< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الكلام في عَنَنِ الزوج
1 ـ الكلام في عَنَنِ الزوج :
* إذا تبيّن أن الزوج كان عِنّيناً قبل الدخول فللزوجة فسخُ عقدِ الزواج، ولكن إذا كان يحتمل علاجُه وشفاؤه فإنّ على الوليّ الفقيه أن يمهله سنةً فإنْ لم يشفَ فللزوجة فسخ عقد الزواج، وذلك بالإجماع، وإن كان لا يحتمل شفاؤه فللزوجة أن تفسخ نكاحها أيضاً، لكن فوراً، ومع ذلك الأحوط استحباباً أن يطلّقها الحاكم الشرعي، ويجب على الزوج إعطاؤها نصفَ الصداق، دليلنا :
1ـ لما رواه عبد الله بن جعفر الحِميَري (طبقة الإمامين الهادي والعسكري(عليهم السلام)) في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن (جدّه)عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : سألته عن عِنينٍ دلّس نفسه لامرأة، ما حاله ؟ قال : (عليه المهر ويُفرّقُ بينهما إذا عُلم أنه لا يأتي النساء)[1] صحيحة السند، وهي ناظرة إلى العَنَن قبل العقد لأنه قال في السؤال ( دلّس نفسه لامرأة) أي أنه يعلم نفسه قبل العقد أنه عنين، وأيضاً ناظرة إلى حالة العلم بعدم الشفاء أبداً لقوله ( إذا عُلم أنه لا يأتي النساء) وذلك لعدم الفائدة من إعطائه مهلة سنة في هكذا الحالة .
2 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن محمد بن يحيى(العطّار شيخ الكليني) عن أحمد بن محمد(بن عيسى) جميعاً عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي حمزة(الثمالي) قال : سمعت أبا جعفر (عليهم السلام) يقول : (إذا تزوّج الرجلُ المرأةَ الثيّبَ التي تزوجت زوجاً غيره فزعمت أنه لم يقربْها منذ دخل بها فإنّ القول في ذلك قولُ الرجل، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها لأنها المدّعية) أي لأنها هي المدّعية للعيب والعنن وهو المنكر، قال : (فإنْ تزوّجت وهي بكر فزعمت أنه لم يصل إليها فإنّ مثل هذا تعرف النساءُ، فليَنْظُرْ إليها مَن يُوثق به منهن فإذا ذكرت أنها عذراء فعلَى الإمام أن يؤجّله سنة فإنْ وصل إليها وإلا فَرّق بينهما، واُعطيت نصف الصداق ولا عدّة عليها) [2]صحيحة السند . والظاهر أنّ الحكم بنصف المهر مجمَعٌ عليه . ثم إنّ الظاهر أنّ قوله "فرّق بينهما" يُقرأ بصيغة المعلوم ـ نظراً للسياق ـ، بل لا يفرق الأمر في الدلالة حتى ولو قرأنا الكلمة بصيغة المجهول، وذلك لأن المعنى سيكون كالتالي : بما أنه لم يُذكر الشخصُ الذي يفرّق بينهما فالأحوط وجوباً أن يُجبر الحاكمُ الشرعي الزوجَ على التطليق، فإن لم يطلّق الزوجُ طلّقها الحاكم الشرعي تنفيذاً لحكم الله، وهي أيضاً ناظرة إلى احتمال شفائه .
3 ـ وما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان(بن يحيى) عن العلاء(بن رزين) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهم السلام) قال : (العِنّين يُتربص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوجَتْ، وإن شاءت أقامَتْ) صحيحة السند، بيانها : العِنين ـ أي سواء كان عِنّيناً قبل الدخول أو طرأ عليه العَنَن بعده ـ يّتربّص به سنة، ثم إن شاءت تزوّجت ـ أي فسخت نكاحَها الأوّل وتزوّجت غيره ـ وإن شاءت أقامت، ولم يقل طلّقها زوجها أي أنّ فَسْخَ عقدِ الزواج بيدها ـ لا بيد زوجها ـ والبقاءُ بيدها حتى وإن حصل العَنَنُ بعد الدخول .
4 ـ ومثلها أيضاً ما رواه في التهذيبين بإسناده (الصحيح) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي البَخْتَري(وهب بن وهب) عن جعفر عن أبيه (عليهم السلام) : أن علياً (عليه السلام) كان يقول : ( يؤخَّر العِنين سنة من يوم ترافعه امرأته، فان خلص إليها وإلا فُرّقَ بينهما، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخِيار بعد ذلك فقد سقط الخِيار ولا خِيار لها )، ضعيفة السند بوهب بن وهب فإنه كان قاضياً عامّياً كذّاباً حتى وإن قال العلاّمة في الخلاصة نقلاً عن ابن الغضائري أن له أحاديث عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) كلها يوثق بها .
5 ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال قال أبو عبد الله (عليهم السلام) : ( إذا تزوّج الرجلُ المرأةَ وهو لا يقدر على النساء اُجّل سنة حتى يعالج نفسه) ضعيفة السند , وهي أيضاً ناظرة إلى احتمال شفائه، بدليل قوله (حتى يعالج نفسه) أي إعطاء مهلة السنة ليس إلا لاحتمال شفائه، فإذا كان يُعلم ولو بطريقة علمية قطعية أنه لن يشفى فلا وجه لإعطائه مهلة سنة .
6 ـ ومثلها ما رواه عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) : عن الحسن بن ظريف(ثقة) عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) : أنه كان يقضي في العِنّين أنه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة . وهي ضعيفة السند، وقول ابن عقدة ( إن أخاه الحسن بن علوان كان أوثق من الحسين ) لا تدلّ بوضوح على أن الحسين بن علوان كان ثقة وإنما يحتمل أن يكون المراد أنه كان في الحسين شك قليل في وثاقته بخلاف الحسن الذي لم يكن فيه شك في وثاقته، وهي ـ كما رأيت ـ شاملة لما إذا حصل العنن بعد الدخول .
7 ـ ومثلُها في الدَلالة ما رواه في التهذيب بإسناده عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن أبان(بن عثمان الأحمر) عن غياث الضبي عن أبي عبد الله (عليهم السلام) قال في العِنّين إذا عُلم أنه عِنّين لا يأتي النساء : ( فُرّقَ بينهما، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرَّق بينهما، والرجل لا يُرَد مِن عيب )، روى الشيخ في تهذيبيه والصدوق في الفقيه غياث، ورواها في الكافي عبّاد، وفي جامع الرواة أنه ورد في نسخة (عن غياث بن إبراهيم) بدل غياث الضبي، ولم يذكر مصدر النقل، واحتمل بعضهم أن يكون غياث بن صهيب البصري . وتصحّح هذه الرواية بناءً على صحّة أسانيد أصحاب الإجماع . قولُه (لا يُرَدُّ من عيب) مخصوصٌ بما عدا العيوب المنصوصة، ولعلّ المراد أنه بعد الدخول لا يردّ الزوج من عيب، على أي حال هذه الكلمة الأخيرة لا تضرّنا بعد القول بتفكيك خبر الثقة وتعلّق الحجيّة بكلّ فقرة من فقراته .
ولك أن تستدلّ بالأولوية، فإنه إذا كان للزوجة التي ابتُلِيَ زوجها بالعنن بعد الدخول بها إذا كان لها الخيار في فسخ عقد الزواج، فبطريق اَولى أن يكون لمن لم يدخل بها أصلاً أن يكون لها خيار الفسخ، راجع صحيحة أبي بصير الآتية .

إذن فيجب ـ عملياً ـ أن تَعرِضُ الزوجةُ نفسَها أوّلاً على الحاكم الشرعي فإن احتَمَل شفاءَه أمهله سنةً، فإن تبيّن أنه لم يشفَ، فسخت الزوجةُ العقدَ بمقتضى صحيحة محمد بن مسلم، وطلّقها الحاكمُ الشرعيُّ أيضاً إحتياطاً بمقتضى مصحّحة علي بن جعفر وصحيحة أبي حمزة الثمالي ورواية غياث الضبّي .
وأمّا إن علمت الزوجةُ بعدم شفائه أصلاً فإنّ لها أن تفسخ، لكنْ فوراً، من دون حاجةٍ إلى الرجوع إلى الحاكم وبلا حاجة إلى تطليق الحاكم، وذلك بمقتضى صحيحة ابن مسلم، ومع ذلك الأفضل أن يُحتاط في المقام بأن يطلّق الحاكمُ الشرعي أيضاً، وذلك بمقتضى مصحّحة علي بن جعفر ورواية غياث الضبّي .
ثم لا شكّ في وجوب نصف الصداق على الزوج العنّين، والظاهرُ أنّ الحكمَ بنصف المهر أمْرٌ إجماعي .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo