< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: خبر ذي اليد المجهول الوثاقة حجةٌ إذا أورث الظنّ فقط

هذا بالنسبة إلى خبر الثقة، أمّا في خبر ذي اليد المجهول الحال، فهل يصدّق في ادّعائه الطهارةَ أو النجاسة أم لا ؟
يجب
أوّلاً أن نقول بأنّ المراد من (ذي اليد) هو المستولي فِعْلاً على العَين ومتصرّفاً فيها كالمالك والوكيل والمستأجِر والأمين والوليّ .

ثانياً : بالنسبة إلى ثبوت النجاسة بقول صاحب اليد بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة، بل أو غصب أيضاً يجب أن نقول بأنّ اعتراف ذي اليد ـ المسلم أو الكافر الذي يعرف باهتمام المسلمين بالطهارة ـ بالنجاسة هو بخلاف مصلحته عادةً ويُطمأنّ غالباً بصدقه عند إخباره بالنجاسة، فيجب على هذا، الإحتياطُ .

ثالثاً : علينا قبل كلّ شيء أن ننظر ما هو الدليل على حجيّة خبر ذي اليد ؟ فإنّا ندّعي بأنه حجّة فيما لو أفاد خصوص الظنّ فقط، أمّا لو ظننا بكذب أو خطأ خبر ذي اليد فإنه لا يكون حجّة، وكذلك لا يكون حجّة فيما لو تساوى احتمالُ صدقه مع احتمال كذبه، إذن لننظر أوّلاً إلى ما وجدناه من روايات في ذلك فنقول :

1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل(بن بزيع) عن يونس بن يعقوب(ثقة) عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبُخْتَجْ ويقول : قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال (عليه السلام): (لا تشربه)، فقلت : فرَجُلٌ من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحله على النصف، يخبرنا أن عنده بُخْتَجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقيَ ثلثُه، نشربُ منه ؟ قال : ( نعم )[1]وهو سند صحيح .
ولا نشكّ في أنّ جواز الأخذ بقول العامّي ـ في السؤال الثاني ـ منشؤه حجيّة خبر ذي اليد وإن كان عامّيّاً، أمّا ذاك الذي نهى الإمامُ (عليه السلام)عن شربه، وبالتالي لم يصدّقه، فالظاهر أنّ شربه له قبل ذهاب الثلثين أمارةُ أنه لا يهتمّ بدين الله، فالمظنون أنه يكذب . إذن لا ينبغي أن نأخذ بقول ذي اليد مطلقاً إلاّ حيث تجري سيرة العقلاء وهي حالة ما لو أفادت الظنّ، لا في حالة الظنّ بالكذب، أقول : هذه الروايةُ مطابقةٌ للمنهج العقلائي تماماً .

2 ـ وفي الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن البختج فقال : ( إن كان حلواً يُخَضِّبُ الإناءَ وقال صاحبُه "قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث" فاشربه )[2] صحيحة السند، وهي أيضاً تفيد جواز الأخذ بقول ذي اليد لكن إذا كان هناك أمارةٌ على صدقه، أي كان يوجد ظنّ بصدقه . أقول : وهذه أيضاً مطابقة للمنهج العقلائي تماماً .
3 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسن بن عطية(ثقة) عن عمر بن (محمد بن) يزيد[3] قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يُهدَى إليه البُخْتَجُ من غير أصحابنا ؟ فقال : (إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه، وإن كان ممن لا يستحل فاشربه )[4] وهي تفيد حجيّة قول ذي اليد إذا كان قولُه يفيدُ الظنَّ لأمارةٍ ما . أقول : وهذه أيضاً مطابقةٌ للمنهج العقلائي .

4 ـ وفي يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن سعد بن إسماعيل(مهمل) عن أبيه إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن(الرضا) (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيَسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟ قال : (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم (المسلمين ـ ظ) يصلّون فيه فلا تسألوا عنه )[5] قد يقال بضعفها لإهمال سعد بن اسماعيل وأبيه، هذا ولكن رواها الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن عيسى عن الرضا (عليهم السلام)مثله، وقد تصحّح بلحاظ أنّ الصدوق روى في الفقيه عن اسماعيل مباشرةً فيكون ثقةً لأنه يكون من أصحاب الكتب التي عليها معوّل الشيعة وإليها مرجعهم، وثانياً قال الشيخ الصدوق في مشيخة فقيهه : (وما كان فيه عن اسماعيل بن عيسى فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه(هو ثقة عندي وعند العلاّمة وابن داوود) قال حدّثنا علي بن ابراهيم عن أبيه عن اسماعيل بن عيسى)(إنتهى كلامه في مشيخة الفقيه) وهو سند مصحّح، وبهذا يوثّق إسماعيل وتوثّق رواياته، وهي تفيد حجيّة قول ذي اليد المشرك بناءً على أنّ المسؤول هم المشركون، وذلك لأنّ الإمام (عليه السلام) قال (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ) أي عليكم أن تسألوا نفسَ المشركين عنه . هذا، ولكن لا يمكن الجزم بأنّ المراد من المسؤول هم المشركون، فلعلّ المراد أن نسأل المسلمين .

نعم، ورد في بعض الروايات بخلاف ذلك،
1 ـ فقد ورد في يب بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار بن موسى(الساباطي) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ فيمن يأتي بالشراب ويقول هو مطبوخ على الثلث، فقال (عليه السلام) : ( إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب )[6] موثّقة السند، ولعلّ الإمام اشترط الإسلامَ والإيمانَ والورع خوفاً من الوقوع في محذور خطير وهو شربُ العصير الحرام، أو قل راعى الإمامُ (عليه السلام) أهميّةَ المحتمل .
2 ـ وأيضاً في يب بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب يزعم أنه على الثلث فيحلّ شربه ؟ قال (عليه السلام):( لا يصَدَّقُ إلا أن يكون مسلماً عارفاً )[7] صحيحة السند، وهي كسابقتها، فإنه يوجد أمارة تفيد كذبه بحيث أنّ الإنسان يظنّ بكذبه .
3 ـ وأيضاً روى في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن الفراء أشتريه من الرجل الذي لَعَلّي لا أثق به، فيبيعني على أنها ذكية أبيعها على ذلك ؟ فقال : ( إن كنت لا تثق به فلا تبعها على أنها ذكية إلا أن تقول : قد قيل لي إنها ذكية)[8] صحيحة السند، وهي تفيد عدم حجيّة خبر ذي اليد بنحو الإجمال .

ورواها في الكافي أيضاً عن علي بن محمد(بن عبد الله بن عمران البرقي القمي ابن بنت أحمد بن محمد بن خالد البرقي) عن عبد الله بن إسحق العلوي عن الحسن بن علي(مردّد في هذا الطريق) عن محمد بن عبد الله بن هلال(مهمل) عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدَّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية ؟ فيقول : بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية ؟ فقال : (لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتُها منه أنها ذكية )، قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : (اِستحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد المَيتة ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله )، وهي أيضاً تفيد عدمَ حجيّة خبر ذي اليد مطلقاً .

إذن كلّ الروايات تفيدنا ما عليه منهج العقلاء تماماً، وهو أنّ خبر ذي اليد حجّة شرعاً إذا كان يفيد الظنّ فقط، حتى ولو لم يكن ذو اليد مسلماً ولا ثقة، وأمّا في حال الظن بالكذب فلا يكون خبر ذي اليد حجّةً .
أمّا لو تساوى احتمالُ الصدق مع احتمال الكذب فلا بدّ ح من الإحتياط قطعاً، وذلك أوّلاً : لعدم وجود دليل من الروايات على حجيّة قوله، وثانياً : لأنّ الأصل يقضي بعدم حجيّة الظنّ فضلاً عن الشكّ، فيجب ح أن نقول بعدم حجيّة قول ذي اليد في حال الشكّ بصدقه .

وتلاحظ من صحيحة معاوية بن عمّار السابقة أنّ الإمام (عليه السلام) أجاز أن نأخذ بقول ذي اليد العامّي الذي لا يستحلّ العصير على النصف، ومثلُها غيرُها، ولكنك تراه (عليه السلام)يشترط في موثّقة عمّار السابقة أن يكون ( مسلماً ورعاً مؤمناً )، ومثلُها صحيحةُ علي بن جعفر، فما هو الموقف ؟ الجواب : لا يمكن لك إلاّ أن تقول بالجمع العرفي بين الروايات وهو يقتضي أن نقول بأفضليّة أن يكون ( مسلماً ورعاً مؤمناً ) وبكراهية أن يكون عامّيّاً ..



[3] وهو معروف بـ عمر بن يزيد، ثقة جليل ممدوح من الإمام الصادق. (عليه السلام) ، كان يحجّ كل سنة، له كتاب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo