< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل يجوز التسبيب في أكل الطعام المتنجّس ؟

مسألة 32: كما يحرم الأكل والشرب للشيء النجس كذلك يحرم التسبيب لأكل الغير له أو شربِه إن كان خطيراً أو مبغوضاً في نفسه، كالتسبيب لشرب الغيرِ الشرابَ النجسَ المضرّ، فإنّ التسبيب لشربه مبغوض في نفسه، وكالتسبيب لأكْلِ لحمِ الخنزير، فإنّ ذلك كالتسبيب لشرب السمّ تماماً، وعليه فلو رأى مسلماً محترمَ النفس يشرب أو يأكل شيئاً مضرّاً فإنه يجب عليه تنبيهُه وإعلامُه، وكذا يجب التنبيهُ في كلّ أمر خطير، كما في موارد النفوس والأعراض والأموال .
وأمّا فيما لا يضرّ ولا يفوّت شيئاً من أغراض الشارع المقدّس فلا يجب التنبيه، وعليه فلك أن تقدّم طعاماً متنجّساً لشخصٍ يجهل بنجاسة الطعام، ولكن بشرط أن تكون النجاسة قليلة جداً وأن لا يحتمل تضرّره بأكله، وذلك لعدم كونه إعانةً على الإثم، وللبراءة من وجوب الإعلام، فآكل الطعام المتنجّس لا يرتكب الحرام إن كان يجهل بالنجاسة، وإن كان ذلك لا يَحْسُنُ قطعاً .
وأمّا إن رأيتَ شخصاً يصلّي في ثوب نجس، فلا يجب عليك تنبيهه قطعاً، وذلك لأنّ طهارة البدن والثوب شرط علمي، لا شرط واقعي، بمعنى أنك إن لم تَعْلَمْ بنجاسة الثوب مثلاً وصلّيتَ فيه ثم علمتَ فإنّ صلاتك تقع صحيحة، وكذا لو أعرتَ شخصاً ثوباً نجساً ليصلّي فيه فلا يجب عليك إخباره بنجاسته، وذلك لما قلناه من كون طهارة الثوب شرطاً عِلْمياً لا واقعياً، بعد عدم وجود دليل على وجوب إخباره بالنجاسة.

لا شكّ في كمال صلاة مَن يُصَلّي في ثوب متنجّس، جاهلاً بنجاسته، وعليه فلا ينبغي الشكّ في جواز التسبيب إلى الصلاة بالثوب المتنجّس .
هذا، ولكن في مسألة التسبيب لأكل الطعام النجس الغير مُضِرّ، هل المسألة هكذا أيضاً ؟ أي هل يؤثّر أكْلُ الطعامِ المتنجّسِ في بدن الآكل أم لا ؟ لا أدري، خاصةً إذا كانت النجاسة قليلة جداً، ولذلك يصحّ ما ذُكِر في المتن .
وقد تسأل : إنّ الضيف قد لا يأذن للمضيف أن يُطعمه طعاماً متنجّساً حتى بأدنى مراتب النجاسة، فتقديمُه له الطعامَ المتنجّسَ خروجٌ عن الشرط الضمني الموجود عند عامّة المتديّنين، فما هو الوجه والدليل لجواز إطعامه الطعامَ المتنجّسَ مع عدم رضا الضيف بذلك ؟!
والجواب متوقّف على معرفة هل يوجد حقٌّ للضَيف ـ يوم القيامة ـ أن لا يسامح مُضِيفَه في تقديمه له طعاماً متنجّساً ؟ الجواب : غير معلوم أنّ له حقّاً عليه، بعد عدم كونه مضرّاً أصلاً، وعدم كون ذلك محرّماً عليه حرمة منجّزة، وذلك لجهالته بالنجاسة حتى ولو قلتَ : (بل القذارة فِعْلِيّةٌ والنجاسةُ فعلية وإن لم تكن منجّزة عليه، لكنْ ملاكُ الحرمةِ موجودٌ وهي المفسدة والمبغوضية، وبالتالي هو إعانة على الإثم والحرام الفعلي) .
فإننا نقول : هذا الكلامُ لا ينفعنا ولا يضرّنا بعد عدم وضوح وجود مفسدة على بدن الضيف، ولا على دِينه، وبعد عدم كون تقديم هذا الطعام المتنجّس إعانةً على الإثم والحرام، وذلك لجهله بالحرمة، ولا يجب نهيه عنه من باب وجوب النهي عن المنكر، وذلك لفرْضِ أنه جاهل، وليس الإعلامُ واجباً من باب لزوم تعليم الجاهل ليحكم العقل بلزومه، وذلك لأنّ الفرْضَ أنّ الآكِلَ يعرفُ بالحكم، وإنما يجهل بالموضوع، والإعلامُ بهكذا موضوعات غيرُ واضحِ الوجوب .. ولا شكّ في صحّة الرجوع إلى أصالة البراءة وقاعدتها في هكذا حالات ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo