< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : من طرق ثبوت الطهارة غيبةالمسلم
الثالث عشر : غَيبة المسلم، فإنّها تكشف ـ ولو ظَنّاً ـ عن تطهيره لما كان يعلم المسلمُ بنجاسته إذا كان يُستعمَلُ طاهراً وكان يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة، وكان يحتمل أن يكون قد طهّره . حينئذٍ يكونُ هذا الإستعمالُ أمارةً ظنيّة على طهارته من باب حمل فعل المسلم على الصحّة، إلاّ إذا كنّا نعلم بعدم مبالاة هذا المسلم بالنجاسة310 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
310 كلّ ذلك مبنيّ على الظنّ بعدم إمكان استعمال المسلم ـ عادةً ـ لما يَعلم بلزوم طهارته فيما يشترط فيه الطهارة، أو قُلْ إنّ بناءنا على طهارة الغرض المتنجّس سابقاً هو من باب حمْلِ فِعْلِ المسلم على الصحّة، حتى ولو كان فاسقاً، فإذا خرج المسلم من الإستنجاء مثلاً وصار يستعمل يديه فيما يشترط فيه الطهارة كالطعام مثلاً فأنت بلا شكّ تأكل من هذا الطعام وتشرب، حمْلاً لاستنجائه على الصحّة ... ولذلك جرت السيرة المتشرّعيّة على ذلك، وأنت إذا أردت أن تشتري اللحم أو الطعام من محلّ مسلم فإنك تعلم قطعاً أنه قد عرضت النجاسةُ على السكّين التي ذبح بها وعلى يده التي يستنجي بها .. ومع ذلك تبني على طهارة كلّ ما يُستعمل طاهراً ـ كالطعام والأواني والحنفيّات ـ ولا تجتنب عنها ولا تستصحب النجاسة . ومن الطبيعي أنه قد لا يحصل عندك هذا الوثوق والإطمئنان إن كان المسلم مستَهْتِراً بدِينه أي غير مهتمّ بالصلاة والطهارة، كما أنه لن يحصل عندك هذا الوثوق والإطمئنان إن كنت تعرف أنّ هذا المسلم المتديّن لم يكن يعلم بنجاسة هذا الشيء الفلاني . ثم إنك قد لا تثق بطهارة ما يستعمله كلّ مسلم في العالم، أي تستبعد حمل فعل المسلم على الصحّة، مع ذلك أنت متعبّد ـ بدليل سيرة المتشرّعة ـ في أن تبني على طهارة سكّين اللحّام الفاسق سواء كان شيعياً أم عامّيّاً وعلى طهارة يده التي يستنجي بها حتى ولو حصل عندك شكّ بتطهيره للسكّين أو ليده، والظاهر أنّ السبب في ذلك هو التسهيل المحض من الشارع المقدّس . كلّ ذلك دليل على كون غيبة المسلم حكماً تعبّديّاً مستقلاًّ في نفسه، وليس أمارةً على تطهير المسلم لما يشترط فيه الطهارة، خاصّةً وأنه قد لا يوجد أمارةٌ ظنيّة في الكثير من الحالات .

ثم إنّ مجرّد كون الشيء بصدد الإستعمال ـ كسكّين اللحّام وحنفيّات محلّه ـ هو إخبار عمليّ بطهارتها، وإخبارُ ذي اليدِ حجّةٌ . وقد ذكرنا دليلنا على حجيّة خبر ذي اليد عند قولنا (فصلٌ : طريقُ ثبوتِ النجاسة أو التنجُّس : العِلْمُ الوجداني وو .. وتثبت أيضاً بقول صاحب اليد بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة) فراجع .
على أنك تعلم ـ ممّا سبق في بحث حجيّة خبر ذي اليد ـ استفاضةَ الروايات في أنّ خبر ذي اليد حجّة بلا شكّ، حتى ولو كان عاميّاً، المهمّ أن لا يكون معروفاً بالفسق وبالإستهتار بدِين الله، والإخبارُ العملي مِثْلُ الإخبارِ القَولي أو أكثر . لاحِظِ الروايات التالية :
1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل(بن بزيع) عن يونس بن يعقوب(ثقة) عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبُخْتَجْ ويقول : قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال (عليه السلام) : ( لا تشربه )، فقلت : فرَجُلٌ من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحله على النصف، يخبرنا أن عنده بُخْتَجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقيَ ثلثُه، نشربُ منه ؟ قال : ( نعم )[1] وهو سند صحيح .
ولا نشكّ في أنّ جواز الأخذ بقول العامّي ـ في السؤال الثاني ـ منشؤه حجيّة خبر ذي اليد وإن كان عامّيّاً، أمّا ذاك الذي نهى الإمامُ (عليه السلام) عن شربه، وبالتالي لم يصدّقه، فالظاهر أنّ شربه له قبل ذهاب الثلثين أمارةُ أنه لا يهتمّ بدين الله، فالمظنون أنه يكذب . إذن لا ينبغي أن نأخذ بقول ذي اليد مطلقاً إلاّ حيث تجري سيرة العقلاء وهي حالة ما لو أفادت الظنّ، لا في حالة الظنّ بالكذب، أقول : هذه الروايةُ مطابقةٌ للمنهج العقلائي تماماً، ومناطُ الحجيّةِ واحدٌ، سواءً في قول ذي اليد أو في عمله، أي سواء أخبرنا أنّ حنفية الماءِ طاهرةٌ أو كان يستعملها فيما يُشترَطُ فيه الطهارةُ .
2 ـ ومثلها ما رواه في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البختج فقال : ( إن كان حلواً يُخَضِّبُ الإناءَ وقال صاحبُه "قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث" فاشربه )[2] صحيحة السند، وهي أيضاً تفيد جواز الأخذ بقول ذي اليد لكن إذا كان هناك أمارةٌ على صدقه، أي كان يوجد ظنّ بصدقه . أقول : وهذه أيضاً مطابقة للمنهج العقلائي تماماً في الإخبار والإستعمال .
3 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسن بن عطية(ثقة) عن عمر بن (محمد بن) يزيد([3]) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يُهدَى إليه البُخْتَجُ من غير أصحابنا ؟ فقال : ( إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه، وإن كان ممن لا يستحل فاشربه )[4] وهي تفيد حجيّة قول ذي اليد إذا كان قولُه يفيدُ الظنَّ لأمارةٍ ما . أقول : وهذه أيضاً مطابقةٌ للمنهج العقلائي .
4 ـ وفي يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن سعد بن إسماعيل(مهمل) عن أبيه إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن(الرضا) (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيَسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟ قال : (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم (المسلمين ـ ظ) يصلّون فيه فلا تسألوا عنه )[5] قد يقال بضعفها لإهمال سعد بن اسماعيل وأبيه، هذا ولكن رواها الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن عيسى عن الرضا(عليه السلام) مثله، وقد تصحّح بلحاظ أنّ الصدوق روى في الفقيه عن اسماعيل مباشرةً فيكون ثقةً لأنه يكون من أصحاب الكتب التي عليها معوّل الشيعة وإليها مرجعهم، وثانياً قال الشيخ الصدوق في مشيخة فقيهه : (وما كان فيه عن اسماعيل بن عيسى فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه(هو ثقة عندي وعند العلاّمة وابن داوود) قال حدّثنا علي بن ابراهيم عن أبيه عن اسماعيل بن عيسى) (إنتهى كلامه في مشيخة الفقيه) وهو سند مصحّح، وبهذا يوثّق إسماعيل وتوثّق رواياته، وهي تفيد حجيّة قول ذي اليد المشرك بناءً على أنّ المسؤول هم المشركون، وذلك لأنّ الإمام (عليه السلام) قال ( عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ) أي عليكم أن تسألوا نفسَ المشركين عنه . هذا، ولكن لا يمكن الجزم بأنّ المراد من المسؤول هم المشركون، فلعلّ المراد أن نسأل المسلمين .
أقول : هذه أصرح رواية في المطلوب، وذلك لقوله ( وإذا رأيتم (المسلمين) يُصَلّون فيه فلا تسألوا عنه ) ممّا يعني أنّ استعمال المسلمين من أهل العامّة للأشياء فيما يشترط فيه الطهارة والتذكية حجّة كافية للآخرين ليبنوا على الطهارة والتذكية .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo