< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: وجوب إزالة النجاسة عن المساجد

مسألة 2 : تجب إزالة النجاسة عن المساجدداخلها وسقفها والطرف الداخل من جدرانها، ووجوب الإزالة فوري، فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي، ويحرم تنجيسها أيضاً، بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها وإن لم تكن منجسة إذا كانت موجبة لهتك حرمتها، وأما إدخال المتنجس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك .

لا شكّ في أنّ أعظم أمكنة الدنيا شرفاً وأقدس ما فيها هي مساجد الله، وهي أماكن عبادة الله تعالى، وإنّ الكثير من المؤمنين يحافظون على طهارة بيوتهم، فالاَولى جداً أن يحافظوا على طهارة بيوت الله، بل لا يُحتمَل جوازُ تنجيس المساجد أو جواز إبقائها على النجاسة، وذلك لشدّة قبح ذلك وشدّةِ قبْحِ ما قد يترتّب على ذلك من مفاسد عظيمة من سريان النجاسة إلى أماكن اُخرى في المسجد وقد تسري إلى بعض المصلّين أيضاً، حتى تخرج عن أهليّة أن تكون مكاناً للصلاة والعبادة، بل قد تصل إلى حال ينفر منها الناس لنجاستها، وبأدنى تأمّل يحكم العقلُ الصافي بوجوب المحافظة على طهارة بيوت الله قطعاً .
يقول الله تعالى[وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][1] وهي واضحة فيما نريد، بعد عدم وجود فرق في أصل المسجدية بين المسجد الحرام وسائر بيوت الله ومراكز عبادته، ويقول تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ..][2] وذلك بتقريب أنّ الآية الكريمة تدلّ ـ بعد وضوح عدم الفرق بين المسجد الحرام وسائر مساجد الله تبارك وتعالى إلاّ بالأشرفية ـ على لزوم المحافظة على طهارة المساجد، ويقول جلّ وعلا[ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا، وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ][3]، فلو كان المسجدُ متنجّساً فكيف يحافِظ فيه المصلّون على طهارتهم ؟! أو هل يصحّ أن يطهّروا أنفسَهم وبيتُ اللهِ متنجّس ؟! وقال[يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ][4] وذلك بتقريب أنّ ذلك يشير إلى عظمة مساجد الله وقداستها وذلك لا يناسب أن يكون المسجد متنجّساً، لأنّ جواز ذلك لن يقف عند حدّ، وذلك ينافي تلك القداسة العظيمة والشرافة .
وهاك بعض الروايات في ذلك :
1 ـ فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب السراد عن مالك بن عطية(ثقة له كتاب) عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال ـ بعد حديث طويل ـ : ( .. فأوحى الله تعالى إلى نبيه أنْ طَهِّرْ مسجدَك .. ولا يَمُرَّنَّ فيه جنُبٌ )[5] صحيحة السند .
2 ـ وروى جماعة من أصحابنا في كتب الإستدلال عن النبيّ (ص) أنه قال : ( جَنِّبُوا مساجِدَكُم النجاسةَ )[6] رغم أنّ الرواية لا يُعرَفُ سندُها، ولكن نحن لا نشكّ في صحّة متنها .
وهناك بعض الروايات تلاحظ فيها شدّةَ وجودِ ارتكاز في لزوم فوريّة التطهير،
3 ـ فقد روى عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)قال : سألته عن الدابّة تبول فيصيب بولُها المسجدَ أو حائطَه، أيصلَّى فيه قبل أن يُغسَل ؟ قال : ( إذا جَفّ فلا بأس )[7]، ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله . فـ عليّ بن جعفر ـ ذاك الفقيه الكبير وبطانة أخيه، خاصةً في الفقه ـ لشدّة ارتكاز الوجوب الفوري لتطهير المساجد عنده، سأل أخاه (عليه السلام) عن الوجوب الفوري لتنظيف المسجد من القذارات العرفية أيضاً، كبَول الدابّة المعلوم الطهارة، وكأنه يقول لأخيهt "نَعْلَمُ أنّ تطهير المسجد قبل الصلاة واجب، ولكن حتى تنظيف المسجد من بول الدوابّ الطاهر، أيضاً واجب قبل الصلاة ؟" .
4 ـ وأيضاً روى في التهذيبين بإسناده عن سعد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه سُئِلَ : أيَصلُحُ مكانُ حَشّ[8] أن يُتَّخَذَ مسجداً ؟ فقال : ( إذا اُلْقِيَ عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطعُ رِيحَه فلا بأس، وذلك لأنّ التراب يطَهِّرُهُ، وبه مضت السُنَّة )[9]، ورواه الحِمْيَري في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم مثله . وقد استفاضت الروايات في هذا المعنى . وقد أثبتنا وثاقةَ مسعدة لرواية الصدوق عنه في فقيهه مباشرةً، وقد شهد أنه قد أخذ رواياتِه عن المصنّفات والأصول التي عليها المعوّل وإليها المرجع، ممّا يعني وثاقةَ أصحابها على الأقلّ، وهذه طريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال، فالسند موثّق عندي وعند جملة من الأعلام كالشيخ الأنصاري وصاحب الحدائق وغيرهما، وتقريب الإستدلال واضح وهو وضوح ارتكاز أن يكون المسجد طاهراً .
على أيّ حال، إن ناقشتَ في بعض ما ذكرنا ـ وقد ذكرنا ما يؤنس معه الدليل تبرّكاً بذكرها ـ فلا يمكن أن يناقَش في أصل مسلّمية لزوم تطهير المسجد فوراً، ولعلّه لمجموع ما سمعتَ إنعقد الإجماعُ على لزوم المحافظة على طهارة المساجد .
وذلك لصدق المسجد على كلّ ذلك . نعم الطرف الخارجي والسطح ليس مسجداً قطعاً، وليس هو محلّ عبادة، فيجوز تنجيسهما قطعاً، خاصّةً وأنهم في بلادنا يجعلون الطابق الأوّل من العمارة مسجداً ويسكنون في الطوابق العليا، إلاّ إذا اَوجب ذلك هتكاً للمسجد، لكن هذا شيء آخر وعنوان آخر مستقلّ في التحريم غير ما نحن فيه من أصالة لزوم فورية تطهير المسجد مطلقاً حتى ولو لم يوجب الهتكَ . على أيّ حال، حينما يوقفون المكان الداخلي ـ بما فيه من حيطان وسقف أيضاً ـ مسجداً للصلاة فإنما يوقفون داخله للصلاة، ولا ينظرون إلى حائطه الخارجي، فإن توسوستَ فلك أن تتمسّك بالأصل بعد عدم الدليل على حرمة ذلك .



[8] الحَشّ هو مجتمع العذرة، والحُشُوش هي مواضع الغائط . راجع روايات الباب في ذلك ولسان العرب أيضاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo