< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم


العنوان: طهارة الثعلب وو .. والمسوخات

مسألة 1 : لا شكّ في طهارة الثعلب والأرنب والوزغ والعقرب والفأر ومطلق المسوخات.

قال السيد الحكيم في مستمسكه : (ظاهرُ المحكي عن المقنعة في باب لباس المصلي ومكانه نجاسةُ الثعلب والأرنب، وفي موضع آخر منها : نجاسة الفأرة والوزغة، وكذا عن النهاية والوسيلة في الأربعة كلها، وعن مصباح السيد : النجاسة في الأرنب، وعن الحلبيين ذلك فيه وفي الثعلب، وعن القاضي ذلك فيهما وفي الوزغ، وعن موضع من الفقيه والمقنع ذلك في الفأرة)(إنتهى) .

أقول : قد يستدلّ على نجاسة الثعلب والأرنب وعامّة السباع بمرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللهt : سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً أو ميتاً ؟ قال ( عليه السلام ) : ( لا يَضُرُّه، ولكنْ يَغسل يده ) . أقول : هذه الروايةُ أوّلاً مرسلة السند، ثانياً هي مخالفة للضرورة الفقهية، ولذلك لا أظنّ أنه يوجد فقيه في كلّ الأزمنة التزم بهذه الرواية، خاصّةً إذا كان السبع أو الأرنب حيّاً ـ طبعاً ما عدا الكلب والخنزير ـ .
وأمّا ما ورد في نجاسة الفأرة فقد روى في يب بإسناده الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ( عليه السلام ) قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب، أيُصَلّى فيها ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( إغسل ما رأيت من أثرها، وما لم تَرَهُ انضحْهُ بالماء )[1] صحيحة السند .

أقول : لا بدّ من لزوم الإحتياط في ذلك، لعلمنا بمرور الفأرة دائماً على النجاسات، ولعلمنا بتلوّثها بالنجاسات دائماً .
وفي يب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهم السلام ) قال : سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شَمّاه أيؤكل ؟ قال ( عليه السلام ) : ( يطرح ما شَمّاه ويؤكل ما بقي )[2] [3] صحيحة السند .
وفي يب أيضاً بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سُئِل عن الكلب والفأرة أكلا عن الخبز وشبهه، قال : ( يطرح منه ويؤكل الباقي )، وقد تكون هذه الرواية هي نفس السابقة نقلها عمّار . أقول : وهذا أيضاً لازم شرعاً وعلمياً، خاصةً بالنسبة إلى الكلب، والقذارة فيهما معلومة .
وأمّا نجاسة الوزغ فقد روى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن بن موسى الخشاب جميعاً عن يزيد بن إسحاق(له كتاب، ورووا أنه كان من أدفع الناس لهذا الأمر، ووثّقَهُ العلاّمةُ والشهيد الثاني) عن هارون بن حمزة الغنوي(ثقة عَين له كتاب) عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حياً، هل يُشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه ؟ قال : ( يسكب منه ثلاث مرات، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه ويتوضأ منه، غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه )[4] في صحّة سند هذه الرواية إشكال، وهي تفيد طهارة الفأرة الحيّة والعقرب ونجاسةَ الوزغ .
وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) وفضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار في الفأرة والوزغة تقع في البئر قال ( عليه السلام ) : ( ينزح منها ثلاث دلاء )[5] صحيحة السند، ولكننا نعلم هنا بإرادة استحباب النزح من أدلّة ذكرناها سابقاً، نعم يستحبّ النزحُ لتنظيف البئر من الجراثيم .
وأمّا بالنسبة إلى ما ورد في نجاسة العقرب فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى(ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن جرةٍ وُجِدَ فيه خنفساء قد مات ؟ قال : ( ألْقِهِ وتوضّأ منه، وإن كان عقرباً فاَرِقِ الماءَ وتوضأ من ماءٍ غيرِه )[6] موثّقة السند .
أقول : والصحيح أنه لا شكّ في طهارة المذكورات، وإنّ ما ورد من لزوم إلقاء سؤرها والإجتناب عن أثرها فمحمول على الإرشاد إلى وجود جراثيم مُضِرّة فيها، لا إلى نجاستها، وذلك بدليل :
1 ـ ما رواه في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن الفضل أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن فضل الهِرَّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه، فقال : ( لا بأس به ) حتى انتهيتُ إلى الكلب، فقال : ( رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء )[7] صحيحة السند، وهي تدلّ على طهارة الثعلب وغيره .
2 ـ وأيضاً روى في التهذيبين بإسناده الصحيح عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن العظاية والحية والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : ( لا بأس به )، وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن واُخرِجَتْ قبل أن تموت، أبيعه من مسلم ؟ قال : ( نعم، ويدهن به )[8] صحيحة السند، وهي تدلّ على طهارة الوزغ والفأرة .
على أنه لم تثبت نجاسةُ الثعلب والأرنب شرعاً، وإنّي لم أجد رواية ـ ولو ضعيفة ـ تفيد طهارة أو نجاسة الثعلب أو الأرنب غير مرسلة يونس السابقة وقد أجبنا عنها، وغير رواية محمد بن سنان الآتية بعد بضعة أسطر وستعرف أنها لا تفيدنا النجاسة، نعم لك أن تستفيد طهارتهما من وقوع التزكية عليهما، فإنّ التزكية لا تقع على نجس العين، على أن لك أن تتمسّك بأصالة الطهارة أيضاً .

* أمّا المسوخات فلم أجد روايةً ـ ولو ضعيفة ـ في نجاستها رغم البحث الكثير في كلّ وسائل الشيعة . نعم رَوَى في ئل قال : وفي عيون الأخبار والعِلَل بأسانيد تأتي في آخر الكتاب عن محمد بن سنان عن الرضا ( عليه السلام ) فيما كتب إليه من جواب مسائله في العلل : ( وحَرَّمَ الأرنبَ لأنها بمنزلة السنور، ولها مخاليبُ كمخاليبِ السنور وسباعِ الوحش، فجرت مجراها، مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ )[9] لكن هذا لا يدّل على نجاسة الأرنب .
فمن الغريب بعدَ هذا ادّعاءُ الشيخ الطوسي في الخلاف نجاسةَ مطلق المسوخات، وفي الجواهر (لم نجد له دليلاً على النجاسة) (إنتهى) . وعلى هذا يجب التمسّكُ بأصالة الطهارة وقاعدتِها فيها خاصةً في مثل غير ذي النفس السائلة كالزنابير والعقارب والقمّلة والبعوض والعنكبوت، ومنها الحيوانات البحرية ـ وهي غير ذي نفس سائلة ـ كالمارماهي، وكبعض الطيور المعلومة الطهارة كالطاووس والنعامة، وكبعض الحيوانات البريّة كالفيل والقردة والدبّ .

* نظرةٌ مختصرة في تعداد المسوخات :
وبمناسبة ذِكْرِ المسوخاتِ يَحْسُنُ أن نذكرَها من دون ذِكْرِ رواياتها وأسانيدها لأننا لسنا بصدد الإستدلال، إنما نذكرها بمناسبة حديثنا عن طهارة المسوخات ولما رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (الحسن)ابن محبوب عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : ( وحرم الله ورسوله المسوخ جميعاً )، ورواه الشيخ في يب بإسناده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن سماعة عن الرضا ( عليه السلام ) مثله . إذن سنقتصر على تعدادها فقط كما ورد في الروايات : هي الكلاب والخنازير والفيل والدبّ والفأرة واليربوع (هو الفأرة الكبيرة تكون في الصحراء) والذئب والثعلب والأرنب والوَبْر (دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهي قصير الذنب والأذنين وقيل لا ذنب لها، ولها مثل إلية الخروف، وقيل هي بنات عرس) والضَبّ (دُوَيْبة معروفة من الحيوانات، طول ذنبها حوالي شبر أو أقلّ، تشبه الوَرَل، لكنَّ الوَرَلَ طويلُ الذنب كأنّ ذنبه ذنب حيّة، ورُبّ وَرَلٍ يزيدُ طولُ جسمه على 90 سنتم) والوَرَل (على خِلْقَة الضبّ) والقرد والقنفذ . والطاووس والخفّاش (أي الوطواط) والًعنقاء[10] والدبى والمهرجل (الدبا والمهرجل نوعان من الجراد) . والجرّيّ (نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس ويدعونه في مصر ثعبان الماء وليس له عظم اِلاّ عظم الرأس والسلسلة) والجرّيث[11] وهو المارماهي (هي كلمة فارسية، وبالعربية تسمّى حيّة الماء) والزمّير أو الزمّار (نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره، وأكثر ما يكون في المياه العذبة)، والتمساح والسلاحف والضفادع والسرطان (أي السلطعان باللهجة اللبنانية وهو عقرب الماء، له ثمانية أرجل، وعيناه في كتفه وصدره، يمشي على جانب واحد) والدعموص(هي دويبة تكون في مستنقع الماء وفي الغدران وتغوص فيها) وسهيل والزهرة (سهيل والزهرة دابّتان من دَوابّ البحر وقيل غير ذلك) والعقرب والوزغ والعنكبوت والبعوض والقمّل والزنابير (أي الدبّور باللهجة اللبنانية) .
أقول : رُوِيَ أنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام وأنّ هذه مَثَلٌ لها فنهى اللهُ عزّ وجلّ عن أكلها، وروى المفضل ( وأما لحم الخنزير فإنّ الله تعالى مسخ قوماً في صور شتى شبه الخنزير والقردة والدب وما كان من المسوخ، ثم نهى عن أكله للمِثْلَة، لكي لا ينتفع الناس بها ولا يستخَفّ بعقوبتها ) .



[10] قالوا : العنقاء أعظمُ طائرٍ في العالَم يُشْبِهُ الخفّاشَ، وكِبَرُهُ أشبهُ بالأساطير، وقد انقرض منذ القِدَم، فهو معروف الإسم، مجهولُ الجسم، وسمّيت عنقاء لطُول عُنُقِها ولأنّ في عنقها بياضاً كالطَوق، وفيها من كل لون، وهو طائر غريب كان يَبِيضُ بيضاً كبيراً جداً، وقالوا عنقاء مغرب .، وقيل أيضاً : هو طائر عند مغرب الشمس، وقيل : هو طير الأبابيل، وكانت تعيش في الجبال وتنقض على الطير فتأكلها .
[11] الجرّيث كلمة عربية، ويقولون عنه بالفارسية مارْماهِي، وهو ضرب من السمك يشبه الحيّات، قالوا والظاهر أنّ الجرّي هو الجريث، وفي مكاسب السرائر هما اثنان، وهو موافق لبعض كتب اللغة، وعن ابن عباس وقد سُئِل عن الجريث فقال : هو نوع من السمك .يشبه المارماهي .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo