< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فَصْلٌ في [ الصلاة في النجس ]
إذا صلَّى في النجس فإن كان عن علم وعمد بطلت صلاته(239)، وكذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم بأن لم يعلم أن حكم الموضوع الكلّي للشيء الفلاني نجس شرعاً، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة.

بإجماع العلماء ـ إلاّ فيما استثني كما في الصلاة بالدم الأقلّ من الدرهم، وكما في الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة ـ وذلك لكثرة الروايات في ذلك، ويكفي أن نتبرّك بذكر بعضها[1]:
ـ فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ؟ قال : ( إن كان قد عَلِمَ أنه أصاب ثوبَه جنابةٌ أو دَمٌ قبل أن يصلِّيَ ثم صلَّى فيه ولم يَغْسِلْه فعليه أن يعيد ما صَلَّى، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة ) صحيحة السند، وينصرف الذهن من السؤال والجواب إلى حالة ما لو نسي فصلّى في النجاسة، وذلك لبُعْدِ أن يتعمّد الصلاة بالنجاسة، وإلاّ لما صلّى أصلاً ...
اشتهرت الفتوى بذلك، وذلك لأكثر من سبب، منها ادّعاء إطلاق الروايات، وشمولها للعالم بالنجاسة موضوعاً وحكماً، أو عالماً بالنجاسة موضوعاً لا حكماً، وقال العلامةُ بأن (الجاهل بالحكم عامد، لأنّ العلم ليس شرطاً للتكليف) ..
بيان ذلك : إنه مع إطلاق الروايات تفهم أنّ الجاهل بالحكم يجب عليه الإعادة، حتى ولو كان جهله عن قصور، وذلك لعدم الدليل على إجزاء هذا العمل الناقص عن الكامل، والأصلُ عدمُ الإجزاء .
على أنه لا شكّ في أنّ المظنون هو كون المطلوب في الصلاة متعدّداً، أي أنّ المطلوب اثنان : (الصلاة عن طهارة) و(كونها في الوقت)، فإن فات الوقت، بقي المطلوب الأوّل وهو الإتيان بالصلاة عن طهارة ..
وأيضاً لا شكّ في أن الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني .
وكذلك مقتضى إطلاق الشرطية هو الشرطية بنحو الإطلاق، أي حتى في حال الجهل الحكمي بالنجاسة .
هذا ولكن لنا أن نقول : إنّ كلامكم هذا قد يصحّ ـ بالنظرة البدْوية ـ إذا تغيّر رأي المجتهد ضمن وقت الصلاة، وذلك لعدم حصول الإمتثال التامّ، المقتضي لبقاء المكلف في العُهْدة، أو قل الأصلُ عدمُ الإجزاء، أمّا إن خرج وقت الفريضة فما هو الدليل على وجوب القضاء ؟ وأنت تعلم أنّ وجوب القضاء قد يكون بأمر جديد، وأيضاً أنت تعلم أنّ الأصلَ عدم وجوب القضاء إلاّ بدليل، ولا دليل على وجود هذا الأمر الجديد . نعم، المظنون أن وجوب القضاء هو وليدُ فوتِ الفريضة في وقتها، ولكن الظنّ ليس دليلاً شرعياً .
ثم اعلمْ أنّ الروايات ناظرةٌ إلى الجهل الموضوعي، وليست ناظرةً إلى الجهل الحكمي، والأصلُ ـ في حال الجهل الحكمي ـ عدمُ تقيّد الصلاة بالطهارة، إضافةً إلى حديث ( لا تعاد )[2] وذلك لأنّ المظنون قوياً أنّ المراد من قوله (عليه السلام) ( الطهور ) في الحديث هو الطهور المعنوي ـ أي من الحَدَث ـ أي الوضوء وأخويه، وخاصّةً وأنّ الجهل بوجود نجاسة في البدن أو الثياب لا يوجب بطلان الصلاة ..
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم يُعلم المرادُ من (الطهور) في حديث ( لا تُعاد )، فقد يكون المراد منه الطهور المادّي ـ أي في مقابل الخَبَث ـ أيضاً، وذلك بقرينة ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهم السلام)قال : ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار، بذلك جرتِ السُنّةُ من رسول الله (ص) ، وأما البول فإنه لا بد من غسله )[3] . نعم لا إشكال في أنّ المظنون قوياً أنّ المراد من (الطهور) في حديث "لا تعاد" هو الطهور المعنوي، ولو بقرينة أنّ ما ذُكِرَ في الحديث هو أركان أجزاء الصلاة وشرائطها، فهو شرط واقعي، وليس الطهور المادّي من تلك الأركان شرعاً، وذلك أمر واضح، ولذلك هو شرط علمي ـ لا شرط واقعي ـ وذلك لصحّة صلاة مَن صلّى بنجاسة جاهلاً بها، ولصحّة صلاة من صلّى بنجاسة اضطراراً، ولو مع عدم وجود ماء، ولا تصحّ الصلاة من دون وضوء أو غسل أو تيمّم بحال من الأحوال، إلاّ في حالات قد لا تحصل مع أحد من العالمين كحال الغرق مثلاً .
نرجع إلى السؤال فنقول : مَن صلّى مدّةً من الزمن بعطر مخلوط بالكحول مثلاً، بانياً على طهارته لاجتهاد أو تقليد، ثم اقتنع بنجاسته، أو تغيّر رأي المرجع وبالتالي تغيّرت وظيفة المقلّد، هل يعيدان صلاتهما أم لا ؟
الجواب : أفتى أكثر علمائنا المتأخّرين في حواشيهم على العروة الوثقى بوجوب إعادة الصلاة، وأفتى المحقّق الميرزا حسين النائيني(وفاته 1355 هـ) والميرزا السيد عبد الهادي الشيرازي(وفاته 1382 هـ) والسيد الخوئي(1413 هـ) بعدم وجوب الإعادة إذا كان معذوراً لإجتهاد أو تقليد .
أقول : لنا أن نذهب إلى ما ذهب إليه العلماء الثلاثة المذكورون، وذلك بأن نقول : بأنّا لا نعلم بتقيّد الصلاة ـ في حال الجهل الحُكْمي بنجاسة القذارة التي صلّى فيها مدّةً من الزمن ـ بالطهارة، خاصّةً إن كان جهلُه عن قصور ـ لا عن تقصير ـ وبالأخصّ إن كان عن اجتهاد أو تقليد، وخاصّةً مع الظنّ بكون الأمر بالقضاء هو بأمر جديد، ونحن لا ندري ـ بعد فوات وقت الفريضة ـ بطروء أمر جديد بالقضاء، مع تأييد ذلك بقبح تكليف الجاهل القاصر .. فلنا أن نبني على صحّة صلاته على هذا الأساس .
وبتعبير آخر، مع الشكّ في كون الشرط الفلاني شرطاً مطلقاً ـ أي حتى في حال الجهل كالطهارة المعنوية ـ أو أنه شرط علمي، فهل نرجع إلى عموم شرطية الطهارة الماديّة في الصلاة ؟ أم ندّعي عدم وجود عموم أعلائي يقتضي الشرطية المطلقة للطهارة الماديّة، فنقول بأنّ القدر المتيقّن أنه شرط في حال العلم، ولم تثبت الشرطية في حال الجهل ؟
الجواب : لا شكّ في وجود عموم أعلائي، وهو كما في صحيحة زرارة السابقة ( لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار .. ) ولكن لا شكّ أنها ليست في مقام البيان من جميع الجهات، وإنما هي في مقام بيان أصل شرطية الصلاة بالطهور، أي هي في مقام بيان الحكم الأوّلي، فيصعب التمسّك بهذا العموم الأعلائي، ولم يثبت لزوم التمسّك بهكذا عموم أعلائي، فيجب الرجوع إلى البراءة عن تقيّد الصلاة بعدم النجاسة في حال الجهل الحكمي .
وكلامُنا هذا يشمل ما لو عَلِم بالحكم ضمن الوقت أو خارجه، ويشمل ما لو كان يجهل أصل شرطية الصلاة بالطهارة الماديّة .



[2] رواها الشيخ الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهم السلام)أنه قال : ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود )، ثم قال : ( القراءة سُنّة والتشهد سنة، ولا تنقض السُنّةُ الفريضةَ ) صحيحة السند (وسائل الشيعة – الحر العاملي – ط ال البيت : ج 4 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 14 ص 683. ) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo