< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/28

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فَصْلٌ في [ الصلاة في النجس ]
إذا صلَّى في النجس فإن كان عن علم وعمد بطلت صلاته، وأمّا إن كان عن جهل بالنجاسة جهلاً حكميّاً بأن لم يعلم أن حكم الموضوع الكلّي للشيء الفلاني نجس شرعاً، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة فصَلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه. وأمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقَى البولَ مثلاً، فإنْ لم يلتفت أصلاً أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاتُه ولا يجب عليه القضاء ولا الإعادة في الوقت
ومن الروايات الدالّة على عدم وجوب الإعادة ولا القضاء ... ذكرنا سبعة روايات في الدروس السابقة ..
الرواية الثامنة ـ وفي يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ذكر المنيّ وشدده وجعله أشد من البول، ثم قال : (إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تُصِبْهُ ثم صليتَ فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول )[1] صحيحة السند .
الرواية التاسعة ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن علي بن مهزيار عن صفوان(بن يحيى) عن العِيص بن القاسم(ثقة عين له كتاب) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن رجل صلّى في ثوب رجل أياماً، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصَلّي فيه ؟! قال : ( لا يعيد شيئاً من صلاته ) صحيحة السند، ورواها الكليني عن الحسين بن محمد(بن عامر) عن (عمّه)عبد الله بن عامر(بن عمران ثقة وجه) عن علي بن مهزيار، وهي أيضاً صحيحة السند .

أمّا عدم وجوب القضاء فقد ادّعي الإجماع عليه، وأمّا عدم وجوب الإعادة في الوقت فقد قال السيد محسن الحكيم في مستمسكه : "على المشهور للنصوص الكثيرة .. ثم قال ـ تعليقاً على قول السيد اليزدي "وإن كانت الإعادةُ في الوقتِ أحوط" ـ "لذهاب جماعةٍ كثيرة إليه، كالشيخ في مياه النهاية وابن زهرة في الغنية والمحقّق في النافع والعلاّمة في القواعد وغيرهم في غيرها على ما حكيَ"(إنتهى) ومثلهم في المبسوط للشيخ .
وقد يستدلّ على وجوب الإعادة في الوقت بالروايتين التاليتين :
1 ـ ما رواه في التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن وهب بن عبد ربه(ثقة له أصل) عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك، قال : ( يعيد إذا لم يكن علم ) صحيحة السند . ووهب لم يسأل الإمام عليه السلام إنما نقل الرواية نقلاً، فهل نقلها عن أبي بصير ؟ لا ندري، يحتمل ذلك جداً بقرينة الروايات المستفيضة .
2 ـ وأيضاً روى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص(أبو علي الجريري ثقة واقفيّ له كتب) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سألته عن رجل صلَّى وفي ثوبه بول أو جنابة ؟ فقال : ( علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم )[2] موثّقة السند .
هذا ولكن روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن (عبد الله)ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلَّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ؟ قال : ( عليه أن يبتدي الصلاة )، قال : وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم ؟ قال : ( مضت صلاته ولا شيء عليه ) فهل في الرواية الاُولى سقْطٌ أو تحريفٌ ؟ يُحتمَلُ ذلك جداً، ولو بقرينة الروايات المستفيضة .
على أيّ حال، لأجل هتين الروايتين حملوا تلك الأخبار المستفيضة على نفي القضاء ! وبأنّ الجمع اَولى من الطرح !
أقول : مَن يقرأ الروايات التسعة السالفة الذكر يعرف صراحتها في عدم الإعادة أيضاً، فلا بدّ من حمل هتين الروايتين على استحباب الإعادة ـ لا على وجوب الإعادة ـ هذا إن لم يكن فيهما خطأ في الكتابة أو في الفهم من الراوي .
على أنّ تخطئة كلّ تلك الروايات المشهورة أمْرٌ لا يقبله فقيه فقد اُمرنا في هكذا حالة الروايات المشهورة التي تورث الإطمئنان بالصدور والصحّة، فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما .. إلى أن قال : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرَين في حقهما واختلف فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : ( الحكمُ ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر ) قال فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه ؟ قال فقال : ( يُنظَرُ إلى ما كان مِن روايتهما عنّا في ذلك الذي حَكَما به المجمعِ عليه عند أصحابك فيُؤخَذُ به مِن حُكْمِنا ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الأمورُ ثلاثةٌ : أمْرٌ بيِّنٌ رُشْدُهُ فيُتَّبَعُ، وأمْرٌ بيِّنٌ غَيُّهُ فيُجتنَبُ، وأمْرٌ مشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "حلالٌ بيِّنٌ، وحرامٌ بيِّنٌ، وشبُهاتٌ بين ذلك، فمَن ترَكَ الشبهاتِ نجا من المحرَّمات، ومَن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يَعلم .. )[3] وهي مقبولة السند، وهذا أمْرٌ لا يَخفى على فقيه .
إضافةً إلى عدم تقبّل الروايات السابقة لمعنى "لا يجب القضاء وتجب الإعادة" لاحظ الروايات، فلا بدّ من الذهاب إلى ما ذهب إليه المشهور .
أقول : (1) إنّ استفاضة تلك الروايات التسعة السالفة الذكر مع جودة سندها يستوجب التصرف في هتين الروايتين بالحمل على استحباب الإعادة، وهذا جمع عرفي لا بأس به .
(2) مضافاً إلى إباء تلك النصوص المستفيضة ـ التي تفيد نفي الإعادة والقضاء ـ عن التفصيل ـ وذلك بوجوب الإعادة في الوقت وعدم القضاء بعد فوات الوقت ـ !! فإنها مطلقة بوضوح . وبتعبير آخر : لا يمكن عرفاً الجمع بين الطائفة المستفيضة والطائفة الشاذّة بهكذا جمع تبرّعي الذي هو وجوب الإعادة ضمن الوقت لا خارجه، إذ أنه لا دليل عليه ولا إشارة، بل هو مخالف لكلتا الطائفتين .
(3) على أنّ الأئمّة (عليهم السلام)في مقام البيان والعمل، ولم يظهر منهم أيّ إشارة إلى التفصيل المذكور .
(4) ولذلك أعرض الأصحاب عن الروايتين المعارِضتين الشاذّتين .
(5) إضافةً إلى تأييد ذلك ـ أي عدم وجوب الإعادة ولا القضاء ـ بحديث "لا تُعاد" بناءً على أنّ المراد من (الطهور) في الحديث هو الطهارة المعنوية، فعَلَى هذا لا تُعاد الصلاةُ فيما لو صلّى الشخص بنجاسةٍ جاهلاً بها حتى فرغ من الصلاة .
(6) إضافةً إلى تعليل عدم وجوب إعادة الصلاة في صحيحة زرارة السابقة بالإستصحاب ـ لا بفوات وقت الفريضة ـ وهو دليل على عدم وجوب الإعادة في الوقت أيضاً، ولو كان التفصيل بين وجوب الإعادة وعدم وجوب القضاء هو الصحيح واقعاً لاستدلّ الإمام على عدم وجوب القضاء بخروج وقت الفريضة .
وعليه فالعمل باطلاق تلك الروايات المستفيضة والتي تفيد نفي الإعادة متعين .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo