< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: لو عَرَضت النجاسةُ وحصل عنده علم إجمالي

وأمّا لو عَرَضت النجاسةُ وحصل عنده شكّ في أنها إمّا وقعت على ثوبه الذي يلبسه فعلاً في صلاته وإمّا وقعت على الثوب الآخر، ثم تبيَّنَ أنها وقعت على ثوبه الذي يصَلّي فيه فعلاً، فإنه يجب عليه أن يعيد صلاته، لأنّ هذا العلم الإجمالي منجّز عليه عقلاً، أمّا لو لم يكن الطرف الآخر محلّ ابتلائه ـ كما لو كان الطرفُ الآخر المرحاضَ مثلاً ـ فلا بأس بجريان الاُصول المؤمّنة في الثوب، وعليه فإن تبيّن بعد الصلاة أنّ النجاسة كانت قد وقعت على الثوب فلا بأس، أي لا يعيد صلاته، لأنه كان جاهلاً شرعاً، بمعنى أنّ هذا العلم الإجمالي لم يكن منجّزاً عليه شرعاً، وإن كان الإحتياط حسناً .

أوضحنا ذلك مطوّلاً في شرحنا على الحلقة الثالثة من دروس في علم الاُصول، واستدللنا على ذلك بالعقل، وأنّ العلّة للإحتياط هو وجوب الإبتعاد عن النجس الواقعي . أمّا إذا كانت بعض أطراف العلم الإجمالي خارجة عن محلّ الإبتلاء تماماً، كما في فرض مثال المتن، فإنه لا ينظر إلى النقطة التي وقعت في المرحاض عقلاً وشرعاً، فلا مانع عقلاً من جريان الطهارة في الطرف الباقي . وبتعبير آخر : لك أن تجري قاعدة الطهارة بلا أيّ مانع عقلي، لأنّ لك أن تقول "هل تنجس ثوبي هذا أم لا ؟" فَلَكَ أن تُجري قاعدةَ الطهارة .
ولكن مع ذلك يوجد شبهة معروفة وهي أنه حتى الطرف الغير واقع تحت الإبتلاء هو واقعاً وحقيقةً من أطراف العلم الإجمالي وجداناً، فلا ينبغي أن تجري الاُصول الترخيصية المؤمّنة في الطرف الواقع تحت الإبتلاء بذريعة أنّ الطرف الآخر الواقع خارج محلّ الإبتلاء لا تجري فيه الاُصول الترخيصية للغويّتها عقلاً .
ولا بأس هنا بذِكْرِ ما أفاده العلاّمة السيد حسن بن علي الموسوي البجنوردي[1] قال : (وأما الإشكال على ما ذكرنا بلزوم الإحتياط بناءً على هذا في الأطراف المقدورة حتى مع العلم بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فعجيب لأنه مع العلم بخروج بعض الأطراف نعلم بعدم التكليف في ذلك الطرف المعلوم الخروج، وحيث إنه على تقدير انطباقه ـ أي النجس الواقعي ـ على ذلك الطرف ـ أي الخارج عن محلّ الإبتلاء ـ نعلم بعدم تكليف في البين فلا يبقى مجال للزوم الإحتياط حتى يظهر الحال لأنّ الحال ظاهرة .
نعم لو كان المعلوم(النجاسة) بالإجمال في هذا الطرف المقدور فالعموم (أي عموم وجوب الإجتناب) يشمله، وحيث إنّ المعلوم(النجاسة) بالإجمال، وجودُه في هذا الطرف مشكوك فالعلم الإجمالي لم يتعلق بخطاب فعلي في أيّ طرف كان، بل المعلوم(النجاسة) بالإجمال تكليف مشكوك فلا يؤثر التنجيز، والملاك أيضاً لا يؤثر، لأنه على تقدير كون الملاك (أي مفسدة النجاسة الواقعية) في ذلك الطرف المعلوم الخروج عن محل الإبتلاء فلا يؤثر قطعاً، للقطع بعدم التكليف ـ يقصد للقطع بعدم المفسدة ـ حينئذ، ومع القطع بعدم التكليف في الطرف المعلوم الخروج فنقطع بعدم التكليف المطلق (أي عدم منجّزيّة العلم الإجمالي)، ومعه لا يبقى مجال لحكم العقل بلزوم الإحتياط، لكون الشبهة حينئذ من قبيل الشبهة البدْوِيّة بل هي عينها، ( وهذا بخلاف ) ما لو شك في الخروج ـ كما لو اُخذ الإناءُ الثاني إلى الصين مثلاً ـ فلا يقطع بعدم التكليف المطلق مثل الصورة السابقة، بل يحتمل وجودُه ـ يقصد بقاءَه ـ فيبقى مجال لحكم العقل بلزوم الإحتياط لأجل (احتمال) وجود الملاك .
وبعبارة اُخرى : أما في الطرف الخارج عن محل الإبتلاء قطعاً، فلا تكليف قطعاً، حتى مع وجود الملاك فيه ـ يقصد ولا مفسدةَ فيه ـ، وأما الطرف الآخر فمقدورٌ قطعاً، ووجود الملاك فيه مشكوك . والعقل يحكم بلزوم الإحتياط في عكس هذا، أي فيما كان الملاك معلوم الوجود والقدرة مشكوكة ـ كما لو كان الإناءُ الآخرُ في الصين مثلاً ـ لا فيما كان بالعكس، فقياس القطع بالخروج عن محل الإبتلاء بالشك فيه في غاية الفساد، واقتناعُ شيخنا الأستاذ بهذا الإشكال أعجب على ما يَدَّعِيه المستشكل .



[1]منتهى الاُصول ج 2 ص 260 تحت عنوان : الثالث : إنه لو كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الإبتلاء فلا يؤثر العلم الاجمالي لا في وجوب الموافقة القطعية ولا في حرمة مخالفتها ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo