< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إذا انحصر ثوبُه في ثوبٍ نجِسٍ

مسألة 3 : لو عَلِمَ بنجاسة شيءٍ ـ كالإناء مثلاً ـ فنَسِيَ ولاقَى ثوبُه ـ مثلاً ـ ماءَ الإناء النجس وصَلَّى، ثم تذكَّرَ أنّ الإناءَ كان متنجساً وأنّ ثوبَه تنجّسَ بملاقاته، فالظاهر صحّةُ صلاته، لأنه كان جاهلاً بنجاسة ثوبه من الأصل، ولا يُقال إنه كان ناسياً نجاسةَ ثوبِه، وذلك لأنه لم يلتفت لنجاسة ثوبه سابقاً، والنسيانُ تعلّقَ بنجاسة الإناء .

ذكرنا الدليل في المتن، ولا داعي للإعادة .

مسألة 4 : إذا انحصر ثوبُه في ثوبٍ نجِسٍ، فإن لم يمكن له نزْعُه حالَ الصلاة لبردٍ أو نحوه صَلَّى فيه لاضطراره لذلك، وهذا أمر بديهي لا خلاف فيه لأنّ الصلاة لا تسقط بحال، ولا يجب عليه الإعادة أو القضاء، وأمّا إن تمكن من نزعه فلا شكّ أنه يجوز أن يصلّي بالثوب النجس وتصحّ صلاتُه، ولكن هل هو مخيّر بين يصلّي بالنجس أو يصلّيَ عارياً في المكان الذي لا يوجد فيه ناظر محترم أم لا ؟ يحتمل التخيير، ولكنْ ـ مع ذلك ـ الأحوطُ وجوباً أن لا يصلّي عارياً لصحيحة علي بن جعفر الناهية عن التعرّي، وعلى أيّ حال سواء صلّى بالثوب النجس أو صلّى عارياً ـ بناءً على صحّة ذلك ـ لا يجب عليه إعادةُ الصلاة ولا القضاء.

بلا خلاف ولا إشكال، وذلك لما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري)([1]) عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوبٌ غيرُه ؟ قال : ( يصَلّي فيه إذا اضطُرَّ إليه )([2]) صحيحة السند . وكلمة ( إذا اضطُرَّ إليه ) واسعة، تشمل ما لو وُجِد ناظرٌ محترم، أو خِيف من قدوم اُناس، وتشمل أيضاً حالاتِ البرد والعجلة ..
ثم المفروض أنه حينما أتى بالصلاة بأجزائها وشرائطها ـ كما هو الموجود في صحيحة الحلبي ـ لا ينبغي القول بوجوب قضائها بعدما يرتفع العذر، وذلك لعدم الوجه لذلك .
وعدمُ ذِكْرِ وجوبِ إعادةِ الصلاة ـ في الوقت ـ إشارةٌ واضحة إلى عدم وجوبها شرعاً ـ وهو المعروف بين العلماء ـ كما ستلاحظ ذلك في سائر الروايات الآتية، فلا يصحّ التمسّك بموثّقة عمّار الساباطي الآتية . قال السيد محسن الحكيم([3]) : ( كما أن إعراض المشهور عن موثّق عمّار لا يوجب سقوطه عن الحجية، لامكان كونه لبنائهم على تعارض النصوص في الباب، ووجوب ترجيح غيره عليه . نعم لا يظهر منه كون الإعادة لأجل الصلاة في النجاسة، أو لأجل التيمم الذي قد اُمِرَ في جملة من النصوص بالإعادة من أجله، المحمولة على الإستحباب، حسبما يأتي في محله، فلعل ذلك موجب لحمله على الإستحباب لذلك، بقرينة خُلُوّ النصوص عن الأمر بالإعادة، فتأمّل .
ثم إنّ عدم وجوب الإعادة مبنيٌّ على مشروعية البِدار لذوي الأعذار كما يقتضيه إطلاق دليل البدلية، لصدق عدم القدرة على الطبيعة المطلقة مع عدم القدرة عليها في أول الوقت، وإن علم بالقدرة على بعض الأفراد في أثناء الوقت أو آخره، إذ القدرة في الأثناء لا تنافي العجز أول الوقت . نعم في ثبوت الاطلاق لنصوص المقام تأمل، لظهور كونها مسوقة مساق جعل البدل في ظرف عدم القدرة في قبال سقوطه، لا في مقام جعل البدلية بلحاظ جميع الأزمنة، وحينئذ يجوز البدار منوطاً بعدم القدرة في تمام الوقت واقعاً، فإذا انكشف ثبوت القدرة في أثناء الوقت انكشف فساد البدل من أوّل الأمر، ولعله يأتي توضيح ذلك إن شاء الله ) (إنتهى) .
(248) لا شكّ في استفاضة الروايات الصحيحة في أن يصلّي بالثوب النجس، وهو مقتضى العقل أيضاً، لأنّ تفويت شرط الساتر اَولى من تفويت نفس الساتر، على أنه ليس من اللائق بنظر نفس المصلّي العاري أن يصلّي أمام ربّه وملائكته عارياً ولو لم يكن يوجد معه أحد، أو قُلْ : يَستقبِحُ المتديّنُ ذلك جداً في كلّ حالات صلاته، حتى مع ستر عورتَيه بيديه، فمثلاً : عند السجود إمّا أن يضع يدَيهِ على عورتَيه ولا يضعهما على الأرض، فيختل شرط أساسي في السجود، وإمّا أن لا يستر عورتَيه، وهو عين القبيح، هذا إن لم يكن المصلّي شابّاً شبقاً سريع التأثّر، إضافةً إلى أنّ الصلاة عارياً إن كانت عن جلوس فقد ألغى شرط القيام في الصلاة وهو ركن، وألغى شرط الركوع ... ونقل السيد الحكيم ترجيحَ القول بالصلاة في النجس عن البيان والمدارك، ونقل تقويته عن المعالم وكشف اللثام للأخبار التالية :
1 ـ في التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر(أحمد بن محمد بن عيسى) عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان(من أصحاب الإجماع([4])) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله(ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوب وليس معه غيره ولا يقدر على غسله ؟ قال : ( يصَلّي فيه ) صحيحة السند .
2 ـ وفي التهذيبين أيضاً بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي(بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة(فطحي ثقة) عن عمار بن موسى الساباطي(فطحي ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إنه سُئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع ؟ قال : ( يتَيَمَّم ويصَلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة )([5]) موثّقة السند .
3 ـ صحيحة علي بن جعفر الآتية بعد أسطر في الفقيه .
4 ـ صحيحة الحلبي الآتية، أيضاً في الفقيه .
ورواها في الفقيه هكذا قال : ( 752 ـ وسأل محمدُ بنُ علي الحلبي أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله ؟ قال : ( يصلي فيه ) . 753 ـ وسأله عليه السلام عبدُ الرحمن بنُ أبي عبد الله عن الرجل يُجنِبُ في ثوب وليس معه غيرُه ولا يقدر على غسله ؟ قال : ( يصَلّي فيه ) . 754 ـ وفي خبر آخر قال : ( يصَلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله وأعاد الصلاة ) . 755 ـ وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم، يصَلّي فيه أو يصلي عرياناً ؟ قال : ( إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماء صَلَّى فيه ولا يُصَلِّ عرياناً ) (إنتهى ما عن الفقيه) . وروى الروايةَ الأخيرة في يب بإسناده الصحيح عن علي بن جعفر([6]) صحيحة السند .



[1] ثقة لرواية صفوان وابن أبي عمير عنه بأسانيد صحيحة .
[4] نظرةٌ في ناووسية أبان بن عثمان : قال الكشي عن محمد بن مسعود قال : حدثني علي بن الحسنابن فضّال فقيه ثقة فطحيّ كان قريب الأمر إلى أصحابنا الإمامية قال : كان أبان من أهل البصرة، وكان مولى بجيلة، وكان يسكن الكوفة، وكان من الناووسية" . هذا كلّ دليلهم على ناووسية أبان بن عثمان . ولعلّك تذكر أنّ الناووسية فرقةٌ وقفت على إمامة أبي عبد الله الصادق عليه السلام . أقول : عندي عدّة تساؤلات في ناووسية أبان :
1 ـ قال المقدّس الأردبيلي رحمه الله في كتاب الكفالة من شرح الإرشاد : كونُهُ ناووسيّاً غيرُ واضح، بل قيل كان ناووسيّاً، وفي كتاب الكشّي الذي عندي : قيل كان قادسيّاً، أي من القادسيّة، فكأنّه تصحيف إنتهى . وفي حاشية الوسيط من المصنّف في بعض النسخ : إنّه من القادسيّة، فلعلّ من قال بكونه ناووسيّا رأى كلمة قادسيّاً غير واضحة في الكتاب فاعتقد ناووسيّاً، أو كانت في نسخته محرّفة .
أقول : مع اختلاف النسخ ـ في كون الصحيح هو كان من الناووسية أو كان من القادسية ـ يجب التساقط كما هو شأن التعارض، فلا ينبغي ح أن نصفه بأنه من الناووسية .
2 ـ مما يدل على صحة عقيدته وانتفاء كونه من الناووسية روايتُه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أن الأئمة اثنا عشر، ففي باب ما جاء في الإثني عشر من أصول الكافي عن الحسين بن محمدبن عامر بن عمران بن أبي بكر الأشعري القمّي وقد نُسِب إلى جدّه فكان معروفاً بـ إبن عامر، ثقة له كتاب عن مُعَلّى بن محمدمضطرب الحديث والمذهبعن الحسن بن عليالوشاء عن أبانبن عثمان الأحمر عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : نحن اثنا عشر إماماً، منهم : حسن وحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين عليه السلام، لكن يمكن الإطمئنان بصدور هذه الرواية . ولم يروِ الوشّاءُ عن أبان غير أبان بن عثمان، فكيف يكون أبان ناووسياً ؟!
3 ـ لماذا لم يذكر الشيخ الطوسي حينما ترجمه في رجاله وفهرسته أنه ناووسي ؟! مع أنه أكثر من الكلام عنه وقال فيه "وله أصلٌ" أي مرجع يرجع إليه الشيعةُ، وكان الشيخ يهتمّ كثيراً بذكر مذهب الراوي ؟!
4 ـ قال النجاشي : أبان بن عثمان الأحمر البجلي مولاهم أصله كوفي، كان يسكنها تارة، والبصرة تارة، وقد أخذ عنه أهلها، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى عليهم السلام . له كتاب حسن كبير ولم يذكر بل لم يشر إلى القول بـ ناووسية أبان، مع أنّ هذا الأمر مهم عنده وعند كلّ علماء الفرقة الناجية، خاصةً في رواتنا الأساسيين ؟! ثم إن كان قد وقف على الإمام الصادق فكيف يروي عن الإمام الكاظم عليهم السلام ؟
5 ـ ولماذا أيضاً لم يذكر الشيخ محمد علي بن شهراشوب489 ـ ‌588 هـ عنه ـ حين تَرْجَمَهُ ـ أنه ناووسيّ ؟!
6 ـ إن ابن أبي عمير مع جلالة قدره، وعلو مرتبته، جعل أبان بن عثمان من جملة مشايخنا، كما يظهر مما ذكره شيخنا الصدوق في باب الأربعة من الخصال، وفي المجلس الثاني من أماليه، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله بن عامر عن محمد بن أبي عمير قال حدثني جماعة من مشايخنا منهم : أبان بن عثمان وهشام بن سالم ومحمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال ... وهذا أمارة أنه من مشايخه بالمعنى الخاصّ أي المناسب لهشام بن سالم ومحمد بن حمران الشيعة الإماميين . على أي حال هو من المشايخ المعروفين فقد روى عنه أجلاّء أصحابنا مثل ابن أبي عمير والبزنطي .
7 ـ أنت تعلم أنّ أبان بن عثمان هو من أصحاب الإجماع، ويبعد كثيراً أن تُجمِعَ الطائفةُ على شخص ناووسيّ فاسق ملعون . لكن هذه قرينة فقط، وذلك لعلمنا بفطحية عبد الله بن بكير الذي هو من أصحاب الإجماع .
8 ـ لقد حكم فحول الأعلام بوجود أخطاء كثيرة في كتاب الكشّي، حتى أنه لا يمكن الإعتماد عليه أصلاً، فقد قال السيد مرتضى العسكري : قال صاحب قاموس الرجال : "وأما رجال الكشي فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحدٍ حتى الشيخ والنجاشي، وقال فيه النجاشي : "فيه أغلاط كثيرة"إنتهى صاحب قاموس الرجال، وتصحيفاتُه أكثر من أن تحصى، وإنما السالم منه معدود ... وقَلَّ ما سَلِمَتْ روايةٌ من رواياته عن التصحيف بل وقع في كثير من عناوينه، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى ... ثم إن الشيخ اختار مقداراً من رجال الكشي مع ما فيه من الخلط والتصحيف وأسقط منه أبوابه . والقهبائي الذي رتب الأخبار أراد إصلاح بعض ما فيه فزاد في إفساده وتحكم بتحكمات باطلة . وبعد كل ما قلنا من وقوع التحريفات في أصل الكشّي بتلك المرتبة لا يمكن الإعتماد على ما فيه إذا لم تقم قرينة على صحته، فإنّ اتفاق المتأخرين ـ .مثلاً ـ على كون أبان بن عثمان ناووسيّاً ـ كما في نسخة رجال الكشي أنه كان من الناوسية ـ في غير محله، إذ من المحتمل أن يكون محرَّفاً من كان من القادسية . ثم إنه حدث في اختيار الشيخ لرجال الكشي أيضا تحريفات إضافة إلى ما كان في أصله، ولهذا نرى نسخ الإختيار أيضاً مختلفة، لا سيما نسخة القهبائي فإنها تختلف عن النسخة المطبوعة إنتهى السيد مرتضى العسكري.
9 ـ قال النجاشي : روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى عليهم السلاموبمثله قال شيخ الطائفة في الفهرست .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo