< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : يكفي زوال النجاسة، والكلام في ولوغ الكلب
... وإنك تلاحظ في بعض الروايات السابقة ـ كصحيحتَي عبد الله بن المغيرة وزرارة ـ عدم لزوم زوال آثار النجاسة بالدقة العقلية، وإنما تكفي النظرة العرفية بمعنى أنه بعد غسل الثياب مثلاً ـ أي بعد زوال النجاسة عرفاً ـ لا يلزم الإهتمام ببقاء اللون أو الرائحة على اللباس كما كان يشاهَد قديماً في الأقمشة الداخلية للرضّع، فإنه رغم غَسلها بإتقان قديماً كان يَبقَى عليها شيءٌ من اللون، وهذا ـ بالإجماع ـ لا يضرّ، بل ورد نظير ذلك في الروايات، ممّا يظهر منها بوضوح أن الملاك هو النقاوة ولا يُنظَرُ إلى الريح أو اللون فقد روى محمد بن يعقوب عن (شيخه)محمد بن يحيى(العطار) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى شيخ القميين) عن (شيخه)الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري)[1] عن علي بن أبي حمزة(البطائني)[2] عن العبد الصالح (الكاظم) (عليه السلام) قال : سألتْ أمُّ ولدٍ لأبيه ـ إلى أن قال : ـ قالت : أصاب ثوبي دمُ الحيض فغسلتُه فلم يذهب أثرُه ؟ فقال : ( إصبغيه بمشق[3]حتى يختلط ويذهب ) [4] ضعيفة السند .

بقي الكلام في جهتين :
(الأولى) : لا شكّ على القول بوجوب التعدّد في الغَسل أن نسري وجوب التعدّد إلى كافّة المتنجّسات بالبول، وذلك لعدم احتمال وجود خصوصية في البدن والثوب .

(والثانية) : هل الحكم بوجوب التعدد يختص ببول الآدمي أو أنه يعم غيرَه من الأبوال النجسة ؟
لا شكّ في انصراف (البول) في الروايات السالفة الذكر إلى خصوص بول الإنسان، فيجب الرجوع في غيره إلى العمومات وهي تَقتضي الإكتفاءَ بغسله مرّة واحدة، وذلك لأنهم كانوا يبولون على وجه الأرض وهي على الأغلب صلبة، فكان يَترشح منها البولُ إلى أبدانهم وأثوابهم، ومن أجل ذلك تصدوا للسؤال عن حكمه، فيُرجع في غير أبوال الإنسان إلى المرّة الواحدة .

ولك أن تتمسّك في ذلك بإطلاق ما رواه في يب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( اِغسلْ ثوبَك مِن أبوال ما لا يؤكل لحمه )[5] صحيحة السند، فإنه مع عدم التقييد بالمرّتين يُتمسّك بالإطلاق ليكتفى بالمرّة الواحدة .
* * * * *
مسألة 2 : إذا وَلَغَ الكلبُ في الإناء فإنه يجب غَسْلُهُ بالتراب أوَّلَ مرة ثم بالماء مرّةً واحدة ولو بالماء القليل، ففي الرواية الصحيحة ( اِغسلْه بالتراب أول مرة ثم بالماء ) والظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السلام) ( اِغسلْه بالتراب ) هو غَسْلُه بالتراب الرَّطِب 283 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
283 وذلك لما رواه في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن الفضل أبي العباس البقباق قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه، فقال : ( لا بأس به ) حتى انتهيتُ إلى الكلب، فقال : ( رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء)[6] صحيحة السند، وكذا رواها بعينها في الخلاف أيضاً بنفس السند عن الفضل بن عبد الملك أيضاً قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)( ... واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء )[7] أي من دون قوله ( مرتين )، وكذا أيضاً رواها في الوافي عن يب، وكذا رواها الحرّ العاملي في هداية الأمة إلى أحكام الأئمة وفي الفصول المهمة في أصول الأئمة، وفي جامع أحاديث الشيعة .
هذا، ولكنه رواها بعينها في الخلاف قال : وروى حريز عن الفضل أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : ( ... واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين )[8] أي مع قوله ( مرتين ) .

أقول : لا تثبت شرعاً كلمة (مرّتين)، أعني أنّ أدلّة حجيّة خبر الثقة لا تشمل هكذا كلمة مشكوكة بل مظنونة الإضافة جداً، وذلك لإجماع التهذيبين ومن نقل عنهما، ومحلّين من (الخِلاف) على عدم وجود (مرّتين)، وإنما اقتُصِر ذِكْرُ (مرّتين) في الخِلاف فقط وفي موضع واحد منه فقط، ممّا يجعلنا نطمئنّ أنها كُتِبَتْ سهواً . ويكفينا أنّ هكذا حالة لا تكون موضوعاً للحجيّة، بل حتى مع فرض الشكِّ في شمول الحجيّة لهكذا حالةٍ الأصلُ عدمُ الحجيّة . ولكننا مع ذلك نحتاط استحباباً لادّعاء الإنتصار والخلاف وغيرهما الإجماعَ ـ إلاّ إبن الجنيد ـ على وجوب التثليث، فقد أفتى الصدوق في الفقيه والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي بالتثليث .
المهم هو أنه لا شكّ في لزوم تعفير الإناء المتنجّس بولوغ الكلب بالتراب، ثم غَسْلِه، سواءً بماء المطر أو الماء القليل .. المهمّ أن تزول النجاسة . فمسألةُ تعفيره بالتراب مسألةٌ توصّليه محضة، أي غايةُ التعفير بالتراب هو إزالة الجراثيم والقذارة من الإناء، فإنّ الأمر بتعفيره هو لإزالة القذارة حتماً، وبتعبير آخر : إنّ الأمرَ بتعفيره بالتراب إرشادٌ إلى عدم زوال القذارة والجراثيم إلاّ بتعفيره بالتراب .

فإن قلتَ : ولكنْ روَى في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز(بن عبد الله) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ؟ قال : ( اِغسلِ الإناء ) صحيحة السند، ولم يَذكر(عليه السلام) التعفيرَ بالتراب ! ومقتضى الجمع ح سيكون استحباب الغسل بالتراب، ولكن بما أنه لا معنى للإستحباب في التطهير، فلا بدّ مِن حمْله على الإرشاد إلى أنّ الغسل بالتراب هو الأحسن والأفضل .

قلتُ : كلامُكم صحيح علميّاً، ولكن يصعب على الفقيه أن يقول بمقالتكم، خاصّةً وأنّ المظنون قوياً ـ من خلال التحاليل الطبيّة الحديثة ـ أنّ جراثيم لُعاب الكلب لم تكن تُقتَلُ ـ في العصور السابقة وقبل اكتشاف المعقّمات الحديثة ـ إلاّ بتعفير الإناء بالتراب، وبالأخصّ أنّ جراثيم لُعاب الكلب خطيرةٌ جداً على الإنسان، لذلك فنحن نحتاط وجوباً بالغَسل بالتراب الرطب حتى في زماننا هذا، وذلك لحصول الشكّ في زوال الجراثيم والنجاسة بالمعقّمات الحديثة، إلاّ إذا حصل عندنا عَلِمٌ بقيام بعضِ المعقّمات مقامَ التراب .
المهم هو أنه لا يجب غسل الإناء ـ بعد تعفيره بالتراب الرطب ـ مرّتين بالماء وإنما يكفي مرّةً واحدة.
وقد يقال : لا بدّ من مرّتين، وذلك لاستصحاب نجاسته، ولورود لفظة (مرّتين) في إحدى روايات (الخلاف) .

فأقول : لا شكّ في أنه لا يجب التعدّد في غسله أكثر من مرّة، خاصّةً إذا كان الغسل بالجاري أو بماء المطر ـ بعد التعفير ـ وذلك لما ورد في صحيحة هشام بن سالم السابقة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن السطح يُبال عليه فتصيبه السماءُ فَيَكِفُّ فيُصيب الثوبَ ؟ فقال : ( لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثرُ منه ) مع أنّ السطح يحتاج إلى الصبّ مرتين بالماء القليل ليطهر من نجاسة البول، ممّا يعني أنّ ماء المطر بحكم الماء الجاري، لا، بل ماءُ المطر يتكرّر بطبعه مرّات عديدة كالماء الجاري، فلا داعي لتكرار الصبّ حتماً، خاصةً على مسلكنا من أنّ التطهير حكم توصّلي، غايته حصول النظافة .

وروى في يب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الإناء يُشرب منه النبيذ ؟ فقال : ( يغسله سبع مرات، وكذلك الكلب )[9] موثّقة السند، ولكن لا بدّ مِن حمْلِ السبع مرّات في الكلب على الأحسن والأنظف .


[1] ثقة لرواية صفوان وابن أبي عمير عنه بأسانيد صحيحة.
[2] فيه كلام طويل، خلاصته أنه لا يُعتمد عليه، لا أقل للتعارض بين توثيق الشيخ في كتاب العدّة له ورواية ابن أبي عمير والبزنطي بأسانيد صحيحة عنه من جهة، ومن جهةٍ اُخرى يقول محمد بن مسعود ـ .في الموثقة ـ : حدّثني علي بن الحسن بن فضّال قال : علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم، ونحوها من الروايات
[3] طين أحمر يُصبغ به.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص163، أبواب الأسآر، ب1، ح4، ط الاسلامية
ملاحظة : هكذا رواها في التهذيبين والخلاف ص 177 و 188
لكنه رواها في الخلاف ص 176 هكذا "... واغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء مرتين" بإضافة (مرّتين) . وفي فقه الرضا باب المياه وشربها ص93 : "وإن وقع كلبٌ أو شَرِبَ منه، اُهريق الماءُ وغُسِل الإناءُ ثلاثَ مرات، مرة بالتراب ومرتين بالماء، ثم يجفف" أقول : لم يثبت كون (فقه الرضا) روايات فضلاً عن عدم معرفتنا بصحّتها سنداً، وأغلب الظنّ أنه فتاوى والد الشيخ الصدوق . وهكذا رواها المحقّق الحلّي في المعتبر ناقلاً إياها عن الأصحاب عن أبي العبّاس الفضل !!
واختَلَف قولُ العلاّمة الحلّي في كتبه فأغلبُ الأحيان كان يرويها من دون (مرّتين) وقليلاً كان يضيفها !!.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo