< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : طرق ثبوت التطهير
فصل في طرق ثبوت التطهير
إذا عُلِمَ بنجاسة شيء فإنه يُحكَمُ ببقائها ما لم يثبت تطهيره، وطريق الثبوت أُمور :
الأوّل : العلم الوجداني .
الثاني : شهادة عدل واحدٍ بالتطهير، ويجب الإحتياط في قول الصبيّ المميّز(322) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
322 أمّا إذا عُلِمَ بنجاسة شيء فإنه يُحكَمُ ببقائها ما لم يثبت تطهيره، للإستصحاب .
وأمّا حجيّة العِلْمِ فواضحةٌ عقلاً، والعلمُ أقوى الحجج على الإطلاق .
وأمّا حجيّة البيّنة فكذلك هو أمر معلوم في الشرع ولا خلاف فيها، ويكفينا للتذكير فقط ما رواه في الكافي ج 5 ص313 قال : علي بن إبراهيم (عن أبيه ـ يب) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ( كلُّ شيءٍ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه مِن قِبَلِ نفسِك، وذلك مثلُ الثوب يكون عليك قد اشتريتَه وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلَّه حُرٌّ قد باع نفسَه أو خُدِعَ فبِيعَ أو قُهِرَ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيِّنة ) . وقد أثبتنا وثاقةَ مسعدة لرواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً، وقد شهد أنه قد أخذ رواياتِه عن المصنّفات والأصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ، وهذه طريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال، فالسند موثّق، وكذا وصفها جملة من الأعلام كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما .
هذا، ولكن يجب أن يعلم بأنّ حجيّة قول الشاهدَين العادلَين إنما هي في الاُمور المحسوسة فقط، أي أنّ قولهما حجّة فيما لو شاهدا التطهير فقط أو عَلِما به عن حسّ كما لو شاهدا وقوع الثوب المتنجّس في النهر لمدّة معيّنة بحيث يعلم عادةً بخروج النجاسة منه .
وأمّا إثبات شهادة العدل الواحد للتطهير فقد مرّ استدلالنا عليه مفصّلاً [1] وذلك بعدّة أدلّة :
منها قولُه تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[2] فإنها تدلّ على حجيّة خبر العادل في الموضوعات بتقريب أنّ المراد من الآية الكريمة ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ـ والقدرُ المتيقّن هو مجال الموضوعات، وإنْ كان النبأ يشمل الأحكام أيضاً ـ فَتَبَيَّنُوا ـ أي تأكّدوا، وبالتالي لا داعي للتأكّد والتبيّن في غير مجال الفاسق لأنه بيّنٌ شرعاً ـ أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ـ أي لئلاّ تصيبوا قوماً بجهالة، أمّا فيما لو كان الإعتماد على العادل وأخطأتم فلن يكون اعتمادُكم عليه جهالةً وإنما يكون عِلْماً شرعاً ـ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ـ أمّا إن خسرتم رغم اتّباعكم خبرَ العادل فإنكم لن تندموا على اتّباعكم خبر العادل، وذلك لأنه طريق عقلائي، نعم أنتم سوف تحزنوا على الخسارة، ولكن هذا لا يُطلَقُ عليه أنكم ندمتم على اتّباعكم لخبر العادل الخبير ـ) ... فراجع . هذا، ولكن المشكلة في هذه الآية هي أنّ مقابل الفاسق هو العادل الذي لم يخرج عن دين الله عقائديّاً أيضاً، ولكن يجاب عن ذلك بأنّ المناط في صحّة الخبر هو وثاقة المخبِر لا عقيدته .
ومنها ما رواه في الكافي عن محمد بن عبد الله الحِمْيَري ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق(الرازي ثقة رضيَ اللهُ عنه) عن أبي الحسن(الهادي) (عليه السلام) قال سألتُه وقلتُ : مَن أعامل ؟ وعمَّنْ آخذ ؟ وقولَ مَن أَقبَلُ ؟ فقال : ( العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي، وما قال لك عَنّي فعَنّي يقول، فاسمَعْ له وأَطِعْ، فإنه الثقة المأمون )، قال : وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال : ( العَمْرِيُّ وابنُه ثقتان، فما أدَّيا إليك عَنّي فعَنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان،فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان )[3](صحيحة من الصحيح الأعلائي)، وذلك بتقريب استخدام العِلّة في تصديق إخبار العَمْري وابنه ـ وهي الوثاقة ـ فلأجل هذه العلّة قُبِلَ ادّعاؤهما بأنّ هذه الرسائل هي رسائل الإمام (عليه السلام) .
فإن قلتَ : لكنْ يحصل العلم الوجداني بصدق ادّعاء هذين الثقتين المأمونَين(حَشَرَنا اللهُ معهما) فلا تدلّ هذه الرواية على ما نريد، وهو حجيّة خبر الثقة في الموضوعات تعبّداً وشرعاً مع عدم حصول العلم أو الإطمئنان .
قلتُ : ما ذكرتَه مِن حصول العلم الوجداني أمر صحيح، لكنّ الإمام يعرف ماذا يقول، فلم يقل بأنّ العلّة هي حصول العلم، وإنما قال بأنّ العلّة في تصديقهم هي الوثاقة، فقد فرّع حجيّةَ قوله على الوثاقة، وبالتالي نحن نتمسّك بالتعليل والتفريع الواضحَين مِن حرفِ الفاء في قوله (عليه السلام) ( العَمْري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعَنّي يؤدي ) فمن كان ثقة نقول إذن ما أدّاه إلينا عنهم (عليهم السلام) فَعَنْهُم يُؤَدّي .. تمسّكاً بالتعليل والتفريع الواضحين .
ومنها ما ذكرناه مفصّلاً في الحلقة الثالثة من حلقات الشهيد السيد الصدر على حجيّة خبر الثقة في الأحكام فإنّ الدليل على حجيّة خبر الثقة في الأحكام يفيدنا بالاَولويّة القطعية حجيّته في الموضوعات أيضاً، ذلك لأنّ الأحكام كليّة عامّة لكلّ المسلمين في العالَم على مرّ التاريخ، والموضوعاتُ جزئيّةٌ خارجيّة، خطؤها ليس بخطورة الخطأ في الأحكام الكليّة، على أنّ الخبر هو بنفسه موضوع أيضاً ...
وأيضاً قلنا هناك إنه قد ذهب العلاّمة الحلّي في التذكرة والمحقّق البحراني في الحدائق والسيد الخوئي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد محمد الفيروزآبادي وغيرُهم إلى حجيّة خبر الثقة في الموضوعات، فراجع([4]) .

وهل يُقبَلُ خبرُ الصبيّ المميّزِ بالتطهير ؟
الجواب : أوّلاً يجب أن يُعلم أنه لا شكّ في عدم حجيّة قول الصبيّ الغير مميّز عقلاً وشرعاً وعقلائياً .
وأمّا إن كان مميّزاً وثِقَةً في نفسه فلا شكّ في لزوم الإحتياط ـ إن لم يكن القولُ بقبول قوله كالبالغ قوياً ـ ولا يُصغَى لمن يقول بأنّ الأصلَ عدمُ حجيّة قولِه، وذلك لورود روايات في أنه إنما يصلَّى عليه إذا بلغ ستّ سنوات وذلك لأنه يعقل الصلاة، ولأنه يؤدّب ويعزّر إذا ارتكب الفواحش، فقد ورد في الروايات أنه إذا سرق الصبيّ ولم يحتلم بَعْدُ عُفِي عنه، فإن عاد عُزّر، فإن عاد تقطع أطراف الأصابع (بنانه ـ في رواية اُخرى) فإن عاد قُطِع أسفل من ذلك، وورد أنه يصحّ عِتْقُه إذا بلغ عشر سنوات وصَدَقَتُه ووصيّتُه على حدّ معروف وطلاقه وأن يؤمّ القوم . بل في صحيحة أبي بصير ( إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته )[5]، لا، بل ورد أنه تجب عليه الفرائض "إذا كان ابن ست سنين" .
فهل ترى كلّ هذا ـ من تعزيرات وعتق وصدقة ووصيّة وطلاق وغيرها ـ يصير عليه ويُقبَلُ منه ولا يُقبَل قولُه في الطهارة أو النجاسة مثلاً ؟!
وأمّا رَفْعُ القلمِ عنه فهو امتنان محض لا أنه يكشف عن عدم عقله، نعم رَفْعُ القلمِ عنه يكشف عن نقصان عقلِه قليلاً بلا شكّ، وهذا أمر وجداني واضح، لذلك لا يحدّ حدّ البالغ . لذلك يجب الإحتياط في قوله قطعاً .


[1] راجع هذا الكتاب، ص102، مسألة 6، تعليقة67.
[5] رواها في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أبي عمير عن أبي المغرا(حميد بن المثنّى ثقة ثقة) عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : (إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقجازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته .) صحيحة السند، ورواها الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن أبي المغرا . راجع وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص428، أبواب أحكام الوصايا، ب44، ح2، ط الاسلامية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo