< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إذا شُك في كون الدم القليل من دم الحيض أو النفاس أو غير المأكول أو الميتة أم لا

مسألة 3 : إذا عُلِمَ كونُ الدم أقل من الدرهم، وشُك في أنه من دم الحيض أم من النفاس أم لا، فإنه يُبنَى على العفو(269) . وكذا إذا شُكّ في أنه بقدر الدرهم أو أقلّ فإنه يُبنَى على العفو، خاصةً إذا مسبوقاً بالأقلّيّة وشك في زيادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(269) (كما عن الدروس والموجز وشرحه وغيرها، بل قيل عليه بناء الفقهاء) كذا عن مستمسك السيد الحكيم .
وقد يستدلّ على ذلك :
إمّا : بأصالة العفو عن الدم القليل، أو قل يَلزم التمسّكُ ـ في الشبهات المصداقية ـ بعموم ما دلّ على العفو عمّا دون الدرهم من الدم .
وهذا الدليل فيه نظر لأنّ هذا الدم المشكوك مردّد بين الأصناف المعفوّ عنها وبين الأصناف الغير معفوّ عنها، فقد يجب أن يرجع فيه إلى أصالة مانعية الدم من صحّة الصلاة .
وإمّا : بأصالة عدم كون الدم حيضاً أو نفاساً، كما ذَكرنا فيمن شُكّ في هاشميته أو هاشميتها وعدم الهاشمية فإننا بنينا على أصالة عدم الهاشمية، وهذا بناء عقلائي معروف . وليس الدليل هو استصحابُ العدم الأزلي، ولكن الدليل هو الإستصحاب العقلائي، فإنه مقرّر شرعاً، ودليل تقريره شرعاً أصالةُ عدم الهاشمية عند كلّ المسلمين والعقلاء في العالم، وكأنّ العقلاء عندهم أصالة العامّيّة، ومَنِ ادّعى الهاشميةَ فعليه أن يأتي بدليل . وهنا الحكم هكذا تماماً، الأصلُ عدمُ كونِ الدمِ حيضاً أو نفاساً، وكأنّ الأصل في الدم عدم كونه حيضاً أو نفاساً، هذا بناء العقلاء والمسلمين في العالم .
وإمّا : بأصالة البراءة عن مانعية الدم المشكوك المانعية . طبعاً لا يؤخذ بهذا الأصل إلاّ بعد عدم صحّة الرجوع إلى العمومات الفوقانية .

وقد يقال بعدم العفو بدليل لزوم التمسّك بأصالة وجوب التطهير في الشبهات المصداقية . وبتعبير آخر : الأصل مانعية الدم من صحّة الصلاة، وهذا واردٌ على أصالة البراءة السالفة الذكر .
ويندفع بأنه أيضاً من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وهذا ـ كما قلنا ـ ممنوع، لأنّ هذا الدم القليل المشكوك إمّا من الأصناف المعفوّ عنها وإمّا هو من الأصناف الغير معفوّ عنها ! فلا وجه، لا شرعاً ولا عقلاً، لإرجاعه إلى عموم عدم العفوّ، ولكن يجب القول بأصالة عدم تقيّد صحّة الصلاة بعدم هذا الدم المشكوك .

وبتعبير آخر : هل نرجع في هكذا حالة إلى الأصل الأعلائي وهو (مانعية الدم من صحّة الصلاة) أم نرجع إلى أصالة (العفو عن الدم القليل) ؟
الصحيح هو أننا يجب في هذا المورد الخاصّ أن نرجع إلى قاعدته الخاصّة وهي أصالة (العفو عن الدم القليل) طالما لم نعلم بتعنون هذا الدم بعنوان الحيضيّة أو النفاس، وذلك لأنّ هذه الأصالة أخصّ من أصالة (مانعية الدم من صحّة الصلاة)، فلا بأس بالرجوع ـ فيما شكّ في كونه حيضاً أو نفاساً ـ إلى أصالة العفو، ومع الشكّ إرجع إلى أصالة عدم تقيّد الصلاة بعدم هذا الدم . والنتيجة هي عدم مانعية هذا الدم من الصلاة فيه .

وكذا الكلام تقريباً فيما لو شُكّ في الدم بين كونه من مأكول اللحم وبين كونه من غير المأكول أو من المَيتة، فقد يقال بلزوم الرجوع إلى أصالة الحِلّ أو أصالة الطهارة، فيثبت كون الدم من مأكول اللحم . طبعاً هذا الكلام قد يصحّ فيما لو لم يوجد علم إجمالي بين كون الحيوان إمّا (مأكول اللحم) وإمّا (غير مأكول اللحم أو مَيتة) وإلاّ فمن الواضح أنّ هذه الأصالات الموضوعية لا تجري .

وهنا يأتي السؤال التالي : هل يمكن إجراء أصالة الحلّية الشرعية لصاحب الدم لإثبات أنّ الدم هو لمأكول اللحم، فنقول بالعفو عن الدم ح أو لا ؟
قد تقول : نعم، تجري أصالة الحليّة لأنّ التنزيل منزلة الحلال هو تنزيل عامّ ...
وقد تقول : لا، بادّعاء عدم نظر روايات التحليل إلى ذلك ...
إذن فعلينا أن ننظر إلى الروايات فنقول :
روى في الفقيه بإسناده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )[1] صحيحة السند .
وروى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول : ( كلُّ شيءٍ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه مِن قِبَلِ نفسِك، وذلك مثلُ الثوب يكون عليك قد اشتريتَه وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلَّه حُرٌّ قد باع نفسَه أو خُدِعَ فبِيعَ أو قُهِرَ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيِّنة )[2] موثّقة السند .
لا شكّ أن التنزيل في الروايتين ناظر إلى حليّة مثل الجبن واللحم والثوب وو.. الموجودة في سوق المسلمين، وليست الروايتان ناظرتين إلى لزوم البناء على كون الدم المشكوك من حيوان محلّل الأكل، كي نقول بالعفو عن قليله، فشتّان بين هذا وذاك، إلاّ أن تقول بالأصل المثبت !!
فهل في هكذا حالة يمكن الرجوع إلى أصالة عدم تقييد الصلاة بعدم هذا الدم المشكوك كونُه من غير المأكول أو من المَيتة أم لا ؟
يجب أن نعرف أوّلاً عدمَ إمكانِ الرجوع إلى العمومات اللفظية لأنها من التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية، خاصّةً وأنه في حال التردّد بين كون الدم من مأكول اللحم أو من غيره لا يوجد أصل عقلائي ينفي كونه من غير مأكول اللحم، ذلك لأنّ أصناف غير مأكول اللحم أكثر من أصناف المأكول، فليس عندنا أصل عقلائي يفيد عدم كونه من غير المأكول كما كان الحال في احتمال كون الدم دمَ حيض أو نفاس .
بعد هذا نقول : لا شكّ في لزوم الرجوع إلى أصالة عدم التقييد بعدم هذا الدم ـ وهي مفاد البراءة ـ والحكمِ بصحّة الصلاة، وإلى هذا ذهب كلّ أو جلّ علمائنا المتأخرين على ما ترى في حواشي العروة الوثقى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo