< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/01/17

بسم الله الرحمن الرحیم


مسألة 19 : يحرم بيع المَيتة أو شراؤها إذا كان يُنتفع بها، لعدم كون ذلك من أكل مال الناس بالباطل، كما يجوز الإنتفاع بها في الحلال.[1]

لأصالة الجواز في كلّ ذلك، خاصّةً جلود الميتة التي ذكرَتِ الرواياتُ الصحيحة أنها طاهرة، فقد روى في التهذيب أيضاً باسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي القاسم الصَّيْقَل(مهمل) وولدِه(مهمل) قال : كتبوا إلى الرجل(الهادي)(عليه السلام) : جَعَلنا اللهُ فداك، اِنّا قومٌ نعمل السيوف وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ونحن مضطرون إليها وإنما علاجنا من جلود المَيتة من البغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرُها أفيحِلُّ لنا عملُها وشراؤها وبيعُها ومسُّها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلّي في ثيابنا ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة ـ يا سيدنا ـ لضرورتنا إليها ؟ فكتب(عليه السلام) :(اِجعلْ ثوباً للصلاة) ضعيفة السند، فلاحِظْ أنّ الإمام لم ينبّهه على حرمة بيعها أو شرائها أو الإنتفاع بها وحرمة ثمن الميتة .
ـ ومثلها ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن محمد(بن عامر بن عمران بن أبي بكر الأشعري القمّي وقد نُسِب إلى جدّه فكان معروفاً بـ إبن عامر، ثقة له كتاب) عن مُعَلّى بن محمد(مضطرب الحديث والمذهب) عن محمد بن عبد الله الواسطي(مهمل) عن قاسم الصَّيْقَل[2] (مجهول) قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إنّي أعمل أغمادَ السيوف من جلود الحُمُرِ[3] المَيتة فيصيب ثيابي، اَفاُصلّي فيها ؟ فكتب (عليه السلام) إليّ :(اِتّخِذْ ثوباً لصلاتك)، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : كنتُ كتبتُ إلى أبيك (عليه السلام) بكذا وكذا فصَعُبَ عليّ ذلك فصرت أعملها من جلود الحُمُر الوحشية الذكية، فكتب (عليه السلام) إليّ :(كلُّ أعمال البِرّ بالصبر ـ يرحمك الله ـ، فإنْ كان ما (ممّا ـ يب) تَعملُ وحشياً ذكِيّاً فلا بأس)مصحّحة بناءً على صحّة روايات الكافي، وهنا أيضاً لم ينبّهه الإمام (عليه السلام) على حرمة بيعها أو شرائها أو الإنتفاع بها .
وروى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا وما أحسبه إلا عن حفص بن البختري قال : قيل لأبي عبد الله(عليه السلام) : في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به ؟ قال :(يباع ممن يستحل أكل الميتة)[4].
وروى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن علي بن الحكم عن أبي المغرّاء(حميد بن المثنّى الصيرفي ثقة له أصل) عن (عبيد الله بن علي)الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :(إذا اختلط الذكيّ والميتة باعه ممن يستحل الميتة وأكَلَ ثمنَه)([5]) صحيحة السند .
* وأنت تعرف أنّ ما لا تحلّه الحياة من الميتة طاهر فيحلّ بيعه وشراؤه والإنتفاع به، وقد ذكرنا سابقاً عدّة روايات في ذلك من قبيل :
ـ صحيحة حريز قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة ومحمد بن مسلم :(اللبن واللباء[6]والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شيء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكيّ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصَلِّ فيه) .
ـ ومصحّحة الحسين بن زرارة قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي يسأله عن اللبن (السن ـ خ) من المَيتة والبيضة من المَيتة وإنْفَحَة المَيتة[7] فقال :(كل هذا ذكِيّ)، قال فقلت : فشعرُ الخنزير يُعمل به حبلاً ويُستقى به من البئر التي يُشرب منها ويتوضأ منها ؟ فقال :(لا بأس به )، وزاد فيه علي بنُ عقبة(ثقة ثقة، يروي عنه كتابه الحسنُ بن علي بن فضّال) وعلي بنُ الحسن بن رباط(ثقة معوّل عليه، يروي عنه الحسنُ بن علي بن فضال) قال :(والشعر والصوف كلُّه ذكِيٌّ ).
ـ ومصحّحة الحسين بن زرارة أيضاً عن أبي عبد الله(عليه السلام) في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء فأشرب منه وأتوضأ ؟ قال :(نعم)، وقال :(يُدبَغ فينتفع به ولا يصلَّى فيه)، قال حسين : وسأله أبي عن الإنْفَحَة تكون في بطن العَناق[8] أو الجدي وهو ميت، فقال :(لا بأس به)مصحَّحة السند . وروى في التهذيب قال حسين : وسأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سِنُّه فيأخذ سن إنسان ميت فيضعه مكانه ؟ قال : (لا بأس )، وقال أبو عبد الله (عليه السلام):(العظم والشعر والصوف والريش كل ذلك نابت لا يكون ميتاً )، قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة المَيتة، فقال :(لا بأس بأكلها) .
ـ وصحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الإنْفَحَة تخرج من الجدي الميت ؟ قال :(لا بأس به )، قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ؟ قال :(لا بأس به )، قلت : والصوف والشعر (والعظام ـ صا) وعظام الفيل والجلد والبيض تخرج من الدجاجة، فقال :( كلُّ هذا ذكيّ لا بأس به ) .
المهم هو أنّ ما ورد من روايات تفيد حرمة بيع الميتة وأنّ ثمن الميتة سحت منصرفةٌ إلى بيع الميتة للإنتفاع المحرّم، من قبيل ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله(عليه السلام) : (السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن ).
وقد ذهب إلى جواز بيعها العلاّمةُ المجلسي، وهو الحقّ .


[2] الصَّيْقَل هو الذي يَجْلِي السيوفَ ويَشْحَذُها، والصَّقْل هو الجِلاء، والمِصْقَلَة هي الآلة التي تُصْقَلُ بها السيوف، ويُطلَقُ الصَّقِيل على السيف . .
[3] الحُمُر ج حِمار سواءً كان أهليّاً أو وحشِيّاً .
[6] اللِباء هو الصمغ الذي يخرج من البقرة أو الشاة عند إنجابها لوليدها وهو ضروري لرضيعها عند ولادته ..
[7] ذكر في لسان العرب معنيين للإنفَحَة فقال : الإنفَحَة هي كرش الحمل الرضيع أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل ورعى النبت فهو كرش، وقال الأزهري عن الليث : الإنفَحَة لا تكون إلاّ لذي كرش، وهو شيءٌ يُستخرج من بطن ذيه، أصفر، يُعصَر في صوفةٍ مبتلّةٍ باللبن فيغلُظ كالجُبن . .
[8] العَناق اُنثى الماعز وهي الصغيرة التي لم تستكمل الحول، وأيضاً العَناق شيءٌ من دوابّ الأرض كالفهد، وهو أصغر من الفهد، طويل الظهر يصيد كلّ شيء ـ كالفهد ـ حتى الطير، يأكل اللحم، وهو من السباع، والفُرْسُ يسمّونه سِياه كُوْش، وهو أسْوَدُ الرأس أبيض الجسم، ولا شكّ أنّ النظر هنا إلى اُنثى الماعز .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo