< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فصلٌ في شروط صحة الصلاة

يشترط في صحة الصلاة ـ واجبةً كانت أو مندوبة أو قضاءًـ إزالةُ النجاسة عن البدن ـ حتى الظفر والشعرـ واللباس، ساتراً كان أو غير ساتر عدا ما سيجيء من مثل الجورب ونحوِهِ مما لا تَتِمُّ فيه الصلاةُ. وكذا يشترط في توابع الصلاة من صلاة الإحتياط وقضاء التشهد والسجدة المنسيين، وكذا في سجدتي السهو على الأحوط وجوباً، ولا يشترط فيما يتقدمها من الأذان والإقامة والأدعية التي قبل تكبيرة الإحرام، ولا فيما يتأخرها من التعقيب . ويُلحق باللباس على الأحوط اللحافُ الذي يَتغطَّى به المصلي مضطجعاً إيماءً، إذا كان متستراً به بحيث صدق عليه أنه لباسه، وأمّا إن لم يصدق عليه أنه لباسه ـ بأن كان موضوعاً عليه فقط وكان ساترُه غيرَه ـ فالأقوى عدمُ اشتراط طهارته. ويُشترَطُ في صحة الصلاة إزالةُ النجاسةِ أيضاً عن موضع السجود دون المواضع الأخر، فلا بأس بنجاستها إلا إذا كانت مسرية إلى بدنه أو لباسه .

لتواتر الروايات في ذلك[1] من قبيل ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الإستنجاء ثلاثةُ أحجار، بذلك جرتِ السُنّةُ من رسول الله (ص) ، وأما البول فإنه لابد من غسله )[2]، وما رواه الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود )[3] صحيحة السند، وما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه، يُصَلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال (عليه السلام): ( نعم يَنفُضُه ويُصَلّي، فلا بأس )، وما رواه في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شيءٌ من منيّ، فعَلَّمْتُ أثَرَهُ إلى أن اُصيبَ له الماءَ، فأصبتُ وحضرتِ الصلاةُ، ونسيتُ أنّ بثوبي شيئاً، وصلّيتُ، ثم إنّي ذكرتُ بعد ذلك ؟ قال : ( تعيد الصلاة وتغسله )[4] ورواها الصدوق في العلل عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)مثله، صحيحة السند، وهي تدلّ بوضوح على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب، وكذا الروايات الأخيرة التي ذكرناها قبل قليل، فإنه لا معنى لوجوب تطهيرها ـ كالبدن والثوب ـ إلاّ اشتراط ذلك في الصلاة[5].
لإطلاق الروايات في ذلك للظفر والشعر واللباس، على أنّ الظفر والشعر من توابع بدن الإنسان .
وذلك لورود كلّ الروايات في لزوم طهارة اللباس، ولم تقيّده بالساتر، فح يجب التمسّك بإطلاق الروايات للساتر وغير الساتر، ولذلك أجمع العلماء على ذلك .
سيأتينا الكلام في ذلك .
حينما تكون الطهارةُ في الصلاة فهذا يعني شرطيةَ الطهارةِ لأجزائها أيضاً، وصلاةُ الإحتياط وقضاء التشهد والسجدة المنسيَّين من أجزاء الصلاة بوضوح، إلاّ أنّ زمانَها متأخّر فقط، ويجب أن يتّحد القضاء مع المقضيّ عنه في جميع الخصوصيّات جزءً وشرطاً ومانعاً .
وكذا في سجدتَي السهو على الأحوط وجوباً، وذلك لأنها جابرةٌ للنقص الذي حصل في الصلاة، ولأنّ لها بعضَ هيأة الصلاة، خاصّةً وأنهما تكونان قبل الكلام، ممّا قد يعني لزوم بقاء جميع شرائط الصلاة فيهما، فقد روى في التهذيبين بإسناده عن سعد(بن عبد الله) عن موسى بن الحسن(بن عامر الأشعري القمّي ثقة عين جليل القدر صنّف ثلاثين كتاباً) عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن فضال(جليل القدر عظيم المنزلة زاهد ورع ثقة كان فطحيّاً حتى حضره الموت فمات وقد قال بالحقّ) عن عبد الله بن ميمون القداح(ثقة له كتب) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال : ( سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام )[6] صحيحة السند .
هذا، ولكنْ فيما ذكرناه نظر، وذلك لأنّ سجدتَي السهو ليستا من أجزاء الصلاة ـ كما كان الحال في التشهّد والسجدة المنسيّين مثلاً ـ وليستا إلاّ "إرغاماً للشيطان"، ولذلك المشهور جداً أنّ الإنسان إذا نسيهما وتذكّر بعد حين فإنّ عليه أن يقضيهما، بل حتى إذا تركهما عمداً لا يجب عليه إعادة الصلاة، وهذا يعني أنهما ليستا من أجزائها، وإنما هما واجبتان وجوباً نفسياً ـ بدليل الإطلاق أو قُلْ : الأصلُ عدمُ الإرتباط والترابط بينهما وبين الصلاة ـ حتى ولو كان محلّهما بعد الصلاة، لاحِظْ ما رواه في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسَى أن يسجد سجدتي السهو ؟ قال : ( يسجد متى ذكر ـ ئل ) وفي نسخة يب ( يسجدهما متى ذَكَرَ ) ـ إلى أن قال : ـ وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتى يصلي الفجر كيف يصنع ؟ قال : ( لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها )[7] موثّقة السند، وهذا يدلّ على عدم كون سجدتي السهو من أجزاء الصلاة بحال، وإنما هما فقط إرغام للشيطان .
أقول : بعد هذا الأخذ والردّ لا يطمئنّ الفقيهُ لإجراء أصالة البراءة وقاعدتها من لزوم اشتراط الطهارة في سجدتَي السهو، خاصّةً وأنّ المنصرَف إليه من الخطابات الآمرة بسجدتَي السهو هو لزوم كونها عن طهارة، لاحِظْ مثلاً ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن عمار قال : سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام، قال : ( يسجد سجدتين بعد التسليم، وهما المُرْغِمَتان، تُرْغِمانِ الشيطانَ )[8]، وما رواه في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع قال : ( يقوم فيركع ويسجد سجدتَي السهو )[9] ومثلُهما غيرُها . أقول : ماذا كان يفهم الناس من كلام المعصومين (عليهم السلام) حينما كانوا يأمرونهم بسجدتَي السهو مع أنها في محلّ ابتلائهم ؟ هل كانوا يفهمون منها مجرّد السجدتين حتى ولو كان الإنسانُ محدثاً ؟ وهل هذا إرغام للشيطان ؟ أستبعد ذلك جداً، فإنّ الإرغام التامّ للشيطان يكون بكون الإنسان عنده سجوده للسهو على طهارة، حتى ولو اعتبرتَ سجدتَي السهو من الذنوب المكفّرة . فإنّ الظاهر جداً أنّ المولى تعالى إنما شرّع سجدتَي السهو لجبر ما حصل من منقصة في الصلاة، فينبغي أن تكون سجدتا السهو ممّا لها الأهلية في جبر ما حصل .



[1] راجع وسائل الشيعة الحر العاملي،ج2، من باب 18 إلى 22 و 30 و 31، ومن 40 إلى 47 و 61 من أبواب النجاسات، ويوجد كثير من الأبواب الأخرى، وفي أبواب لباس المصلّي ومكانه ...
[5] راجع من الروايات الأخيرة رواية علي بن جعفر وصحيحة العيص وصحيحة حكم بن حكيم وروايةَ سماعة ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo