< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بقية أحكام التنجيس
مسألة 5 : إذا وُضِعَ إبريقٌ مملوءٌ ماءً على الأرض النجسة، وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء، فإن كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء، وإن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس، وهكذا الكوز والكأس والحب ونحوها.
وهذه الأحكام أيضاً لما عرفته مراراً من عدم معلومية سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى، لكن إن وَقَفَ الماءُ تحت الإبريق ـ والمفروضُ أنّ بأسفله ثقباً ـ فقد اتّحد ما في أسفل الإبريق مع ما في أعلاه بالوجدان، فيجب البناءُ على نجاسة ما في الإبريق أيضاً .

مسألة 6 : إذا خرج من أنفه نخاعةٌ غليظة وكان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر أجزائها، فإذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله، وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق.

هذه المسألة من فروع المسائل السابقة، وهي تعتمد على أصالة عدم سريان النجاسة من جزء إلى آخر في كلّ مائعٍ فيه نحوُ جمود، ولك أن تستصحب طهارة سائر الأجزاء الاُخرى المشكوكِ وصولُ النجاسةِ إليها .

مسألة 7 : الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضه، ولا يجب غسله، ولا يضر احتمال بقاء شيء منه بعد العلم بزوال القدر المتيقن .
وذلك لما ذكره في المتن من الإكتفاء بزوال القدر المتيقّن من التراب النجس، والباقي لا علم بنجاسته، فيُبنَى على طهارته للإستصحاب أو لأصالة الطهارة أو لقاعدتها، وأيضاً لما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه، يُصَلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال (عليه السلام): ( نعم يَنفُضُه ويُصَلّي، فلا بأس )[1] .
لكن اُفرضْ أنّ كلّ التراب الذي كان على الثوب نجس، فلمّا نفضناه بقي بعض غبار التراب النجس على الثوب، ممّا يعني أنّ بعض النجاسة بقيت على الثوب، فما الموقف الشرعي ؟ الجواب : لا شكّ في لزوم غسل الثوب، ولا وجه للقول بالبناء على طهارة آثار التراب، خاصةً إذا كانت رائحةُ بقية الغبار الموجود على الثوب نتنةً قذرة .
ولكن إذا احتمل أن يكون الباقي طاهراً وأنّ القدر المتيقّن من النجس قد خرج بالنفض ففي هكذا حالة يجب البناء ـ كما قلنا قبل قليل ـ على الطهارة .

مسألة 8 : لا يكفي مجرد الميعان في انتقال النجاسة، بل يعتبر أن يكون مما يقبل التأثّر بالنجاسة أي يقبلها، وبعبارة اُخرى يُعتبر سريان النجاسة من المتنجّس إلى الطرف الملاقي، فالزئبق المائع إذا وضع في ظرف نجس جافّ فإنه لا ينجس، وكذا إذا اُذِيبَ الذهبُ أو غيرُه من الفِلِزّات في بُوْطَةٍ[2] نجسةٍ أو صب بعد الذوبان في ظرف نجس فإنه لا ينجس إلا مع رطوبة الظرف أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج .

ذكرنا قبل قليل أنه يشترط سريان النجاسة إلى الطرف الآخر، والزئبقُ ونحوُه لا تقبل سراية النجاسة إليها إن وضعتها في ظرف نجس جاف، أي لا تنتقل النجاسة إليها، فيجب البناءُ ح على طهارة الزئبق، أو قُلْ نستصحبُ طهارتَه . نعم، إن كان الظرفُ رطباً تنجّس ظاهرُهُ بلا شكّ، لأنّ الزئبق ككلّ الجمادات تنتقل إلى ظاهره النجاساتُ، والدليل العقل فقط، ولذلك إن شممتَ رائحةَ الزئبق الذي وضعوه في الإناء النجس المرطوب فإنك ـ لا محالةَ ـ ستشمّ رائحةَ النجاسة، وكذلك سائر المعادن الذائبة التي هي جمادات مائعة، فإنك إن وضعتها في إناءٍ جافّ نجس فإنّ النجاسة لا تنتقل من الإناء إلى الذهب الذائب مثلاً . والخلاصة هي أنّ ميعان المعادن أمرٌ مغاير للرطوبة المسرية .
ومع الشكّ في سراية النجاسة، لك أن تستصحبَ طهارة الذهب المذاب .
نعم إن كان الإناءُ متنجساً وكان فيه رطوبة مسرية ووضعتَ الذهب المذاب فيه فإن رائحته ستكون نفس رائحة النجاسة، وهذا أمارةُ انتقالِ النجاسة إلى الذهب المذاب، وهذا هو المناط في النجاسة، وهذه كلّها اُمور عقلية واضحة .

مسألة 9 : لو وقع في إناءِ ماءٍ نُقطةُ دم، ثم وقع فيه نقطةٌ ثانية ثم ثالثة فلا شكّ في تزايد النجاسة وفي شدّتها ـ عقلاً ـ كلّما زادت كميّة الدم، لكن مع ذلك يبقى الحكم في كيفية التطهير واحداً وهو التطهير مرّة واحدة كما لو وقع فيه نقطة دم واحدة . ولكن إذا وقعت فيه نجاسة اُخرى مغايرة حكماً للنجاسة الاُولى فإنه بلا شكّ تدخل النجاسةُ الأخفّ في النجاسة الأشدّ في كيفية التطهير، فلو وَلَغَ كلبٌ في إناء ماء متنجّس بالبول فلا شكّ في لزوم تعفيره بالطين أوّلاً ثم بالماء مرّتين فيكون قد طهر منهما معاً.

لا شكّ أنّ النجاسات كلّما زادت كمّاً أو نوعاً كلّما اشتدّت وهذا أمر عقلي واضح، ولكن مع ذلك تتداخل أحكامُها، فلو وقع في إناءِ ماءٍ مثلاً نقطةُ دمٍ ثم وقع فيه نقطة دم أخرى ثم وقع فيه دم مرّة ثالثة ثم عشرين مرّة بعد ذلك، لوجب أن نغسل الإناء وكأنه وقع فيه نقطة دم واحدة فقط رغم شدّة النجاسة كلّما زاد مقدار الدم .
كما لا شكّ مع اختلاف أنواع النجاسات شدّة وضعفاً في دخول النجاسةِ الصغيرة ضِمنَ الكبيرة حكماً، فيأخذ الإناءُ حُكْمَ الأشدّ نجاسة وغلاظة، فلو ولغ كلبٌ في إناء متنجّسٍ بالبول وجب تطهيره بالوحل مرّةً وبالماء مرّتين وبالتالي يكون الإناءُ قد طهر .. وهكذا، والدليل أنّ الغرض قد تحقّق بوضوح في هذا الأمر التوصّلي .. ولك أن تستدلّ على عدم تداخل النجاسات في بعضها وأنّ النجاسة الضعيفة تزيد النجاسة الشديدة غلظةً وقذارةً بأنّ العقلاء يحكمون في حالة وجود إناءين أحدهما متنجّس بالبول والدم مثلاً، والثاني متنجّس بالدم فقط، واُجبِرَ شخصٌ على شرب أحدهما، فإنه يجب عليه ـ بحكم العقل ـ أن يختار الأخفّ نجاسةً وأقلّهما وهو المتنجّس بالدم فقط .
مسألة 10 : إذا تنجس الثوبُ مثلاً بالدم مما يكفي فيه غسلُهُ مرةً واحدة، وشُكَّ في ملاقاته للبول أيضاً مما يحتاج إلى التعدد، فإنه يُكتفَى فيه بالمرة الواحدة، وذلك لعدم علمنا بالنجاسة الأغلظ، فيبنى على عدمها . وأمّا إذا عُلِمَ بنجاسةِ إناءٍ وتُرُدّدَ في طبيعة النجاسة بين الأغلظ والأضعف فإنه يجب تطهيره بحسب الأغلظ، وذلك للشكّ في زوال النجاسة وللزوم استصحاب بقائها.

أو قُلْ : لا يصحّ القولُ هنا بوجوب الأكثر من باب أنّ الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، لأنّ المسألة ليست داخلة في الذمّة، وإنما هي متعلّقةٌ بأمْرٍ خارجي، أي يحصل عندنا شكّ هل طهر المحلّ بعد ثبوت نجاسته أم لا، فيجب ح الإحتياطُ عقلاً، وبتعبيرٍ أدقّ : يُستصحَبُ بقاءُ النجاسة .
فإن قلتَ : إنّنا لم نعلم بطبيعة النجاسة هل هي الأشدّ والأغلظ أم هي الأخفّ والأضعف، والقدر المتيقّن ـ من حيث الحكم، أي من حيث عدد الغسلات ـ هو الأضعف، والأغلظُ مشكوك من الأصل، فإذن يجب أن يُكتفَى بالغَسل طبقاً لأضعف المحتملات، وذلك لأصالة عدم الزائد .
قلتُ : هذا الكلام يجري في الشكّ في أصل مقدار التكليف الداخل في عهدة المكلّف، وهل أنه دخل في عهدته الأقلّ أو الأكثر فهنا لا شكّ في الإكتفاء بالأقلّ، لأنه القدر المتيقّن، والزائدُ مشكوك الدخول في العهدة، والأصلُ عدمُه . وأمّا في المكلّف به المعلومِ الثبوت المتعلّق بشيء خارجي ـ لا بالعهدة ـ والمتردّدِ بين طبيعتين مختلفتين فالأمرُ مختلف تماماً، لأنه هنا لا يوجد أقلّ وأكثر في العهدة، أي أنه ليس القدر المتيقّن التنجّس بالدم، بل هنا يوجد علم إجمالي بين شيئين متغايرين، فهناك نجاسة في الإناء مثلاً مردّدةٌ بين البول والدم، والفرض أننا قد غسلناه مرّة واحدة فقط، فسيحصل عندنا شكّ ـ لا محالة ـ هل طَهُرَ الإناءُ أم لا، أي هل حقّقنا الغاية والغرض أم لا، فهنا يجب عقلاً أن نغسله طبقاً لأشدّ المحتملات، لنعلم يقيناً بأنه قد طهر، وذلك لأنه يجب استصحابُ بقاء طبيعي النجاسة .



[2] البُوْطَة هي الوعاء الذي يُذِيْبُ فيه الصائغُ ونحوُه المعادنَ لسان العرب/مادّة بوط ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo