< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة 2 : تجب إزالة النجاسة عن المساجدداخلها وسقفها والطرف الداخل من جدرانها، ووجوب الإزالة فوري، فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي، ويحرم تنجيسها أيضاً، بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها وإن لم تكن منجسة إذا كانت موجبة لهتك حرمتها، وأما إدخال المتنجس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك .

سبق وقلنا قبل قليل إنّ وجوب إزالة النجاسة عن المساجد فوري وذلك كتاباً وسُنّةً وعقلاً، وقد اشتهر ذلك عند العلماء أيضاً، وهم على حقّ في ذلك قطعاً . ثم إنه لا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفورية العرفيّة، فلا يجب الركض لأجل ذلك، وإنما تكفي الفورية العرفية فقط، وبشكل طبيعي، بمعنى أنه لو كان إنسان مزحوماً وبحاجة إلى أن يدخل إلى الخلاء فلا بأس بذلك، على أن لا يصل إلى حدّ التباطؤ بتطهير بيت الله، كي لا ينافي احترام بيت الله وتعظيمه . المهم هو ليس بمثابة إنقاذ الغريق الشديد الفورية، خوفاً من الغرق والموت، ويكفي دليلاً على كفاية الفورية العرفيةِ عدمُ الدليل على أكثر من ذلك، وللأصل .
(202) عرفت ممّا سبق حرمةَ تنجيس المسجد، بل يحرم هتكه بالإجماع ولو بغير التنجيس، فلو اَوجبَ إدخالُ النجاسة إليه هتْكَه لحَرُمَ ذلك، بمعنى أنه ليس مطلقُ إدخالِ النجاسة إلى المسجدِ حراماً ولو كنقطة دم على الجرح، وإنما الحرام إذا كان ذلك يوجبُ هتك المسجد فقط، ويكفينا في ذلك الإستدلال بالأصل .
وأما إدخال المتنجس فلا بأس به حتماً ما لم يستلزم الهتك وذلك لعدم الدليل على ذلك مطلقاً وللأصل والظاهر أنه المشهور أيضاً، وعليه السيرة القطعية من المتشرّعة فيمن كان متنجّساً، أو بل حتى ولو كان الشخصُ مجروحاً .

مسألة 3 : وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كـفائي، ولا اختصاص له بمن نَجَّسَها أو صار سَبَباً، فيجب على كل أحد.

لا شكّ في لزوم تطهير المسجد كما ذكرنا، ولا دليل أصلاً على لزوم ذلك على خصوص مَن نجّسه أو كان سبباً في ذلك، أيضاً لعدم الدليل على ذلك، نعم لا شكّ في أنه الاَولى بذلك هو وخادم المسجد، لكن لو فُرِضَ أنه لم يطهّر فلا يسقط الوجوب عن جميع القادرين على ذلك لما عرفتَ من أدلّة، ولك أن تتمسّك بالإطلاق أيضاً .

مسألة 4 : إذا رأى نجاسةً في المسجد وقد دخل وقتُ الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدِّماً لها على الصلاة مع سعة وقتها، ومع الضيق قَدَّمَ الصلاةَ . ولو ترك الإزالة مع سعة وقتِ الصلاة واشتغل بالصلاة عصى لِتَرْكِ الإزالةِ، ويستحقّ العقاب، لكن تكون الصلاةُ صحيحة، وإذا اشتغل غيرُه بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة.

ذكرنا دليل ذلك قبل قليل، وهذا أمر يظهر أنّ عليه الإجماع، ويكفي الإستدلال عليه بأنه مع المزاحمة بين المهمّ ـ وهو الواجب الموسّع ـ والأهمّ ـ وهو الواجب المضيّق ـ يجب تقديم الأهمّ عقلاً، وبتعبير اُصولي : مع المزاحمة بين الواجب التعييني بلحاظ الزمان ـ وهو هنا الإزالة الفورية ـ والواجب التخييري بلحاظ الزمان ـ وهو هنا الصلاة المخيّرة بين الزمان الفعلي والزمان الآتي ـ يقدّم الواجب التعييني الفوري، وبتعبيرٍ آخر : دائماً يقدّم الملاكُ الذي فيه اقتضاء ـ وهو وجوب الإزالة الذي فيه اقتضاء الفورية ـ على الملاك الذي لا إقتضاء فيه ـ وهو وجوب الصلاة الذي لا يقتضي السرعة ـ .
وعليه فمع ضيق وقت الصلاة لا شكّ في أنّ الأهمّ هو تقديم الصلاة، مع المحافظة على عدم سريان النجاسة إلى أماكن اُخرى، ثم يطهرون المكان فوراً .
لكن لو فرضنا أنه مع سعة وقت الصلاة قام فصلّى ـ مع العلم بأنّ واجبَه كان التطهيرَ أوّلاً ـ فلا شكّ في صحّة صلاته ح ـ رغم وقوعه في المعصية ـ وذلك بطريقَين :
1 ً ـ طريق التمسّك بإطلاق الأمر بالصلاة، وذلك بالتقريب التالي :
لا شكّ أن الأمر بشيء ـ كالإزالة ـ لا يقتضي النهيَ عن ضدّه الخاص ـ كالصلاة ـ لا نهياً ذاتياً ـ كالنهي عن الظلم ـ ولا نهياً غَيريّاً ـ كالنهي عن البيع عند النداء لصلاة الجمعة ـ، بل لا يقتضي مبغوضيّتَها ذاتاً، فلا يقتضي فسادها أصلاً، بل لا وجه لذلك عقلاً، فلو فرضنا أنّ تارك الإزالة لا يريد الإزالةَ أصلاً، فهل ترى يقول له المولى تعالى " إذَنْ لا تُصَلِّ، فقد سقطت عنك الصلاة بتركك للإزالة" ؟! لا، وألْفُ لا، فإنّ الأمر بالصلاة يبقى قائماً بشكل فعلي، وذلك بدليل إطلاق الأمر بالصلاة، فإنّ الأمر بالصلاة غير مقيدّ بعدم وجود الأهمّ أصلاً، المهمّ هو أنّ الصلاة ليست مانعةً عن الإزالة بوجهٍ كي يُبغضها اللهُ تعالى، أي أنّ الصلاةَ ليست دخيلةً في علّة عدم الإزالة، وإنما المقتضي للإزالة ـ وهو إرادة الصلاة ـ غير موجود، فعدمُ العلّةِ مستندٌ إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع، فهو لا يريد الإزالةَ من الأصل، لا بل مع تصميمه على ترك الإزالة لا يبعد أن يصير هذا الأمر الفعلي بالصلاة منجّزاً عليه أيضاً، وذلك لعدم المانع عن التنجيز ح، فيَعْمَلُ المقتضي عَمَلَهُ . المهم هو أنه يكفينا التمسّك بإطلاق الأمْرِ بالصلاة ـ أي قوله تعالى[أَقِيمُوا الصلاةَ] ـ المطلق حتى لحال ترك الأهمّ .
فإن قلتَ : مهما قلتَ وقلتَ، فإنّ الصلاة مع سعة وقتها مع ترك الأهمّ ـ كالإزالة والإنقاذ ـ تكون مبعّدةً عن المولى، ويصعبُ التقرّبُ بعبادةٍ يكون المولى يريد غيرها الآن، فالصلاة ح ستكون تمرّداً عليه، وح كيف يصحّ عقلاً أن يأتيَ الشخصُ بالصلاة وهو يرى الغريقَ يَغْرَقُ، والنجاسةَ في بيت الله باقيةً وهو ينظرُ إليها ؟! أليس الوجوب الفعلي للإنقاذ أو للإزالة يدفعان الأمر بالصلاة ويطردانها ؟! وإنما يقول له الإنقاذُ "اُصْرُفْ جُهْدَكَ الآن للإنقاذ لا للصلاة" .
قلتُ : ما ذُكِرَ غيرُ صحيح، فإنّنا ذكرنا قبل قليل أنّ الأمر الغَيري ـ بالإزالة مثلاً ـ لا يقتضي النهيَ عن ضدّه الخاصّ ـ كالصلاة ـ ولا يقتضي مبغوضيّته، بل العكس هو الصحيح، فإنّ الإنسان إذا كان مصمّماً على ترك الإزالة المحرّم، فإنّ العقل يحكمُ برجوع التنجيز إلى الوجوب الفعلي للصلاة، لعدم المانع ح من تنجيز وجوب الصلاة عليه، كي لا يقع الإنسانُ في معصيتين وقبيحين . وبتعبيرٍ آخر : إنما لا يتنجز الوجوب الفعلي لأحد مانِعَين معروفَين وهما : عدم العِلْم، وعدمُ القدرة العقلية أو الشرعية، ومن مصاديق عدم القدرة الشرعية وجودُ مزاحمٍ أهمّ أو مساوي ـ فوجود المزاحم الأهمّ أو المساوي يشكّل معجّزاً عن فعل الضدّ المهمّ ـ فمع العلم بالوجوب الفعلي للصلاة ومع عدم وجود مانع عملي فعلي من الصلاة يجب أن يتنجّز الوجوب الفعلي للصلاة، وبالتالي لو ترك الإزالةَ والصلاة أيضاً فإنه يستحقّ عقابَين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo