< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل قطعُ القطّاع حجّةٌ أم لا، والكلام في القرعة

المبحثُ الرابع : من مباحث حجيّة القطع : هل قطعُ القطّاع حجّةٌ أم لا ؟
لا شكّ في كونِ قطْعِ القطّاع حجّةً، لما ذكرناه من كون الحجيّة ذاتية للقطع، لكنه إذا كان يعرف نفسه أنه قطّاعٌ فإنه يجب عليه أن يعالج نفسه من هذا المرض كي لا يقع ـ بتقصيره ـ في مخالفة الواقع، فقد يوجب شيئاً لا يجب في الأصل، وقد لا يوجب شيئاً هو واجب بالأصل، وذلك من تقصيره في التأمّل وطول البال في البحث والتمحيص، بل هذا في الواقع من التجرّي في دين الله، خاصّةً إذا كان مُفتياً للناس، لا بل لا يبعد ـ إن صادف أن وقع في مخالفة الواقع ـ أن يعدّ عاصياً لله تعالى أي من حيث استحقاق نفس مقدار المعصية الواقعية ـ وليس فقط متجرّياً ـ لأنه مقصّر في البحث، بل يمكن الإستدلال على كونه عاصياً من كونه عالماً بمخالفة بعض قطوعاته للأحكام الواقعية، فهو إذن خالفَ الواقعَ بسوء اختياره، ولا تتوقّفُ المعصيةُ على مخالفة الحكم الواقعي المعروف والمشخّص عنده، إنما يكفي ـ في حصول المعصية ـ حصول العلم بالحكم الواقعي ولو ضمن عدّة محتملات ومخالفة مقتضى العلم الإجمالي ومصادفة مخالفة الواقع .
ومن العجيب ادّعاءُ السيد الشهيد الصدر[1] بأنه مع مصادفة مخالفة القطّاع للواقع يستحقّ العقاب بمقدار التجرّي، لا بمقدار المعصية الواقعيه، مع أنه في السابق قال بأنه يستحقّ العقاب بمقدار المعصية الواقعية، إلاّ إذا لم يكن سيدنا الشهيد ملتفتاً للعلم الإجمالي بمخالفة بعض قطوعاته للواقع.

المبحثُ الخامس : الفروع الموهمة للترخيص في مخالفة العلم :
قد يُذكَرُ في المقام فروع يُتخيّل فيها أنّ الشارع المقدّس رخّص في مخالفة العلم فيها وهي :
الفرع الأوّل : ما رواه محمد بن علي بن الحسين في الفقيه بإسناده عن السكوني عن الصادق عن أبيه ( عليهم السلام ) في رجل استَودع رجلاً دينارين واستَودعه آخرُ ديناراً فضاع دينارٌ منها ؟ قال : ( يعطَى صاحبُ الدينارين ديناراً، ويقسَّم الآخرُ بينهما نصفين ) ورواها في المقنع مرسلاً، ورواها الشيخ بإسناده عن السكوني مثله، ورواها في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن ابراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي عن إسماعيل بن أبي زيادالسكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام مثله .
فقد تقول : مقتضى العدل أن نقول : بما أنّه كان لأحدهما ـ فلنسمّه زيداً ـ ديناران، وللآخر دينارٌ واحد ـ ولنسمّه عَمرواً ـ إذن فالمال كأنه ثلاث حصص، وقد سُرِقَ ثُلثُ المالِ إذن بقي الثلثان، فيجب ح أن يعطَى لزيد ـ صاحب الدينارَين ـ ثلثَي حصته فقطـ لا ثلاثة أرباع حصّته كما في الرواية ـ ويُعطى عمرو ـ صاحب الدينار ـ ثلثَي حصته أي ثلثَي دينارـ لا نصف دينار فقط كما في الرواية ـ، أقصد أنّ الرواية أخذت من حقّ صاحب الدينار 12/1 ـ أي واحد على اثني عشر ـ وأعطته لصاحب الدينارين !!
أقول : ولكن الحقّ هو ما أفادته هذه المصحّحة تماماً، بيانُ ذلك : اُفرض أنّ دينارَي زيد أحمران، ودينار عَمرو أصفر، فحينما ضاع أحدُ الدنانير الثلاثة فقد بقي ـ لامحالةَ ـ دينارٌ أحمر، فهو إذن لزيد قطعاً، فيجب أن نعطيه إياه لأنه خارج عن المشكلة تماماً، فبقي أن ضاع أحدُ ذَينك الدينارَين، فيجب ح ـ بمقتضى العدالة ـ أن يقسَّم الضائعُ بينهما بالسويّة طالما أنّ الدينارَين مثليّان .

نعم، لا شكّ في مخالفة الحكم الشرعي للعلم القطعي في الرواية التالية :
ـ فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بنإبراهيم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ان أمير المؤمنين ( عليه السلام) اختصم اليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقام البيّنة اَنّه أنتجها، فقضى بهاللذي هي في يده وقال (لو لم تكن في يده جعلتها بينهمانصفين) وهي تامّة السند، وهي مخالفة للعلم القطعي بملكية الدابّة لأحدهما فقط دون الآخر، فلِمَ لَمْ يحكم الإمام بالقرعة كما في الموثّقة التالية لأنّ سهم الله لا يخطئ ؟!
ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيدعن الحسن عن زرعة عن سماعة قال : إن رجلين اختصما إلى عليّt في دابّة، فزعم كل واحد منهما اَنها أنتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بيّنة سواءً في العدد، فأقرع بينهما سهمين فعلَّمَ السهمين كلَّ واحد منهما بعلامة ثم قال اللهم رب السماوات السبع وربالأرضين السبع ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فأسألك اَن تُخرِجَ سهمَه، فخرج سهم أحدهما فقضى له بها"، ورواها في الفقيه أيضاً قال : وروى عن زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله ( عليه السلام) مثلَه[2]، وهي أيضاً تامّة السند .
فما الحلّ في مثل هكذا تعارض ؟
أقول : يمكن الحلّ بحمل رواية التنصيف بالحمل على ما يفعله العقلاء، من باب [والصُّلْحُ خَيْرٌ ] وحمل رواية القرعة على الحكم بالواقع لا بالظاهر، ولا شكّ في أرجحيّة القرعة من أكثر من جهة، فأدلّتها قرآنية، ورواياتها كثيرة جداً، منها صحيح السند، لكن لحدّ الآن لا شكّ في وجوب الإحتياط بأن يعمل قرعة في مثل هكذا حالة، فالقرعة لكلّ أمر مشكل، أليس الله تعالى يقول[وما كنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُوْنَ أَقْلامَهُمْ أيُّهُمْ يَكْفُلُ مَريمَ ][3] وسهم الله لا يخطئ و (ليس من قوم تنازعوا (تقارعوا ـ فقيه) ثم فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج سهم المحقّ)[4] وقال : ( أيّ قضيّة أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى الله، أليس الله تعالى يقول [فساهَمَ فكان مِنَ المدْحَضِين] )[5].



[1] في الجهة الثالثة : في متعلّق الأقسام عند قوله "وثانياً : ليس الشكّ في حكم ظاهري .. ولذلك ترانا نقول بأنّ موضوع العقاب إنما هو مخالفة الحكم الواقعي، والعقابُ في الآخرة إنما يناسب مخالفة الواقع لا مخالفة الأمارة ".
[3] سورة آل عمران.، آية44

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo