< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قيل : السابع من المطهّرات : زوالُ عين النجاسة عن الحيوانات
قيل : السابع من المطهّرات : زوالُ عين النجاسة عن الحيوانات كالهرّة والطيور ونحو ذلك، وعندنا هذا العنوانُ هو الجامع بين العناوين الستّة السالفة الذكر، إذ قلنا أكثر من مرّة إنّ الطهارة هي عبارة عن زوال النجاسة والقذارة 303.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
303 تعرّضنا لهذا البحث سابقاً، وقلنا لو زالت النجاسة عن البهائم والسباع كالهرّة المعلوم أنها تتنجّس بشكل دائم بأكلها للمَيتة، وتكون متلوّثة عادةً بدم الولادة، ومع ذلك لم ينبّهنا أئمّتُنا (عليهم السلام)على نجاستها وعلى لزومِ اجتناب سؤرها ولو من باب جريان استصحاب النجاسة، لا، بل قالوا لنا ـ في روايات مستفيضة[1] ـ بطهارة سؤر الهرّة التي تأكل المَيتة بل قالوا (عليهم السلام) بعدم كراهيته، رغم عدم علمنا ـ بل رغم استبعادنا ـ لطروء الطهارة عليها .
ومثلها ما ورد من طهارة سؤر الطيور كلّها، مع أنك تعلم بأنّ أكثر طعامها الميتة النجسة، ولك أن تقول بأنّ أكثر طعامها هو من الطيور التي تقتلها وهي في الهواء فهي إذن ميتة نجسة، ومع ذلك أخبرنا أئمّتنا بأنّك إن لم ترَ على مناقيرها دماً فإنّ عليك أن تعتبرها طاهرة، ولك أن تشرب من الإناء الذي شربَتْ منه، بلا استصحاب للنجاسة، وهذا يعني أنّ مجرّد زوال النجاسة يكفي في طهارة المحلّ، ولا سيما وأننا نرى الحيوانات تنظّفُ نفسَها بالتراب أو بِرِيقِها ونحو ذلك، وقد روى في الكافي عن أحمد بن ادريس ومحمد بن يحيى جميعاً عن محمد بن أحمد(بن يحيى) عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سُئِل عمّا تشرب منه الحمامة ؟ فقال : ( كُلُّ ما اُكِل لحمُه فتوضّأ من سؤره واشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإنْ رأيتَ في منقاره دماً فلا توضّأ منه ولا تشرب )، وعن ماء شَرِبَ منه باز أو صقر أو عقاب ؟ فقال : ( كلّ شيء من الطير يُتوضّأ ممّا يَشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب )[2] موثّقة السند . تقريب الإستدلال هو بالقول بأنّ ذهاب النجاسة يكفي في حصول الطهارة .
فإن قلتَ : قد يكون زوالُ النجاسة عن خصوص البهائم والطيور هو من المطهِّرات تعبّداً، كما ذهب إلى ذلك جُلّ علمائنا قديماً وحديثاً،
قلتُ : لا بدّ من القول بأنّ زوالَ النجاسة عن الحيوانات مطهّرٌ لها، وأنّ قضيّة سريان النجاسة أمْرٌ عقلي محض، وأنّ معنى هذه الروايات أنّ زوال النجاسة كافٍ في عدم سريان النجاسة إلى مكان آخر لانعدام موضوعها، بل إنّ زوال النجاسة هي نفس الطهارة .
ولا بأس أن تزيد على كلامنا أنّ السيرة العقلائية والمتشرّعيّة قائمة على اعتبار الحيوانات والطيور طاهرة مع العلم بأنها عند ولادتها تكون ملوّثةً بدم الولادة، وأنّ أكثر طعام السباع هو من أكل الأنعام فهي تقتلها وتأكلها فتصير بذلك أفواهها نجسةً قطعاً، ومع ذلك لو أكلت من طعامنا أو شربت من شرابنا فإنّ الشرع يحكم بطهارة سؤرها إنْ لم نر على أفواهها دماً . وحتى الجرذان التي أكثر ما تتواجد في الأماكن النجسة إذا رأيتها دخلت في السمن مثلاً ولم تر النجاسة عليها فإنك لا ينبغي لك شرعاً أن تلقي بالسمن، وذلك لكونها طاهرة شرعاً، وما ذلك إلاّ لأنّ زوال النجاسة والقذارة كافٍ في حصول الطهارة .
لاحظ مثلاً ما رواه في الفقيه بإسناده الموثّق عن عمار بن موسى الساباطي أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يجد في إنائه فأرةً، وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه، وقد كانت الفأرة متسلّخة ؟ فقال : ( إنْ كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعدما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان إنما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا يمَسّ من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه )، ثم قال : ( لعلّه أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها ) موثّقة السند، ورواها الشيخ أيضاً بإسناده الموثّق عن عمار بن موسى مثله، ورواها أيضاً بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله[3]، ومثلها ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن العظاية والحية والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : ( لا بأس به )، وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن واُخرِجَتْ قبل أن تموت، أبيعه من مسلم ؟ قال : ( نعم، ويدهن به )[4] صحيحة السند . وقد كثرت الروايات القائلة بطهارة سؤر الهرّة والوحش والسباع والباز والصقر والعقاب ونحوها ممّا يغلب تلوّثه بالميتة والدم، ولم يأمرنا أئمّتنا (عليهم السلام) بلزوم استصحاب النجاسة أو اعتبارها متنجّسة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo