< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بقية أحكام المساجد

مسألة 12 : إذا توقَّفَ التطهيرُ على بذْلِ مالٍ فإن كان للمسجد مالٌ وكان تكليف التطهير قليلاً عرفاً فلا بأس بالبذْل من مال المسجد لأنه من مصالحه، وإلاّ فمع صدور النجاسة من شخص معيّن متعمّداً التنجيس وكان تكليف التطهير باهظاً وجب على المسبّب للنجاسة بذل المال للتطهير دون غيره، ومع عدم بذله يُبذَلُ حينئذٍ من مال المسجد لأنه من مصالحه، وأمّا مع عدم صدور النجاسة من شخص معيّن ـ كما لو طفحت النجاسة على الأرض ـ وجب على القادرين جميعاً بنحو الكفاية.

قلنا سابقاً بوجوب التطهير، فإذن تجب مقدّماته، فح إن توقَّفَ التطهيرُ على بذْلِ مالٍ قليل عرفاً وكان للمسجد مالٌ فلا بأس بالبذل من مال المسجد، لأنّ البذل ح للتطهير من مصالح المسجد، إلاّ إذا تعمّد شخص بتنجيس المسجد وكانت كلفة التطهير كثيرة أي معتدّاً بها عرفاً، فإنّ بذل المال يقع على المتعمّد لا على مال المسجد .
ثم إن لم تكن النجاسة من شخص بعينه ـ كما لو طفح مكان النجاسة ـ وجب على القادرين جميعاً بنحو الكفاية، ولو بالجمع من الكلّ، ولهم أجر وثواب . ولا أظنّ أنه سيأتي يوم يقع فيه المسلمون في قلّة دِين تصل إلى حدّ عدم تقديم بعض مالهم في سبيل تطهير بيت الله مع قدرتهم على ذلك، أو يقولون سنقع في الضرر أو الحرج ! فننفي ذلك بقاعدة نفي الضرر والحرج !
وأمّا لو صدرت النجاسةُ من شخص معيّن فكما قلنا لا شكّ في ضمانِ المسبّب للنجاسة وحْدَه للمال الذي يجب بذْلُه للتطهير، وأنت تعلم أنّ مقدّمة الواجب واجبة، بل هذا أمر عقليّ واضح، هذا أوّلاً، وثانياً يجب البذل عليه وحده تشبيهاً له بكلّ حالات الضمان، أو قُلْ لوَحدة المناط في جميع حالات الضمان، والمسجد بيت الله عزّ وجلّ، وهو صاحبه، وإن كانت المنفعة للمسلمين جميعاً، يقول الله تعالى[ وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ][1]، ويقول عزّ وجلّ[ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][2] .
مع استبعاد أن يكون البذل واجباً على الجميع مع عدم تسبيبهم لذلك، يقول الله تعالى[ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى][3]، ولك أن تتمسّك بالبراءة في حقّهم أيضاً، خاصّةً إذا كان التنجيس عمْدِياً .
واستشكل السيد الخوئي في التنقيح والسيد السبزواري في كتابه المهذّب بأنه لم يتحقّق إتلاف شيء من المسجد بسبب الشخص المنجِّس، فلِمَ يضمنُ ؟! ويقول السيد الخوئي ـ بتعبيرنا ـ : (لو فرضنا أنّه نجّس مال غيره واحتاج تطهيره إلى بذل الاُجرة، فالظاهر عدم ضمانه للاُجرة، وذلك لعدم الدليل عليه، وذلك لدخول ذلك في إتلاف الصفات الكمالية . نعم لو فعل فعلاً في العين أنزل بسببه من قيمة العين لكان ضامناً، ولكن فيما نحن فيه لم يتلف شيئاً من العين، حتى يضمن، وإنما أتلف شيئاً من كمالاته، ولا دليل على ضمانه)[4] (إنتهى بتصرّف للتوضيح) .
قلتُ :هذا الكلام غير صحيح، فإنّ الضمان أمر عرفي محض، يُرجَعُ فيه إلى العقلاء، دليلُنا وجوب العدل، وهذا من مصاديقه الواضحة، يقول الله تعالى[إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ..][5]، فلو نجّست ثياب غيرك يجب عليك تطهيره، ولو فتح شخصٌ باب قفص فطار الطائر كان فاتحُ القفص ضامناً، ولو فتح السدّ فغرقت القريةُ لكان ضامناً ما أتلف من أعيان وكمالاتها، ولو أحرق مكاناً وبسبب الريح اُحرِقَتْ مزرعةُ غيرِه كان ضامناً، وهكذا، والخلاصة : كلّ ما استند إليه من إتلاف للأعيان أو لكمالاتها كان لها ضامناً لكونه السبب لذلك، وفي مسألتنا : لولاه لما كان هناك داع لشراء الماء لتطهير المسجد، لاحِظِ الروايات التالية فإنها تضمّن المسبّب للتلف حتى لو كان الإتلاف عبر شهادة زور :
1 ـ روى في الكافي عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهد الزور ما توبته ؟ قال : (يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا وآخر معه ) [6]صحيحة السند، ورواها الشيخ الصدوق في عقاب الأعمال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن صفوان مثله إلا أنه قال : ( إن كان شهد هو وآخر معه أدّى النصفَ ) .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهد الزور قال : ( إن كان الشيء قائماً بعينه رُدَّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل )[7] صحيحة السند . ورواها الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج مثله .
3 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شهادة الزور : ( إن كان قائماً، وإلا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل ) صحيحة السند، ورواه في يب بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله إلا أنه قال ( إذا كان الشيء قائماً بعينه رد على صاحبه ) .
صحيح أنّ هذه الروايات ناظرة إلى إتلاف العين بسبب شهادة الزور، ولكنها تشهد للزوم العدل كيفما كان التسبيب، حتى في إتلاف الكمالات، فإنّ إتلاف الكمالات إتلافٌ عرفي وعقلي واضح .

مسألة 13 : إذا تغيَّرَ عنوانُ المسجد بأنْ غُصِبَ وجُعِلَ داراً أو صار خراباً بحيث لا يمكن تعميرُه ولا الصلاةُ فيه، وقلنا بجواز جعله مكاناً للزرع، ففي جواز تنجيسه وعدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال، والأظهر عدم جواز الأول بل وجوب الثاني أيضاً.
إذا تغيَّرَ عنوانُ المسجد بأنْ غُصِبَ وجُعِلَ داراً أو صار خراباً بحيث لا يمكن تعميرُه ولا الصلاةُ فيه، فإن ذهب عنوان المسجد بالكليّة، كما لو تحوّل المسجد إلى طريق عامّ تسلكه كلّ السيارات، فلا شكّ في انعدام أحكام المسجدية عنه، وح يجوز جعله مكاناً للزراعة وغيرها . والدليل على ذلك أنّ أحكام المسجدية تترتّب على ما كان مسجداً فعلاً، وإلى هذا نظر الآيات والروايات السابقة، وأمّا ما كان مسجداً والتغى هذا العنوان لغصب غاصب مثلاً فلم يَعُدْ مسجداً وإنما حوّله الغاصبُ إلى حانوت مثلاً أو مقهى فلا دليل على بقاء أحكام المسجد عليه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo