< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بعض أحكام المسجد

مسألة 8 : إذا تنجس حصيرُ المسجد أو سجّادُه وجب تطهيرُه لأنه من المسجد، أو لوحدة المناط بينه وبين نفس المسجد، أمّا لو كانت بعض الآلات المتنجّسة غير دخيلة عرفاً في عنوان المسجديّة ولم تكن نجاستها في معرض السريان، ولا تضرّ نجاستُها المسجدَ بحال ولا تورث الهتك له، فإنّ إبقاءها على النجاسة جائز بلا شكّ، كما لو فرضنا أن باطن الخزانة كانت متنجّسة، ولم تكن النجاسة في معرض السريان .

سبق وقلنا قبل قليل أنّ أعظم أمكنة الدنيا شرفاً وأقدس ما فيها هي مساجد الله، وهي أماكن عبادة الله تعالي .. ولا يُحتمَل جوازُ تنجيس المساجد أو حُصُرِه وسجّاده أو جواز إبقائها على النجاسة، وذلك لوحدة المناط بين المسجد والحصير عقلاً أو عرفاً، ولشدّة قبح ذلك وشدّةِ قبْحِ ما قد يترتّب على ذلك من مفاسد عظيمة من سريان النجاسة إلى أماكن اُخرى في المسجد وقد تسري إلى بعض المصلّين أيضاً، حتى تخرج عن أهليّة أن تكون مكاناً للصلاة والعبادة، بل قد تصل إلى حال ينفر منها الناس ـ فضلاً عن المؤمنين ـ لشدّة نجاستها، وبأدنى تأمّل يحكم العقلُ الصافي بوجوب المحافظة على طهارة سجّاد بيوت الله قطعاً .
وذكرنا أيضاً قول الله تعالى[وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][1] وهي واضحة فيما نريد، بعد عدم وجود فرق في أصل المسجدية بين المسجد الحرام وسائر بيوت الله ومراكز عبادته وحصير المساجد وسَجّادها، ويقول تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ..][2] وذلك بتقريب أنّ الآية الكريمة تدلّ ـ بعد وضوح عدم الفرق بين المسجد الحرام وسائر مساجد الله تبارك وتعالى إلاّ بالأشرفية ـ على لزوم المحافظة على الطهارة المعنوية للمساجد وهذا يشمل سجّاده أيضاً، وأيضاً لاحِظْ صحيحةَ أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال ـ بعد حديث طويل ـ : ( .. فأوحى الله تعالى إلى نبيه أنْ طَهِّرْ مسجدَك .. )[3] وما رواه أصحابنا في كتب الإستدلال عن النبيّ (ص) أنه قال : ( جَنِّبُوا مساجِدَكُم النجاسةَ )[4] أي بما فيها من نجاسات على الفَرْش ـ أي السجّاد والحُصُر ـ والكتب وغيرها، وكلّها واضحة في وحدة المناط عقلاً أو عرفاً بين المسجد وحصيره وسجّاده، لا بل لك أن تقول بأنّ السجّاد ـ بنظر العرف ـ من المساجد موضوعاً أيضاً، وذلك لأنّه إنما يصلّي عليه، فهو جزؤه قطعاً، بل أهمّ أجزائه وإن كان منقولاً، ولذلك ترى الكثير تبنَّوا وجوبَ تطهيرِ آلات المساجد، بل لم يُنقَل فيه خلافٌ، بل عن مجمع البرهان والمدارك ما يُشعِرُ بالإتفاق على ذلك .
وأمّا فرضيةُ قطْعِهِ اليوم فلا أظنّ أنه يوجد لها مثالاً، وذلك لسهولة إخراجه وتطهيره، فلا يجوز ح قطْعُه، خاصّةً إذا كان من السجّاد الغالي الثمن . ولو فُرِضَ أهميّةُ قطْعِهِ على إخراجه لتطهيره ـ ولو من باب الفرض النادر الحصول ـ وتعيّن ذلك لجاز، ويمكن تصوير ذلك بأن كان السجّاد أو الحصير الموضوع تحت السجّاد مهترئاً إلى حدّ لو اُخرج من المسجد لتطهيره لتساقط من شدّة اهترائه، وكانت النجاسة قليلة جداً كمقدار الحمّصة، فح قد يجب قطع مقدار النجاسة منه حفاظاً على الباقي .
نعم، لا شكّ في جواز إدخال بعض الاُمور المتنجّسة، كأنْ يَدخلَ الشخصُ إلى المسجد وعليه عباءةٌ متنجّسة، فيصلّي عليها، طبعاً إن لم تَسْرِ النجاسةُ إلى المصلّي ولا إلى المسجد .

مسألة 9 : إذا توقف تطهيرُ المسجد على تخريبه أجمع ـ كما إذا كان الجص أو الإسمنت الذي عُمِّرَ به نجساً ـ، فإن وُجِدَ مُتَبَرِّعٌ بالتعمير بعد الخراب جاز الهدمُ بل يجب، وإلا فمشكل.

ذكرنا فيما سبق أننا يجب أن ننظر دائماً إلى مصلحة المسجد، فالمسألة مسألة تزاحم فقط مهما كثرت الأمثلة، فمثلاً بالنسبة إلى ما نحن فيه : بما أنّ هدمه لازم جداً ليمكن فيه الصلاة وللزوم إزالة مسبّبات النجاسة وسريانها ـ وإلا لانعدمت فائدته ـ وجب هدمه مع وجود متبرّعين، وأمّا لو فرضنا عدمَ وجود متبرّعين وأنّ المسجد سيلغى من الوجود إلى الأبد ولو في الأمد المنظور ففي جواز هدمه نظر، يجب في ذلك مراجعة الفقيه .

مسألة 10 : لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خراباً، حتى وإن لم يُصَلِّ فيه أحدٌ، ويجب تطهيره إذا تنجس.

لا شكّ في بقاء المسجد مسجداً حتى وإن خرب، وذلك لبقاء أرضه، فلا يجوز تنجيسه حتماً، بل يجب تطهيره، ومع الوسوسة عليك أن تستصحب كونه مسجداً، نعم إلاّ إذا خرج عن عنوان المسجدية بالكليّة بأن صار حانوتاً مثلاً أو حمّاماً عمومياً أو متنزّهاً، فيأتي فيه الكلام في مسألة 13 .

مسألة 11 : إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة فلا مانع من ذلك إن أمكن إزالة النجاسة بعد ذلك، كما إذا أراد تطهير المسجدِ بِصَبِّ الماءِ واستلزم ذلك تنجيسَ بعضِ الأماكن الاُخرى ثم يَتِمّ تطهيرُها.

لا شك في جواز ما ذُكِرَ، وذلك أوّلاً لأهميّة التطهير بهذا الشكل على بقاء النجاسة إلى الأبد، وثانياً لأنّ مسألة التطهير مسألة عرفية، فيرجع فيها إلى العرف والسيرة، وهذا المقدار هو ـ في الحقيقة ـ مقدّمةٌ للتطهير، ويمكن الرجوع في مواضع الشكّ إلى أصالة البراءة .

مسألة 12 : إذا توقَّفَ التطهيرُ على بذْلِ مالٍ فإن كان للمسجد مالٌ وكان تكليف التطهير قليلاً عرفاً فلا بأس بالبذْل من مال المسجد لأنه من مصالحه، وإلاّ فمع صدور النجاسة من شخص معيّن متعمّداً التنجيس وكان تكليف التطهير باهظاً وجب على المسبّب للنجاسة بذل المال للتطهير دون غيره، ومع عدم بذله يُبذَلُ حينئذٍ من مال المسجد لأنه من مصالحه، وأمّا مع عدم صدور النجاسة من شخص معيّن ـ كما لو طفحت النجاسة على الأرض ـ وجب على القادرين جميعاً بنحو الكفاية.

قلنا سابقاً بوجوب التطهير، فإذن تجب مقدّماته، فح إن توقَّفَ التطهيرُ على بذْلِ مالٍ قليل عرفاً وكان للمسجد مالٌ فلا بأس بالبذل من مال المسجد، لأنّ البذل ح للتطهير من مصالح المسجد، إلاّ إذا تعمّد شخص بتنجيس المسجد وكانت كلفة التطهير كثيرة أي معتدّاً بها عرفاً، فإنّ بذل المال يقع على المتعمّد لا على مال المسجد .
ثم إن لم تكن النجاسة من شخص بعينه ـ كما لو طفح مكان النجاسة ـ وجب على القادرين جميعاً بنحو الكفاية، ولو بالجمع من الكلّ، ولهم أجر وثواب . ولا أظنّ أنه سيأتي يوم يقع فيه المسلمون في قلّة دِين تصل إلى حدّ عدم تقديم بعض مالهم في سبيل تطهير بيت الله مع قدرتهم على ذلك، أو يقولون سنقع في الضرر أو الحرج ! فننفي ذلك بقاعدة نفي الضرر والحرج !
وأمّا لو صدرت النجاسةُ من شخص معيّن فكما قلنا لا شكّ في ضمانِ المسبّب للنجاسة وحْدَه للمال الذي يجب بذْلُه للتطهير، وأنت تعلم أنّ مقدّمة الواجب واجبة، بل هذا أمر عقليّ واضح، هذا أوّلاً، وثانياً يجب البذل عليه وحده تشبيهاً له بكلّ حالات الضمان، أو قُلْ لوَحدة المناط في جميع حالات الضمان، والمسجد بيت الله عزّ وجلّ، وهو صاحبه، وإن كانت المنفعة للمسلمين جميعاً، يقول الله تعالى[ وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ][5]، ويقول عزّ وجلّ[ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][6] .
مع استبعاد أن يكون البذل واجباً على الجميع مع عدم تسبيبهم لذلك، يقول الله تعالى[ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى][7]، ولك أن تتمسّك بالبراءة في حقّهم أيضاً، خاصّةً إذا كان التنجيس عمْدِياً .
واستشكل السيد الخوئي في التنقيح والسيد السبزواري في كتابه المهذّب بأنه لم يتحقّق إتلاف شيء من المسجد بسبب الشخص المنجِّس، فلِمَ يضمنُ ؟! ويقول السيد الخوئي ـ بتعبيرنا ـ : ( لو فرضنا أنّه نجّس مال غيره واحتاج تطهيره إلى بذل الاُجرة، فالظاهر عدم ضمانه للاُجرة، وذلك لعدم الدليل عليه، وذلك لدخول ذلك في إتلاف الصفات الكمالية . نعم لو فعل فعلاً في العين أنزل بسببه من قيمة العين لكان ضامناً، ولكن فيما نحن فيه لم يتلف شيئاً من العين، حتى يضمن، وإنما أتلف شيئاً من كمالاته، ولا دليل على ضمانه) (إنتهى بتصرّف للتوضيح) .
قلتُ : هذا الكلام غير صحيح، فإنّ الضمان أمر عرفي محض، يُرجَعُ فيه إلى العقلاء ...........

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo