< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الصلاة في المحمول إذا كان ممّا لا يؤكل لحمُه جائز

وتَعرفُ ممّا ذكرنا أنّ الصلاة في المحمول إذا كان ممّا لا يؤكل لحمُه ـ كما لو كان المصلّي يحمل في جيبه محفظةً من جلد ممّا لا يؤكل لحمُه ـ جائز، لنفس الأدلّة السالفة الذكر، فإنه غير واضح أنّ المصلّي يصلّي فيها، وإنما هي محمولات، فنرجع إلى صحيحة محمد بن عبد الجبار السابقة : قال كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله : هل يصلَّى في قلنسوة عليها وبرُ ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب : ( لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حَلَّتِ الصلاة فيه إن شاء الله )[1] وذلك بتقريب وحدة المناط، لأنّ الوبر محمول وواقعٌ على القلنسوة، وكذا المحفظة محمولة في الجيب، أو بالأولوية، ولمرسلة عبد الله بن سنان السابقة، وللأصل .


مسألة 1 : الخيطان التي تخاط بها الجروح معفوّ عنها، ويمكن البناء على طهارتها، بل المظنون قويّاً بأنها ليست من الحيوان، وإنما هي من الحرير أو النايلون أو من سائر الموادّ النفطية المركّبة، حتى ما خِيطَ به الجرحُ من الداخل، وعلى أيّ حال لا يجب السؤال من الطبيب عن ماهيّة الخيط، فلك أن تبني على عدم كونه من الحيوان ـ كالبقر أو الشاة أو الخنزير ـ، بل حتى لو احتملت أنه من البقر أو من الشاة لك أن تبني على طهارته وأن تصلّي فيه، فهو معفوّ عنه ولو لقاعدة الحرج . أمّا ما خِيطَ به الثوبُ والأزرار، فإنها تُعَدُّ من أجزاء اللباس فلا عفو عن نجاستها 279 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(279) كلّ ذلك واضح لا شبهة فيه . وإذا أردت التفصيل أكثر فأقول : أخبرني أحد الأطبّاء الخبراء في هذا المجال بأنهم لم يعودوا يصنعون خيطان الجروح من الحيوانات في القرن الحادي والعشرين، قال وإذا كان بعضهم لا يزال يستخرجها من الحيوانات فهي حالات نادرة قطعاً، ثم قال لا شكّ أنّ الخيطان التي يخيطون بها الجروح من الخارج هي ليست من الموادّ الحيوانية قطعاً وإنما هي من الحرير أو النايلون أو من الموادّ الكيمياوية المصنّعة الطاهرة، وإنما الكلام في الخيطان التي يخيطون بها الجروح من الداخل، فقد كانوا يصنعونها في التسعينات وقبل ذلك من البقر أو الشياه أو الخنازير ليمتصّها الجسم بعد مدّة، لكنهم بعد التسعينات فلم يعودوا يستخرجونها من الحيوانات، وإنما صاروا يستخرجونها من الحرير أو الموادّ المصنّعة الكيميائية . وعليه فيجب البناء على طهارتها . وهي على أيّ حال معفوّ عنها في الصلاة .
أمّا الخيطان التي يخاط بها الثوب فلا شكّ في لزوم كونها طاهرةً، طبعاً إلاّ إذا كان اللباس ممّا لا تتمّ فيه الصلاة كالقلنسوة .


الخامس : قيل279 : ( إن لم يكن للمرأة إلا قميص واحد ولها مولودٌ فيبول عليها فإنها تغسل القميص في اليوم مرة )، وهذا غير صحيح إلاّ في مواضع الحرج من التطهير الدائم، فإن كانت تقع في الحرج فإنها تقتصر في التطهير على المقدار الذي لا يوقعها في الحرج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(279) قال بذلك جماعة من علمائنا معتمدين في ذلك على رواية واحدة مخالفة لاشتراط الطهارة في ثياب المصلّي، وهي ما رواه في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعاذي(ضعّفه الشيخُ واستثناه محمدُ بن الحسن بن الوليد والصدوق وابن نوح من روايات محمد بن أحمد بن يحيى) عن محمد بن خالد(بن عمر الطيالسي التميمي، مجهول) عن سيف بن عميرة(ثقة واقفي) عن أبي حفص(مردّد بين كثيرين أكثرهم مجاهيل) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها، كيف تصنع ؟ قال : ( تغسل القميص في اليوم مرة )[2] ضعيفة السند جداً . وقال الشيخ الصدوق في الفقيه قائلاً : ( وسئل عليه السلام عن امرأة ... )[3] ممّا قد يُتوهّم منه تبنّيه لهذه الرواية .

أقول : لا يمكن لنا الإعتماد على هكذا رواية ولا على هكذا سند وهكذا دلالة مخالفة لاشتراط طهارة ثوب المصلّي للكثير من المشاكل في هذه الرواية :

1ـ المظنون قوياً أنّ الشيخ الصدوق لم يَتَبَنّ هذه الرواية بدليل قوله في المقنع (وروي في امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد ...)[4] وهذا نحو من إبداء الريب في صحّة الرواية، وبدليل عدم التعليق عليها بأيّ كلمة على هذه الرواية المرسلة في كتابه (الفقيه) .
2 ـ الرواية مرويّة عن أبي حفص المردّد بين كثيرين، أكثرهم مجاهيل .
3 ـ إنه رغم البحث الكثير في الحاسوب لم أرَ واحداً اعتمد عليها من القدماء قبل الشيخ الطوسي، فلا يمكن الإعتماد عليها .
4 ـ المظنون جداً أنّ هذه الرواية ـ على فرْضِ صدورِها ـ ناظرة إلى تلك الأيام حيث الحرج الشديد من التطهير الدائم .

5 ـ إنّ أوّل من أفتى بهذه الرواية هو الشيخ الطوسي في النهاية، لكنه قيّدَ الفتوى كثيراً فقال : (والمرأة المربية للصبي إذا كان عليها ثوب لا تملك غيره، وتصيبه النجاسة في كل وقت، ولا يمكنها التحرز من ذلك، ولا تقدر على غسله في كل حال، فلتغسل ثوبها في كل يوم مرة واحدة، وتصلي فيه، وليس عليها شيء)[5] (إنتهى)، فهو ذَكَرَ حالةَ وقوعها في الحرج الشديد الذي لا بدّ فيه من عدم مطلوبية تطهير الثوب لكلّ صلاة، وهي فتوى حرجيّة يقول بها كلّ عاقل في العالم . ولم أرَ له فتوى في غير هذا الكتاب .. وبحثتُ كثيراً فلم أرَ مَن أفتَى بهذه الرواية قبلَ الشيخ الطوسي، لا الشيخ الصدوق ولا أباه ولا غيرهما .

فمع الأخذ بعين الإعتبار كلّ هذه المشاكل يصير من الصعب على الفقيه أن يقول بحجيّة هكذا رواية . ولذلك توقّف جماعة في أصل الحكم كالأردبيلي وأصحاب المعالم والمدارك والذخيرة، وقال الشيخ علي الجواهري (حفيد الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر) ( الأظهر كون العفو عن نجاسة ثوب المربّية منوطاً بالعسر والحرج الشخصيين )[6]، وقال السيد الخوئي ( الأحوط الإقتصار في العفو في المربّية وغيرها على موارد الحرج الشخصي، وبذلك يظهر الحال في الفروع الآتية )[7]، وقال السيد حسين البروجردي والميرزا الشيخ حسين النائيني والسيد عبد الهادي الشيرازي ( الأحوط وجوباً الإقتصار في العفو على صورة عدم التمكّن من تحصيل الثوب الطاهر ولو بشراء أو استئجار أو استعارة )[8] وهم على حقّ في ذلك .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo