< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فَصْلٌ في [ الصلاة في النجس ]
إذا صلَّى في النجس فإن كان عن علم وعمد بطلت صلاته، وأمّا إن كان عن جهل بالنجاسة جهلاً حكميّاً بأن لم يعلم أن حكم الموضوع الكلّي للشيء الفلاني نجس شرعاً، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة فصَلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه. وأمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقَى البولَ مثلاً، فإنْ لم يلتفت أصلاً أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاتُه ولا يجب عليه القضاء ولا الإعادة في الوقت، وإن التفت في أثناء الصلاة، فإن علم سبقها وأن بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت، مع سعة الوقت للإعادة، وإن كان الأحوط الإتمام ثم الإعادة . ومع ضيق الوقت إن أمكن التطهير أو التبديل وهو في الصلاة من غير لزوم المنافي فليفعل ذلك ويتم وكانت صحيحة، وإن لم يمكن أتمها وكانت صحيحة . وإن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شيء من أجزائها مع النجاسة، أو علم بها وشك في أنها كانت سابقاً أو حدثت فعلاً فمع سعة الوقت وإمكان التطهير أو التبديل يُتِمُّها بعدهما، ومع عدم الإمكان يستأنف، ومع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة ولا شيء عليه .

... وأخيراً، بعدما عرَفتَ وقرأتَ كلّ ما أمليناه عليك يجب أن نذكر مسائل ثلاثة :
... الثانية : إحتمل الشهيد الأوّل في الذكرى أن يكون التفصيل بين مَن فحص ومَن لم يفحص هو الصحيح واقعاً، وذلك بأن نقول : إن فحص ونظر فلم يجد نجاسة لا يعيد صلاته، وأمّا إن لم يفحص ولم ينظر فعليه أن يعيد صلاته، وقوّى ذلك صاحبُ الحدائق وحكاه عن الشيخين رحمهما الله، وذلك بدليل ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد الله عن عبد الله بن جبلة(ثقة فقيه له كتب) عن سيف(بن عميرة ثقة واقفي له كتاب) عن ميمون الصيقل(مهمل) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال قلت له : رجلٌ أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ؟ فقال : ( الحمد لله الذي لم يدع شيئاً إلا وله حد، إن كان حين قام نظر فلم يَرَ شيئاً فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة )[1]، ورواها في الفقيه مرسلةً فقال : "وقد روي في المني أنه إن كان الرجل حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئاً فلا شيء عليه، فإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته"[2]والمظنون أنهما رواية واحدة .
أقول : لا يصحّ هذا التفصيل ولا يمكن الإعتماد عليه في مقابل كلّ تلك الروايات المستفيضة المطلقة التي لا تفصّل بين ما لو فحص أو لم يفحص، وذلك لضعف رواية ميمون الصيقل سنداً ولإرسال رواية الفقيه .
الثالثة : المراد من الجهل في الروايات هو ما يشمل الشكّ والتردّد، وهذا أمر عرفي واضح .
الرابعة : يظهر من الروايتين الرابعة والتاسعة السابقتين أنه لا يجب إعادة الصلاة على من صلّى في غير مأكول اللحم أيضاً، لاحِظْ موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله السابقة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته ؟ قال : ( إن كان لم يعلم فلا يعيد ) و صحيحة العِيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن رجل صلّى في ثوب رجل أياماً، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصَلّي فيه ؟! قال : ( لا يعيد شيئاً من صلاته ) تلاحظ عدم وجوب إعادة الصلاة فيمن صلّى في غير مأكول اللحم جاهلاً بذلك موضوعاً .
وعلى أيّ حال فالصحيح هو أنّ مَن صلّى جاهلاً بالنجاسة أو بغير مأكول اللحم ثم علم بعدما فرغ من صلاته فلا إعادة عليه داخل الوقت ولا القضاء خارجه، سواءً فحص أو لم يفحص، وهذا ما اشتهر بين أصحابنا جداً .

أمّا إن التفَتَ إلى النجاسة في أثناء الصلاة، فحالات :
1 ـ إن عَلِمَ سبْقَها وأن بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت، مع سعة الوقت للإعادة، وقد ذهب إلى هذا جماعةٌ من فقهائنا .

دليلُنا على ذلك : ما رويناه قبل قليل عن التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء مِن مَنِيّ .. ـ إلى أن قال ـ قلتُ : إن رأيتُه في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال : ( تنقض الصلاة وتعيد، إذا شككتَ في موضعٍ منه ثم رأيتَه، وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شيءٌ اُوقِعَ عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً )[3]، ورواها الصدوق في العلل عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهما السلام)مثله، وكلا السندين صحيح، وهي واضحةٌ في ادّعائنا .
ومثلها ما رويناه قبل قليل أيضاً عن الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن (عبد الله)ابن مسكان(من أصحاب الإجماع) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلَّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ؟ قال : ( عليه أن يبتدي الصلاة )، قال : وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم، قال : ( مضت صلاته ولا شيء عليه ) صحيحة السند، وإنك تعلم إرادة معرفتِه النجاسةَ ضمن الصلاة من الفرع الثاني من الرواية .
ومثلهما أيضاً ما رويناه قبل قليل عن الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء(بن رزين) عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يُصَلّي ؟ قال : ( لا يُؤْذِنُهُ حتى ينصرفَ )[4] صحيحة السند، وإنك تعرف إرادة وجوب الإعادة من قوله(عليه السلام) ( لا يؤذنه حتى ينصرف ) ومعناها : لا يُؤْذِنُهُ حتى ينصرف، وذلك لأنه إن اَعْلَمَهُ أثناءَ الصلاة لوجب عليه قطعها . وبتعبير آخر : لو لم تكن الإعادةُ واجبةً لما كان لقوله هذا أيّ فائدة، ولقال له "لا يعيد رغم علمه بالنجاسة أثناء الصلاة" .
هذا ولكنه روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم أيضاً قال قلت له : الدم يكون في الثوب علَيَّ وأنا في الصلاة ؟ قال : ( إنْ رأيتَه وعليك ثوبٌ غيرُه فاطرَحْه وصَلَّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوبٌ غيرُه فامْضِ في صلاتك ولا إعادةَ عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان أقل من ذلك فليس بشيء، رأيته قبلُ أو لم تَرَهُ، وإذا كنت قد رأيتَه وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاةً كثيرة فاَعِدْ ما صَلَّيْتَ فيه )[5] صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)وذكر الحديث وزاد : ( وليس ذلك بمنزلة المني والبول )، وقد يمكن الأخذُ بصدر هذه الرواية، وذلك بأن نقيّد تلك الروايات الثلاثة السابقة بهذه الرواية، وقد اشتهر هذا التقييد عن علمائنا وأفتوا به، وهو أمر ينسجم جداً مع الحكم بصحّة صلاة مَن صلّى في ثوبٍ نجسٍ جاهلاً بنجاسته حتى فرغ من الصلاة ثم علم بنجاسته .



[1] وسائل الشيعة، العاملی، ج 2، ص 1062، أبواب النجاسات، باب 41، ح 3، ط الاسلامية.
ملاحظة : قوله في الكافي المطبوع (عن منصور الصيقل ..) إشتباه، والصحيح ميمون كما في التهذيبين ونسخ الكافي وئل، بل لا يوجد في الرواة شخص إسمه منصور الصيقل . .
[2] رواها في المستمسك هكذا "رُوِيَ في المني أنه إن كان الرجل حين قام فنظر وطلب ولم يجد شيئاً فلا شيء عليه، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد الصلاة" وهما بنفس المعنى تماماً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo