبي في الجراح مقبولة فيجب قبول روايته، وقد أجاب عن هذا في المعارج فقال لا يقال الصّبي تقبل شهادته في الجرح والشجاج فيجب قبول روايته لأنّا نقول لم لا يجوز أن يكون ذلك احتياطاً في الدم لا لصحة خبره انتهى . و قد أشير إلى ما ذكره في جملة من الكتب ففي الأحكام : ومن قال بقبول شهادة الصّبيان فيما يجري بينهم من الجنايات فإنما كان اعتماده في ذلك على أن الجنايات فيما بينهم تكثر، فإنّ الحاجة ماسة إلى معرفة ذلك بالقرائن وهي شهادتهم مع كثرتهم قبل تفرقهم وليس ذلك جارياً على منهاج الشهادة ولا الرواية، وفي المختصر وشرحه : وإجماع أهل المدينة على قبول شهادة الصّبيان بعضهم على بعض في الدّماء قبل تفرقهم مستثنى لكثرة الجناية، ثم قال في شرحه : فلو لم تعتبر شهادتهم لضاعت الحقوق التي توجبها تلك الجنايات والمشروع استثناء لا يرد نقصاً كالعرايا و شهادة خزيمة، ومنها أن الصّبي ليس بفاسق فلا يجوز رد خبره ويجب قبوله لعموم مفهوم قوله تعالى إن جاءكم إلى آخره وفيه نظر)[4] (إنتهى) .
فالقضيّة مشكلة حقّاً، وعليه فيجب الإحتياط .
* * * * *
وأمّا القول في إثبات حجيّة خبر ذي اليد فقد مرّ القول فيه أكثر من مرّة بتفصيل[5] وقلنا هناك بأنه يجب استثناءُ خبر ذي اليد الكافر، فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد(بن عيسى) عن علي بن الحكم عن أبان(بن عثمان الأحمر ثقة) عن عيسى بن عبد الله (بن سعد بن مالك القمّي ثقة ثقة) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صيد المجوس فقال : ( لا بأس إذا أعطوكَهُ حيّاً، والسمك أيضاً، وإلاّ فلا تجوز شهادتهم عليه اِلاّ اَنْ تَشْهَدَه ) [6]، ورواها الشيخ في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة (بن أيوب ثقة) عن أبانوهي صحيحة السند، وصريحة في النهي عن قبول شهادتهم .
على أيّ حال، فخبر ذي اليد حجّة شرعاً حتى ولو لم تُفِدِ الإطمئنان حتى ولو لم يكن ذو اليد مسلماً، قالوا وهو المشهور بين المتأخّرين .
وذكرنا سابقاً أنّ كلّ الروايات تفيدنا ما عليه منهج العقلاء تماماً، وهو أنّ خبر ذي اليد حجّةٌ شرعاً إذا كان يفيد الظنّ فقط، حتى ولو لم يكن ذو اليد مسلماً، وأمّا في حال الظن بالكذب فلا يكون خبر ذي اليد حجّةً .
أمّا لو تساوى احتمالُ الصدق مع احتمال الكذب فلا بدّ ح من الإحتياط قطعاً، وذلك أوّلاً : لعدم وجود دليل من الروايات على حجيّة قوله، وثانياً : لأنّ الأصل يقضي بعدم حجيّة الظنّ فضلاً عن الشكّ، فيجب أن نقول بعدم حجيّة قول ذي اليد في حال الشكّ بصدقه .
أمّا مسألة غَيبة المسلم ذي اليد فقد تكلّمنا فيها قريباً مفصّلاً .
أمّا مسألة إخبار الوكيل ـ كالخادم والزوجةـ بالتطهير فهو ممّا استقرّت عليه سيرة الناس من عصر المعصومين (عليهم السلام) وإلى الآن، وستبقى إلى قيام الساعة، وقد سكت المعصومون (عليهم السلام) عن هذه السيرة، وسكوتُهم حجّة .


[1] رواها في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أبي عمير عن أبي المغرا(حميد بن المثنّى ثقة ثقة) عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله .(عليه السلام) أنه قال : ( إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته ) صحيحة السند، ورواها الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن أبي المغرا . راجع وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص428، أبواب أحكام الوصايا، ب44، ح2، ط الاسلامية
[3] رسائل، الشهيد الثاني، ج2، مسألة رقم 74، ص1263.
[5] راجع كتابنا هذا: مثلاً تعليقة 155، ص351.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo