< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

34/12/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: كتاب الطهارة

فصلٌ في المياه :
المائعُ إمّا ماءٌ وإمّا مضاف ـ كالمعتصَر من الأجسام [1] أو الممتزَج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء.


والمطلق أقسام : الجاري والنابع غير الجاري والبئر والمطر والكرّ والقليل، وكل واحد منها ـ مع عدم ملاقاة النجاسة ـ طاهر مطهِّرٌ من الحدث والخبث.
ولا فرق حكميّاً بين الماء الكرّ والماء الجاري والماء النابع وماء المطر، وذلك لأنّ الماء الجاري هو نفسه الماء النابع الذي له مادّة لكنه يجري، والماءُ النابع هو الذي له مادّة في أعماق الأرض أكثر من كرّ، فهذه الأقسامُ ـ إذَنْ ـ واحدةٌ موضوعاً وحُكْماً . ولا يهمّنا ـ بعد هذا ـ وجودُ فرق ضئيل بين هذه الأقسام الثلاثة كقولك بأنّ ماء البئر نابع وليس جارياً، وكذلك الماء الكرّ فإنه قد يكون واقفاً وليس جارياً، فإنه ليس لهذه الفروق آثار حكمية مطلقاً، بل ماء المطر من هذه الأقسام أيضاً حكماً . ولذلك لن ترى أحكامَ هذه المياه تفترق وتتغاير .

1 : المائعُ المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر ومطهّر، لكنه غير مطهِّر من الحدث[2].
2 :أمّا قضيّة عدم رافعيته للحدث فأقول : يمكن أن يكون رافعاً للحدث إذا كانت الإضافةُ قليلةً جِداً، وذلك كما لو كان بكثافة ماء البحر وماء السدر والكافور اللذين يغَسَّلُ بهما الميّت والشاي الخفيف ـ لا كالحليب ـ وذلك لأنه ماءٌ حقيقةً وذاتاً رغم إضافة شيء قليل فيه . وعليه، قد لا يهمّ عدمُ إطلاق إسم (الماء) عليه بعدما كان ماءً في الواقع ـ أي بنسبة أكثر من 100/95 ـ فيُنظر إلى حقيقة الماء لا إلى إسم الماء، لأنّ الإنسان يتوضّأ ويغتسل بالماء لا بإسم الماء، وإنّ وجود عُطرِ الوَرد فيه ـ مثلاً ـ بنسبةٍ قليلةٍ([3]) لا يُخرجه عن حقيقة أنه ماء، حتى وإن اُطلق عليه إسم (ماء ورد)، فقوله: [ فلم تجدوا ماءً فتيمّموا ][4] يشمل ماء الورد القليل الكثافة لأنه ماءٌ حقيقةً، وأقصد بقولي (قليل الكثافة) أي بنسبة السدر والكافور في الماء المستعمل في غسل الميّت، وبنسبة الملح في ماء البحر، ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه في الكافي عن علي بن محمد(بن ابراهيم بن أبان الرازي المعروف بـ علاّن الكُلَيني ثقة عين) عن سهل بن زياد(القمّي الرازي أي من الريّ أي الطهراني اليوم) عن محمد بن عيسى(بن عبيد) عن يونس(بن عبد الرحمن) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : قلت له :( الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة ؟ قال : >لا بأس بذلك <مصحّحة السند)[5]، فإنّ سهلاً ثقةٌ لتوثيق الشيخ الطوسي له في أصحاب الهاديt ولرواية الكثير من الأجلاّء عنه ... ولا اعتبار بعد ذلك بتضعيف مَن ضعّفه، نعم لا بدّ من الإحتياط بشأن رواياته في مقام الفتوى .
ومن هنا قد تُحمَل الرواياتُ التي تشترط كون ماء الوضوء ماءً عرفاً على ما يكون ماءً حقيقة ولا يُنظَر إلى لزوم اشتراط إطلاق إسم الماء عليه، فمثلاً : ما رواه في التهذيبين عن المفيد عن الصدوق عن محمد بن الحسن(بن الوليد) عن محمد بن يحيى(العطّار) عن محمد بن أحمد بن يحيى(بن عمران الأشعري) عن محمد بن عيسى(بن عبيد) عن ياسين الضرير([6]) عن حَرِيز عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون معه اللبن يتوضّأ منها للصلاة ؟ قال : ( لا، إنما هو الماء والصعيدمصحّحة السند)[7]، قد تُحمَل على ما يكون ماءً حقيقة وواقعاً، وماء الورد القليل الكثافة هو ماءٌ حقيقةً بخلاف الحليب فإنه وإن وجد فيه ماء لكنْ نسبةُ غيرِ الماء في الحليب معتدٌّ بها، وكذلك ما رواه في التهذيبين أيضاً باسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن العبّاس بن معروف عن عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين(عليهم السلام) قال : (إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضّأ باللبن، إنما هو الماء أو التيمّم.صحيحة السند)[8] . المهم هو أننا نغتسل أو نتوضّأ بواقع الماء لا بإسم الماء حتى ننظر إلى صدق إسم الماء .
والنتيجة هي أنّ قول الشيخ الصدوق من أنه يجوز الإغتسال والوضوء بماء الورد ـ إستناداً إلى المصحّحة السابقة ـ صحيحٌ لا غبار عليه بعدما عرفت مراده من ماء الورد بالإنصراف إلى ماء الورد الخفيف المتعارَف في تغسيل الأيدي، وبتعبير أصحّ : الماء الممزوج بماء الورد، لأنه لا يمكن التوضّي والإغتسال بماء الورد الدرجة الاُولى لشدّة رائحته وغلاظته ودسومته، وإنما الذي قد يُغتسَل به هو ماء الورد ذو الكثافة القليلة فإنه يعطي رائحة جيدة للبدن ويبرّده في أيام
الحرّ، وهو الذي يقدّمونه في الضيافة في بعض البلدان ـ إلى يومنا هذا ـ فتُغسَل به الأيدي، ويرشّونه في التجمّعات الكبيرة في يوم عاشوراء .
أقول : ما ذكرتُه في (ماء الورد) ـ الذي جرت العادة بغسل الأيدي به ـ صحيح، ولكن في غير ماء الورد لا بدّ من الإحتياط لظهور لزوم صدق إسم (الماء) على مستوى الظهور التصوّري ـ لا على مستوى الظهورين الإستعمالي والجدّي ـ على ماء الوضوء وماء الغُسل في الوضوء والغُسل .

أمّا بالنسبة إلى مسألة مطهّرية الماء المضاف فأقول :
ذهب الفقهاء المحقّقون ـ خاصّةً الأقدمون منهم ـ إلى حصول الطهارة بمجرّد زوال النجاسة ولو بالمائع المضاف ـ كالأدوية المعقّمة ـ وستأتي أدلّتهم . منها : أنّ روايات التطهير بالماء لا تفيد الحصر عند أحدٍ من العالمين، واستصحابُ النجاسة لا يصحّ لأنّ المفروض أنّ القذارة (أي موضوع النجاسة) قد زالت، فماذا نستصحب ؟! هل نستصحب بقاءَ النجاسةِ (أي نفس الحكم) وموضوعها قد زال ؟! ماذا نستصحب ؟ فالمرجعُ إذَنْ إلى أصالة الطهارة وقاعدتها ...
وذهب بعضُ الناس إلى عدمِ حصول الطهارة بالمائع المضاف .
وعمدةُ أدلّة المتوهّمين ما ذكره السيد الخوئي ([9]) بقوله : إن المستفاد من ملاحظة الموارد التي ورد فيها الأمر بالغسل بالماء أن الغسل لا بد وأن يكون بالماء ولا يكفي بغيره في تطهير المتنجسات، وبها تقيَّد المطلقات، أعني ما دل على لزوم الغسل مطلقاً، فنحملها على إرادة الغَسل بالماء، ولنذكر جملة منها :
ـ ما ورد في الاستنجاء بالأحجار حيث حكم بكفاية الأحجار في التطهير من الغائط ومنع عن كفايته في البول، وأمر بغسل مخرج البول بالماء، فلو كان غير الماء أيضاً كافياً في تطهير المخرج لما كان وجه لحصره بالماء .
ـ ومنها الموارد التي سئل فيها عن كيفية غسل الكوز والإناء إذا كان قذراً، حيث أمر بغسله ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه وهكذا ثلاث مرات .
ـ ومنها أمره : بغسل الثوب بالماء في المركن مرتين، وفي الماء الجاري مرة واحدة .
ـ ومنها أمره : بتعفير الإناء أولاً ثم غسله بالماء .
ـ ومنها أمره : بغسل الأواني المتنجسة بالماء .
ـ ومنها أمره : بصبِّ الماء في مثل البدن إذا تنجّس بالبول ونحوه.
فإذا ثبت وجوب الغسل بالماء في الموارد المنصوصة المتقدمة يثبت في جميعها لعدم القول بالفصل حتى من السيد المرتضى < إنتهى، ومثله قال السيد الحكيم في مستمسكه([10]).
* وقبل أن نبدأ بالردّ، علينا أن نؤكّد على نقطة أساسية وهي أنّ موضوع بحثنا هنا إنما هو في كبرى "هل المائعُ المضاف ـ كالسبيرتو والشاي مثلاً ـ يطهّر شرعاً فيما لو فرضنا حصول العلم بزوال النجاسةِ أو لا ؟" وبتعبيرٍ آخر : الكبرى المبحوث عنها هنا هي : هل الطهارة الشرعية هي النظافة العرفية أم أنّ الطهارة الشرعية أمرٌ توقيفي لا نعرف سِرَّه كسائر الأمور التوقيفية من قبيل الطلاق مثلاً الذي يتوقّف على عدّة اُمور غير صيغة الطلاق ؟
وليس كلامنا في الصغرى التي هي "إنّ المائع المضاف لا يزيل النجاسة من الأصل"، إذ هذا كلامٌ آخر . نعم لأنهم خلطوا بين البحثين اضطُررنا للجواب بأنّ بعض المعقّمات تطهِّر كالماء إن لم تكن تطهّر أكثر، وبعض الموائع مشكوكةُ القدرة على الإزالة والتطهير كالموائع الغليظة، وفي بعض الحالاتِ الماءُ لا يطهّر حتماً رغم تعدّد الغسلات لأنّ القذارة والجراثيم لا تذهبان إلاّ بالتعفير بالتراب ـ كما في ولوغ الكلب من الإناء ـ فالأمرُ بالتعفير إرشادٌ إلى صغرى أنّ القذارة لا تزول إلاّ بالتعفير بالتراب . وعدمُ التفرقة بين الصغرى والكبرى التي هي ـ أي التفرقة بينهما ـ أهمّ ما في المطلب أضاع بعضَهم فاستدلّ بإنكار الصغرى على إنكار الكبرى من حيث لا يدري !
وكلامُ إبن أبي عقيل والسيد المرتضى والفيض الكاشاني ـ القائلين بحصول الطهارة بالماء المضاف ـ إنما هو في كبرى "هل أنّ التطهير الشرعي هو عين إزالة النجاسة والقذارة أم هناك شيء آخر يجب مراعاته أيضاً " ؟ وهذا إنما يكون بعد افتراض العلم بزوال النجاسة والقذارة أي بعد تحقّق الصغرى، ولذلك تراهم يقولون بعدم زوال النجاسة ـ إذا ولغ الكلبُ في الإناء ـ إلاّ بالتعفير وذلك لقولهم إنّ الأمر بالتعفير هو إرشادٌ إلى عدم حصول صغرى زوال النجاسة .
فأقول : يَرِدُ على كلام المتوهّمين لبقاء النجاسة رغم زوالها الملاحظاتُ التالية :
أولاً : نحن ندّعي وجدانيّة أنّ المطلوب من التطهير الشرعي هو إزالة النجاسة لا أكثر، وأنها قضيةٌ وجدانية عقلية بديهية، أو قل : إنّ الشارع المقدّس لم يخترع معنىً آخر للتطهير، وعلى الأقلّ لم يثبت للشارع المقدّس معنى آخر للتطهير غير المعنى اللغوي، فتحمل هذه الكلمة على المعنى اللغوي لا محالة .
ثانياً : هل قول أئمتنا (عليهم السلام ) "إغسله بالماء" يفيد الحصر بخصوص الماء ؟
الجواب : قد يقال : نعم، بدليل لزوم رفع اللغوية عن إضافة (الماء)، وإلاّ ما الفائدة من إضافة كلمة (ماء) في بعض الروايات ؟
أقول : إنّ استعمال لفظة "الماء" في بعض الروايات إنما هو من باب الدارج في الإستعمالات العرفية من حيث اللفظ ومن حيث استعمال الماء، فإنّ العادة جرت في التطهير بالماء، لأنه الفرد المتوفِّر في كل بيت وهو الأحسن في الغسيل حتى ولو وُضِع معه أدويةُ غسيلٍ تُخرِجه عن الإطلاق، فبالماء نغسل الأواني والثياب والأبدان حتى ولو كانت طاهرة، وليست في مقام الحصر بالماء المطلق، أو قل لا دليل على الحصر بخصوص الماء، وإنما ذِكْرُ الماءِ هو من باب ذكر أحد المصاديق الجلية . فقد امتلأت رواياتنا بتفسير > الصراط المستقيم < بعليّ (عليه السلام)، و الصادقين بأهل البيت (عليهم السلام)، ومثلها كثيرٌ جداً، ومع ذلك يقول نفس السيد الخوئي إنّ هذا من باب ذِكْرِ أجلى المصاديق، وهذا لا ينفي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً هو الصراط المستقيم وكلّ نبيّ وإمامٍ هو الصراط المستقيم ... فكيف باؤه ـ في توجيه الروايات المفسِّرة بعليّ (عليه السلام) وبأهل البيت (عليهم السلام) أنها من باب ذكر أجلى المصاديق ـ تجرّ، وباؤنا ـ فيما نحن فيه ـ لا تجرّ ؟!
فمع عدم العلم بالحصر بالماء يبطل استدلالهم بالروايات المذكورة على لزوم كون الغسل بخصوص الماء، وعلى مدّعي الحصر بالماء أن يأتيَ بدليل . فلو أمر المولى عبدَه أن يسقيَ ضيوفَه العطاشى ماءً فذهب وسقاهم الجلاّب أو الشاي مثلاً وتحقّق المراد وزال عطشُهم فهل هذا لا يفي بالمطلوب مع أنّ الغاية قد تحقّقت ؟!
والعَجَبُ أنهم يُنكِرون العملَ بمفهوم اللقب أشدّ إنكار وبالإجماع، فكيف عملوا به هنا وقالوا إنّ ذكر (الماء) في قولهم "إغسله بالماء" يعني أنّ الغسل بغير الماء لا يُجزي في التطهير ؟! مع أنّ سياق الروايات ليس في مقام إفادة حصر الغَسل والتطهير بالماء، أي ليس نافياً لصحّة الغَسل والتطهير بالمائعات المعقّمة الاُخرى التي قد تزيد ـ في إزالة النجاسة ـ عن الماء .
ثالثاً : إنه من الثابت قطعاً بل والمجمع عليه ـ ولو ظاهراً ـ قولُهم بأن الغسل والتطهير هو من الأمور التوصلية لا مِنَ الأمور التعبدية، أي أن الغرض من الأمر بالتطهير هو إزالة آثار النجاسة لا أكثر، ولا شكّ أنّ بعض السوائل المعقّمة أبلغ في التطهير من الماء .
بل لا يُحتمَل كونُ التطهيرِ قضيةً تعبّدية أي تحتاج ـ فوق إزالة النجاسة وآثارها ـ إلى نيّة قربة ولا قضيةً توقيفية ـ كصيغتي الزواج والطلاقـ تحتاج إلى شيءٍ آخر لا ندركه، فكما لا يعقل أن يأمرنا الله تعالى بالقبيح لا يعقل أن يأمرنا بالغسل وتكون غايته غير إزالة النجاسة .
وبعد هذا لم أفهم معنى معقولاً لقول صاحب الجواهر ـ في ردّه على السيد المرتضى ـ من أنه لا تلازم بين زوال النجاسة حسّاً ـ أي خارجاً وعقلاً ـ وزوالها شرعاً ! فماذا يريد صاحبُ الجواهر بعد زوال النجاسة وآثارها ؟! هل يريد منّا أن نصلّي ونصوم ونذهب إلى الحجّ أيضاً حتى تحصل الطهارة ؟! أو يريد أن نقرض لحومنا ؟!
وكذلك لم أفهم معنىً معقولاً لقوله "ودعوى أنّ الطهارة الشرعية عبارة عن النظافة العرفية فِرْيَةٌ بيّنةٌ، إذ المستفاد من تعفير الإناء والصبّ مرّتين وغير ذلك خلافُه"،
إذ أنّ كلامنا إنما هو على فرض علمنا بزوال النجاسة وآثارها، لا في الملازمة بين النظافة العرفية والطهارة الشرعية، وإنما كلامنا هو في كبرى الملازمة بين زوال النجاسة تكويناً والطهارة شرعاً، وأمّا الأمرُ بالتعفير في ولوغ الكلب والصبُّ مرّتين بعده وكذا في نجاسة البول فلا ينافي ما نقوله لأنّ هذه الأوامر إرشادٌ إلى عدم زوال النجاسة ـ أي عدم حصول الطهارة ـ إلاّ بهذه الطريقة ونحن نتّبع الشارعَ المقدّس إذا أرشدنا إلى كيفية معيّنة في التطهير لأنّ ذلك يرشدنا إلى صغرى كيفية زوال النجاسة، وكلامُنا ليس في الصغرى، إنما هو في كبرى "حصول الطهارة بمجرّد زوال النجاسة وآثارها" .
والظاهر أن هذا هو مراد ابن أبي عقيل والشيخ المفيد والسيد المرتضى والفيض الكاشاني، بل ادّعى السيد المرتضى الإجماعَ على التطهير بالمضاف، وقال بأنّ تطهير الثوب ليس إلاّ إزالةَ النجاسة عنه، وقد زالت بغير الماء مشاهدةً.وقال أيضاً بجواز تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح بحيث تزول عنها عينُ النجاسة معلّلاً لذلك بزوال العلّة.
أقول : من خلال كلام هؤلاء القدماء ووجدانيةِ أنّ التطهير هو إزالة النجاسة تعلم أنّ ادّعاء الشيخ الطوسي "أنّ أكثر الفقهاء على خلاف السيد المرتضى في هذه الفتوى" إدّعاء خاطئ حتماً، كأكثر ادّعاآته للإجماعات الغريبة بل والمتناقضة أحياناً وهي مشهورة كادّعائه الإجماع على جواز بيع الكلاب الثلاثة في كتابٍ وادّعائه في كتاب آخر الإجماعَ على حرمة بيع الكلاب الثلاثة، والمشكلةُ أنّ فقهاءَنا ـ لشدّة ورعهم ـ تبعوا الشيخَ الطوسي في دعواه، ولو كان الشيخُ الطوسي قدِ ادّعى حصولَ الطهارة بالمائع المضاف ـ كأساتذته ـ لوجد فقهاؤنا لتبرير كلامهم مئةَ دليل ولما استدلّوا باستصحاب النجاسة والشهرة الفتوائية وغيرهما من الأدلّة المضحكة .
رابعاً : بعد غسل موضع النجاسة بالمعقّمات ـ كالسبيرتو مثلاً ـ كما نغسله بالماء لا يبقى محل للاستصحاب لأنّ موضوع النجاسة (وهو القذارة) قد زال، كما لا يصحّ أن نستصحب الحكمَ بالنجاسة بعد العِلْمِ بزوال موضوعه، فالمرجعُ حينئذ أصالةُ الطهارة وقاعدتها .
خامساً : إن قوله: ( يجزي من الغائط المسحُ بالأحجار، ولا يجزئ من البول إلاّ الماء ) ([11]) ـ مع غضّ النظر عن مجهولية القاسم بن محمد الجوهري الموجود في سند الرواية ـ هو في مقام الإرشاد إلى عدم ارتفاع نجاسة البول بالأحجار وإنما يحتاج البول على الذكر للإزالة إلى الغَسل الماء لا الأحجار، فلا تدلّ هذه الرواية على حصر الغسل بالماء مطلقاً، ولذلك ترى رواياتنا تقول بأنه الشخص إذا تنجست قدمه أو حذاؤه بالبول من الأرض يمكن تطهيرها بالأرض، وكذا إذا بال صبيّ على الأرض فجففتها الشمس فإن المحلّ يطهر، ولا تشعر بالمجازيّة في الجملة الاُولى ممّا يدلّ على عدم دلالة الرواية الاُولى على الحصر .
المهم هو أنّ الذكر المتنجّس بالبول لا يطهر بالحجارة، وهذا ما تريد قوله الرواية الاُولى، ويشهد على ذلك ما رواه في المعتبر صفحة 435 عن الحسين بن أبي العلاءعن الصادق(عليه السلام) قال : (سألته ... عن الثوب يصيبه البول ؟ قال :( إغسله مرتين، الأول للإزالة والثاني للإنقاء) ([12]) مرسلة، ولكن يطمئن المتأمل بصحة مضمون هذه الرواية لأنها وجدانية تماماً وتوافق ما نذكره من أدلة . إذَنْ فالغرضُ هو إنقاءُ المحل بلا شك، بل ادّعوا أنها وجدانية، بل استعمالُ الماء في خصوص الذكر أمر عادي إذ لا يستعمل فيه غير الماء عادة، ولا ينقى بغير الغسل بدليل الروايات، بمعنى أنه لا تزول آثار البول بالمسح بالحجارة، فهو أمر ارشادي لا تعبّدي، كما أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب لا تزول آثار جراثيم لعاب الكلب عنه إلاّ بالتعفير بالتراب ثم بغسله، فما وردنا من روايات في كيفية التطهير إن هي إلاّ إرشادات إلى كيفية إزالة آثار النجاسات، فالمناط هو ازالة النجاسة والقذارة لا غير .
سادساً : تعرف ذلك أيضاً ممّا رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك )[13] موثقة السند، فالمناط بالنجاسة هو العلم بالقذارة، وبما أنّ هذا العلم طريقي، فيكون المناط هو وجود القذارة، فإذا ارتفعت القذارة صار المحل طاهراً قطعاً .
سابعاً : إن دعواهم بأن التطهير بالمضاف خلافُ الارتكاز المتشرعي وأنّ المرتكز عندهم هو التطهير بخصوص الماء، جوابه أن هذا الإرتكاز ناشئ من أن العادة قد جرت قديماً وحديثاً على التطهير بالماء لأنه الفرد الغالب في البيوت والأنسب في الغسيل والتطهير، ولو كان الشيخ الطوسي تبع أساتذته في القول بمطهّرية المائع المضاف إذا زالت به النجاسة لتغيّر الإرتكاز، بل لوَصَلَ الإرتكازُ إلى الإيمان بأنه لو فُرِضَ زوالُ آثار النجاسة بقدرة قادر وحصلت النقاوةُ لحصلت الطهارة أيضاً .
ثامناً : روى في التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن السندي بن محمد(ثقة) عن العلاء(بن رزين) عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : ( إغسله في المِرْكَن مرّتين، فإنْ غَسَلْتَهُ في ماءٍ جارٍ فمرّةً واحدةً )([14]) صحيحة السند، والمادّة إذا كانت قليلة وكان نفس الماء الجاري قليلاً أيضاً، فإنه يصدق عليه عرفاً أنه ماء قليل كما لو جرى من الإبريق ماء قليل على الأرض، ومثلها الغسّالة التمام اُوتوماتيك، فإنها تغسل الثياب ثلاث مرّات، فهي إذن ـ بناءً على هذه الرواية ـ تطهّر، مع أنّ ذلك لا يتمّ إلاّ على قولنا بكفاية زوال النجاسة .
تاسعاً : روى في التهذيبين عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى) بن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن حَرِيز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( كلَّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيَّرَ الماءُ وتغيَّرَ الطعمُ ـ أي بأوصاف الجيفة ـ فلا تتوضأ منه ولا تشرب )[15]، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حَرِيز عمَّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله . وفي صحّة سندها كلامٌ لعلمنا بأنّ حَرِيزاً رواها عن شخصٍ عن الإمام، وإن كان المظنون أنّ الراوي المباشر هو أبو بصير لما سيأتيك في الرواية الآتية . هذا، ولكن بما أنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع فيحكم بصحّة المتن . ومن الواضح أنّ الماء لا يغلب على ريح الجيفة إلاّ إذا كان أكثر من كرّ .
ومثلها ما ورد في موثّقة سَماعة "إذا كان النَتَنُ الغالبَ على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب" . وفي صحيحة أبي خالد القمّاط ( إن كان الماء قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه ـ ولم يقل إنُ أحسستَ بالتغيّر في ريحه أو طعمه ـ فلا تشربْ ولا تتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحه وطعمُه فاشرب وتوضّأ ) . وفي صحيحة زرارة "إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء، تفسّخ أم لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء" .
عاشراً : في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن (العبّاس بن معروف) عن عبد الله بن المغيرة عن غياث بن ابراهيم(بتري([16]) ثقة) عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ (عليه السلام) قال : ( لا يُغسل بالبُصاق غيرُ الدم، وفي نسخة ٍ لا بأس أن يُغسل الدمُ بالبُصاق )([17]) موثّقة السند، وهي تفيد حصول الطهارة بإزالة الدم بالبصاق . وهو عين الحقّ، طبعاً إذا زالت النجاسةُ وآثارها .
الحادي عشر : ما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن هشام بن سالم أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)عن السطح يُبال عليه فتصيبه السماء فيكفّ فيصيب الثوب ؟ فقال : ( لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثرُ منه )([18]) (صحيحة السند)، فقوله (عليه السلام)( ما أصابه من الماء أكثرُ منه ) يشير إلى توصليّة التطهير وإلى أكثرية ماء المطر من النجاسة وغلبتها عليها .
الثاني عشر : ما رواه في الفقيه أيضاً بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال :( سألته عن البيت يُبال على ظهره ويُغتسَلُ من الجنابة ثم يصيبه المطرُ، أيؤخذ من مائه فيُتوضأ به للصلاة ؟ فقال : (إذا جَرَى فلا بأس به ( فإنّ قولَه (عليه السلام). إذا جَرَى )([19]) يشير إلى توصليّة التطهير وكون ماء المطر كثيراً . فإذا أصاب ماءُ المطر الماءَ الراكد إلى حدّ كثير بحيث أزال ماءُ المطرِ النجاسةَ فإنه يُحكَم بطهارة الماء الراكد وإلاّ فلا .
الثالث عشر : الحكمُ بطهارة أجسام الحيوانات إذا زالت عنها النجاسات إشارةٌ واضحة إلى مدّعانا أيضاً .
المهم هو أنّ الأمر بالغَسل في الروايات إنما هو إرشاد إلى لزوم إزالة آثار النجاسة باللسان العرفي لا أنه ينصرف إلى الغسل بخصوص الماء .
* ومن الجيّد أيضاً الإستشهادُ لقولنا بما ذكره الشيخ المفيد بأنه روي عن الأئمّة (عليهم السلام) جواز الغسل بالمضاف فإننا وإن كنا لا نعرف سند روايته هذه ولكنِ ادّعاء تلميذه السيد المرتضى الإجماعَ على كفاية التطهير بالمضاف وكذلك ابن أبي عقيل قبلهما يدعم الإعتقاد بصدور هذه الرواية .
* ولك أن تستفيد أيضاً من صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع المشهورة عن الرضا (عليه السلام) ( ماء البئر واسع لا يفسده شيءٌ إلا أن يتغيَّرَ ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ـ فيَطْهُر ـ لأنّ له مادة < فالغايةُ ـ إذَنْ ـ هي ذهاب صفات النجاسة، والسبب في طهارته أنّ له مادّة تغلب على النجاسة وتزيلها، المهم هو حصول الغاية وهي > ذهابُ الريح وطيبُ الطعم.
* والغريب بل المضحك في الأمر أنّ بعض الناس يستدلّون على لزوم الإقتصار على التطهير بالماء بقوله تعالى [ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ][20] أو بقوله [ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ][21]، مع أنّ هتين الآيتين لا تفيدان الحصر أصلاً، فكلّ إنسان يعترف أنّ الماء يطهّر، ولكن هل هذا ينفي أن يكون التراب ـ مثلاً ـ يطهّر أيضاً، أو هل تنفي هاتان الآيتان أن تكون الشمس أيضاً مطهّرة ؟!
* ثم إنه ليس المراد بالتطهير زوال آثار النجاسة بالدقة العقلية، وإنما تكفي النظرة العرفية بمعنى أنه بعد غسل الثياب مثلاً لا يلزم الإهتمام ـ بعد زوال النجاسة عرفاً ـ ببقاء اللون أو الرائحة على اللباس كما كان يشاهَد قديماً في الأقمشة الداخلية للرضّع، فإنه رغم غسلها بإتقان قديماً كان يبقى عليها شيءٌ من اللون وهذا لا يضرّ، بل ورد نظير ذلك في الروايات فقد روي في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن (عبد الله) بن المغيرة عن أبي الحسن (الكاظم) (عليه السلام) قال : قلت له : للاستنجاء حدّ ؟ قال : ( لا، ينقى ما ثمّة )، قلت : فإنه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ؟ قال : ( الريح لا يُنظر إليها ) صحيحة السند، ولا فرق بين ما ثمّة وبين غيره حتماً، على أي حال هذا الصنف من الروايات يفيدنا فيما نحن فيه لأنه يظهر منها بوضوح أن الملاك هو النقاوة ولا يُنظَرُ إلى الريح واللون كما في عدة روايات([22])من قبيل ما رواه محمد بن يعقوب عن (شيخه)محمد بن يحيى(العطار) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى شيخ القميين) عن (شيخه)الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري)([23])عن علي بن أبي حمزة(البطائني)([24])عن العبد الصالح (الكاظم) (عليه السلام) قال : سألتْ أمُّ ولدٍ لأبيه ـ إلى أن قال : ـ قالت :( أصاب ثوبي دمُ الحيض فغسلتُه فلم يذهب أثرُه ؟ فقال : إصبغيه بمشق([25])حتى يختلط ويذهب ) ضعيفة السند .
وكذلك يمكن الإستفادة ممّا رواه زرارة في صحيحته التالية، فإنك تعرف بأنّ ذهاب النجاسة بالدقة العقلية لا يحصل بمسحها بالتراب .
* فالمهم إذن هي النقاوة العرفية ولو حصلت بالمعقِّمات الحديثة .
* ثم إن روايات مطهِّرية الأرض إرشاد إلى أن الملاك في الطهارة هو زوال آثار النجاسة وذلك من قبيل :
ما رواه في التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حمّاد بن عيسى عن حَرِيز بن عبد الله عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها، هل يجب عليه غسلها ؟ فقال : (عليه السلام) لا يغسلها إلاّ أن يتقذَّرها ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )([26]) صحيحة السند .
* وكذلك روايات مطهِّرية الشمس إرشاد إلى كفاية زوال آثار النجاسة من قبيل :
ما رواه محمد بن علي بن الحسين في الفقيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلَّى فيه ؟ فقال : ( إذا جفَّفَتْه الشمس فصلّ عليه، فهو طاهر )([27]) صحيحة السند .
* وتقريب هذا الصّنف من الرّوايات واضح وهو كفاية زوال آثار النجاسة وليست هذه الطريقة تعبّدية .
* ولا بأس بالإستدلال بقوله تعالى[الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ]([28])، فإنه يجوز الأكل من طعامهم ما عدا ذبائحهم، مع أنهم لا يهتمون إلاّ بإزالة آثار النجاسات بشكل فطري .
بتعبير آخر : إنك تستفيد من قوله تعالى[وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ][29] أنّ أهل الكتاب مع أنهم يساورون النجاسات كالمسلمين ـ أقصد أنهم يُجرَحون ويَخرُجُ منهم الدمُ ويُحْدِثون بالأخبثَين بل ويأكلون المَيتة وو ـ ومع ذلك أجاز لنا اللهُ تعالى الأكلَ من طعامهم، وما ذلك إلاّ لأنهم يزيلون النجاسات عن أوانيهم، مع أنهم يزيلونها بشكل عرفي .

* خلاصة البحث : هو أنّ الملاك في الأمر بالطهارة هو زوال آثار النجاسة لا أكثر، فإن عُلم زوالها فبها، وإن شُك في زوالها يغسل المحل حتى تعلم النقاوة، وهناك بعض الموارد علّمنا فيها الشارع المقدس كيفية إزالة آثار النجاسة يجب اتباع هذه التعاليم فإنها إرشاد إلى عدم زوال آثار النجاسة إلاّ بها، كما في موارد ولوغ الكلب في الإناء ولزوم الغسل من البول مرتين، فإنّه بهذا تزول آثار النجاسة التي هي المطلوب كما قلنا .
* * * * *
وإن لاقى المضافُ نجساً تنجَّس إن كان قليلاً، وأمّا إن كان كثيراً فإنه لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) المائع المضاف إذا كان كثيراً جداً ـ كآبار النفط التي تحوي مليارات الأكرار ـ لا ينجس إذا وقعت فيه نجاسةٌ كالمَيتة .
والظاهر أنّ مَن خالفَنا تمسّك بإطلاق الروايات القائلة بأنّه إذا وقع في قِدْرٍ فيه مرق ولحمٌ أو سمن أو زيت إذا وقع فيه فأرةٌ فماتت يُهراق مرقها ويغسل اللحم ويستصبح بالسمن والزيت، وأنّ القاعدة تقتضي أنه إذا وقعت نجاسة في المائع المضاف فإنه ينجس إلاّ أن يثبت من الشرع طهارتُه ...
ويرد عليهم : انّي لم أرَ في الروايات غير عناوين القِدْر والحُبّ([30])والطشت والمِرْكَن (وهو الطشت الكبير الذي تُغسَلُ به الثياب) والخابية، ولم يُذكَر في الروايات أكثر من هكذا أواني صغيرة، ولم يُنظَر في الروايات إلى آبار النفط الكبيرة جداً، وكذا لم يتعرّض فقهاؤنا القدماء إليها، فعلى هذا لا دليل على سريان النجاسة إلى كلّ النفط حتى على بُعد مئة متر مثلاً . أو قل : لا دليل للقول بانفعال كلّ النفط أصلاً لا عقلاً ولا نقلاً ولا عرفاً، فيتعيّن الرجوع إلى أصالة الطهارة وقاعدتها، وح يجب القول بعدم انفعال كلّ البئر وذلك لوجود شكّ كبير في سراية النجاسة إلى كل بئر النفط الذي قد يمتدّ من دولة إلى دولة بل قد يشمل عدّة دول ـ على ما يقولون في دول الخليج ـ، ولذلك يجب الإقتصار على القدر المتيقّن في النجاسة وهو ما يُعلم بسراية النجاسة إليه ولو من باب التمسّك بأصالة الطهارة وقاعدتها ـ كما قلنا ـ في المواضع البعيدة عن النجاسة، خاصّةً بعد الإطمئنان بانقلاب النجاسة بعد مدّة وجيزة إلى مادّة نفطية، أو قل بعد زوالها وانعدامها في النفط، ولذلك يُقتصَر على أقل قدر محتمل من وجود القذارة والنجاسة وهو ما يبعد عن محلّ النجاسة حوالي أمتار، ثم يُبنَى بعد دقائق على الطهارة، فضلاً عن لزوم البناء في الباقي البعيد على طهارته أيضاً لعدم العلم بسراية النجاسة إليه .
وبتعبير آخر : الثابتُ شرعاً هو تأثّر المائع ـ ماءً كان أو مضافاً ـ بالنجاسة إذا كان قليلاً، ولكن لم يثبت تأثّره إذا كان كثيراً، فتجري أصالةُ الطهارة وقاعدتُها في المائع المضاف إن لم تؤثّر فيه القذارة والنجاسة كما كان الحال في الماء الكرّ .
وقد يصحّ الإستدلال بما رواه في التهذيب عن الشيخ المفيد(محمد بن محمد بن النعمان) عن (أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى)ابن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه(من خيار أصحاب سعد) عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن اسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلى رجلٍ أسألُه أن يسأل أبا الحسن الرضا([1]) (عليه السلام ) ... فقال : ( ماء البئر واسع لا ينجّسه شيء إلاّ أن يتغير ريحه أو طعمه فيُنزَحُ حتى يذهب الريح ويطيبَ طعمُه لأنّ له مادّة ) صحيحة السند، وبما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسن (بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد(المدائني) عن مصدّق بن صدقة عن عمّار(بن موسى الساباطي) قال : سُئِل أبو عبد الله (عليه السلام )عن البئر يقع فيها زبّيل عذرة يابسة أو رطبة فقال : ( لا بأس إذا كان فيها ماء كثير ) موثّقة السند، ومثلهما غيرهما، فإنّ التعليل بكونه واسعاً وتأكيد ذلك بكونه له مادّة ـ أي مادّة تمدّه ـ إشارةٌ جيدة في كون السعة الكبيرة هي علّة عدم سراية النجاسة إلى كلّ البئر وعدم تأثّر كلّ البئر بالنجاسة، وإلاّ لوجب على الإمام (عليه السلام ) أن يقول لأنّ فيه ماءً كثيراً، أي مع الإشارة إلى كونه ماءً .
فإن قلتَ : لكن المورد هو الماء، وما نحن فيه هو الماء المضاف !
قلتُ : هذا صحيح، لكنْ اُنظر إلى التعليل بالواسع وبأنّ له مادّة،، وفي غيرها أيضاً إشارات إلى أنّ العلّة للنجاسة هي القذارة والنتن من قبيل ما ورد من أنه يقع في البئر المَيتة فقالt : " إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً " (كما في صحيحة محمد بن مسلم)، وأنّ "ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضُه بعضاً" (كما في رواية ابن أبي يعفور)، وأنه "كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب" (كما في صحيحة حَرِيز بن عبد الله)، وأنّ "كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك" (موثّقة عمّار)، وأنه "إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً " (كما في النبويّ)، وأنه سئل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ؟ قال : "إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيءٌ" (صحيحة محمد بن مسلم)، وأنه "إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء، تفسّخ أم لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء" (صحيحة زرارة)، وأنه "إذا كان الماءُ قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ" (صحيحة عبد الله بن سنان)، وأنه "إذا كان النَتَنُ الغالبُ على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب" (موثّقة سَماعة)، وهي تشير إلى علّة الحكم بالنجاسة وأنّ الكَثرة لا تحمل خبثاً، أو قُلْ : لا يتأثّر الكرّ بالنجاسة، فلا ينجس البئر والكرّ لأجل هذه الكثرة، هذا هو الأصل . نعم إلاّ أن يتغيّر بأوصاف النجاسة، وهذا هو الأمر الطبيعي، إضافةً إلى أنّ عدمَ السرايةِ في المضاف إن لم يكن اَولى من عدم سرايته في الماء المطلق لشدّة كثافته فتخفّ السرايةُ فيه أو تَقِلُّ في المضاف كما لو زاد جَمادُه فصار سمناً ونحو ذلك، فلا أقلّ من أنهما متساويان في السراية وعدمها، خاصّةً وأنّ الإمام (عليه السلام ) يقول حتى يذهب الريح ويطيب طعمه أي حتى تذهب قذارته، فإذا كانت هذه هي العلّة ـ وهي كذلك ـ فالأمر في آبار النفط واضح .
نعم نحن نحتاط وجوباً إذا كان المضاف الذي وقعت فيه النجاسةُ كرّاً أو كرّين، وهذا فقط للإرتكاز المتشرّعي، والإحتياطُ حسنٌ على كلّ حال، وأمّا إذا زاد على ذلك فلا داعي للإحتياط أصلاً، وأصالةُ الطهارة وقاعدتُها سيّدةُ الموقفِ هنا .

نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السافل ولاقى سافلُه النجاسةَ لا ينجس العالي منه، كما إذا صُبَّ ماءُ الوَرد من إبريقٍ على نجاسة فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متصلاً بما في يده(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) جرت العادة في بعض البلاد بصبّ ماء الورد على يد الضيف في بعض المناسبات، فلو صَبّ شخصٌ ماء وردٍ على يدٍ متنجّسة فإنه لا ينجس بوضوح لأنّ التدافع يمنع من سراية النجاسة والقذارة إلى داخل الإبريق، ولا داعي ـ بعد وضوح المسألة ـ للقول بجريان قاعدة الإستصحاب في ماء الإبريق، وكذا لو كان التدافع من الأسفل إلى الأعلى كما في النافورة فإنّ السراية لا تحصل إلى الأسفل، وكذا لو كان الشخص في الحمّام مثلاً وكلّه ماءٌ وكان واقفاً على أرضٍ متنجّسة فإنّ السراية لا تسري من الأرض إلى كلّ جسده، ولا أقلّ لوجود شكّ في هكذا سراية بعيدة عن مرتكزات الناس، فتستصحب الطهارة، ويقتصر في الحكم بالنجاسة على أقل قدر متيقّن وهو المتاخم للأرض، بل هذا أمر واضح عرفاً، ولذلك أجمع المحققون على ذلك .

مسألة 2 : قد يخرج الماء المطلقُ عن الإطلاق إذا اُضيف إليه شيءٌ وغَلَى، فلو مزج مع الماء شيءٌ كالورد مثلاً وغَلَى الماءُ فإنه يصير (ماءَ وَرد) (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) هذه مسألة بديهية يعرفها كلّ الناس، ومثلها ما بعدها .

مسألة 3 : المضاف المُصَعَّدُ مضافٌ(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) لا شكّ أنك تعرف ماءَ الورد وماء الزهر، وهو دليل على أنّ الماء المضاف المصعّد هو مضاف . ولم يكن هناك داعٍ لإعادة هذه المسألة في العروة .

مسألة 4 : المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتبخير لاستحالته بخاراً ثم ماءً، إلاّ إذا كان يحمل آثار النجاسة ـ من لونٍ أو رائحة ـ فإنه يحكم بنجاسته، والأحوط وجوباً النظرُ إلى الماء بعد تبخّره وصيرورته ماءً ليعلم هل أنّ له صفات النجاسة أم لا (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) لا شكّ في تغيّر الموضوع بين الماء والبخار عرفاً، فإنّ البخار غازٌ وليس ماءً، والسحاب غازٌ وليس ماءً، وعليه فلا يصحّ استصحاب نجاسة الماء المتنجّس بعدما تبخّر، وإنما يجري الإستصحاب مع وحدة الموضوع عرفاً، لا فيما إذا تغيّر الكلب مثلاً في المملحة إلى ملح، فإنه لم يَعُدْ كلباً، ولا ما إذا انقلب المنيّ إلى حيوانٍ كالبقرة والغنمة، فإنه لا يصح استصحاب النجاسة، وذلك لتغيّر الموضوع عرفاً، والمناط في الإستصحاب وَحدة الموضوع بنظر العرف، فتجري ح أصالةُ الطهارة وقاعدتُها بلا شكّ، وطبعاً الفرضُ أننا لم نعلم بحمل شيء من القذارات ـ كآثار النجاسة السابقة ـ مع البخار . ومن هنا أثَرْتُ هذا الموضوعَ الآن مع عدّة خبراء فقالوا بالإجماع بأنّ بخار الماء لا يحمل آثار النجاسة، بل هو ـ إن رجع إلى حالة السيلان ـ يكون معقّماً، واستشهدوا لذلك بالسحاب الذي مصدره البحار وماءُ الأرض فإنها مهما كانت ملوّثة لا يتبخّر من آثار القذارات شيء، وإنما يكون نظيفاً جداً، وكذلك استشهدوا بالماء الذي يعقّمونه فإنه إذا انتقل من حالة البخار إلى حالة الماء قالوا بأنه لا يحمل من آثار القذارة شيئاً .
هذا، ولكن مع ذلك يجب التأكّد من رائحته ولونه، فإن كان له رائحة النجاسة أو لونها فإنه يحكم بنجاسته حتماً، وإلاّ فلا .

مسألة 5 : إذا شُك في مايع أنه مضاف أو مطلق، فإن عُلمَتْ حالتُه السابقة اُخِذ بها(8)، وإلا فلا يُحكَم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة، ولذلك لا يرفع الحدث وذلك لاحتمال كونه مضافاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) لو فرضنا أنّ الموجودَ أمامَنا ماءُ وردٍ فصرنا نضيف إليه ماءً حتى شككنا في بقائه على الإضافة أم أنه صار ماءً، فهنا يستصحب كونُه مضافاً، وذلك لأنه استصحاب في الشبهات الموضوعية، وهو القدر المتيقّن من الإستصحاب، وهو أشبه شيء بالإستصحابَ الوارد في الروايات الذي موردُه الشكّ في عروض ما يُبطل الحالةَ السابقة، كما لو شكّ شخصٌ في عروض النوم عليه فيَبني على عدم النوم أو قل يستصحب عدم النوم وبالتالي يبني على بقائه على الطهارة .
فلو فرضنا أننا شككنا في أنّ المجاري النجسة الداخلة في البحر خرجت عن الإضافة أو أنها صارت ماء مطلقاً فهنا نستصحب الحالةَ السابقة وهي الإضافة والنجاسة .

مسألة 6 : المضاف النجس يطهر بالإستهلاك في الماء المعتصم كالكرّ والجاري ونحوهما(9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) يقصد من قوله بأنّ المضاف يطهر بالإستهلاك في الماء أنّ المضاف لا يطهر، وذلك لأنّ الإستهلاك هو إنهاءٌ للمضاف أي إفناءٌ له وليس تطهيراً له .
فمثلاً : لو تناثرت بعضُ أمواجِ البحر المخلوطةِ بالمياه النجسة (المعروفة في لبنان بـ المجارير أو المجاري) على اليابسة فهل تكون هذه الترشُّحات نجسةً أم طاهرة ؟
قلنا بأنه لا شكّ في لزوم استهلاك المضاف النجس في المطلق بمعنى انعدام صفات النجاسة والقذارة في الماء المطلق وبشرط بقاء الماء المطلق على كرّيته ـ وهو المعروف عند الفقهاء ـ بدليل أنّ بقاء المضاف على إضافته كاشف تكويني وعقلي عن بقاء القذارة التي هي الملاك في النجاسة .
وإليك نظرةً إلى أقوال علمائنا في المقام :
ـ فقد نُقِل عن الشيخ الطوسي أنه قال في المبسوط : " إنّ المضافَ لا يَطْهُرُ إلاّ أن يَختلِطَ بما زاد على الكرّ من الماء الطاهر المطلق، ولم يَسلُبِ المضافُ الإطلاقَ من الماء المطلق، ولم يغيّر المضافُ الماءَ المطلقَ بإحدى الصفات الثلاثة، فإن سلبه أو غيّر أحدَ أوصافه لم يجزِ استعمالُه، وإن لم يغيّره ولم يسلبه جاز استعمالُه فيما تُستعمَل فيه المياه المطلقة " .
ـ ونَقَل العلاّمةُ في الذكرى عن الشيخ في المبسوط بأنه "يَطْهُرُ بأغلبية كثيرِ المطلقِ عليه وزوالِ أوصافه لتزول التسميةُ التي هي متعلّق النجاسة" .
ـ وقال العلاّمة في التحرير : "ويَطْهُرُ بإلقاء كرّ من الماء المطلق عليه دفعةً واحدة بشرط أن لا يسلبَ المضافُ الماءَ المطلقَ من الإطلاق، ولا يغيّر أحدَ أوصافه" إنتهى، وعن بعض نسخه "ويطهر المضاف ... حتى وإن تغيّر أحد أوصافه بأوصاف المتنجّس" وهذا ـ أي ما في النسخة الثانية الأخيرة ـ هو مختاره في بعض كتبه كالمنتهى والقواعد، وتبعه عليه جماعةٌ أي في حصول تطهير المضاف بحيث يكون طاهراً مطهّراً، ونُقِل عن العلاّمة أنه لا يشترط بقاء الإطلاق بالنسبة للطهارة وإن كان لا يرفع حدثاً ولا خبثاً . وقد رأيت قبل أسطر أنه زاد على الشيخ شرطَ "دفعةً واحدة" .
وما ذكروه صحيح بلا شكّ، بدليله المذكور، فإنّ المناط في النجاسة هو بقاء القذارة وليس الأمر تعبّدياً، وهذا أمر واضح عقلاً ونقلاً . أمّا على الصعيد العقلي فالأمرُ واضحٌ جداً، وأمّا على الصعيد النقلي فراجع مثلاً روايات البئر وغيرَها من قبيل : "ماء البئر واسع لا يُفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فيُنزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه، لأنّ له مادّة" (صحيحة ابن بزيع)، وأنه يقع في البئر المَيتة فقال (عليه السلام ): " إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً " (كما في صحيحة محمد بن مسلم)، وأنّ "ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضُه بعضاً" (كما في رواية ابن أبي يعفور)، وأنه "كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب" (كما في صحيحة حريز بن عبد الله)، وأنّ "كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك" (موثّقة عمّار)، وأنه "إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً " (كما في النبويّ)، وأنه سئل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ؟ قال : "إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيءٌ" (صحيحة محمد بن مسلم)، وأنه "إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء، تفسّخ أم لم يتفسّخ، إلاّ أن يجيء له ريح تغلب على ريح الماء" (صحيحة زرارة)، وأنه "إذا كان الماءُ قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ" (صحيحة عبد الله بن سنان)، وأنه "إذا كان النَتَنُ الغالبُ على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب" (موثّقة سَماعة) . هذه عشرةٌ كاملة، وهذا يكفي، وهي واضحة في المطلوب .
وعليه فإذا غلب الماءُ المطلقُ القذارةَ والنجاسةَ ـ بمعنى إذا استُهلك الماءُ المضافُ القذِرُ بالماء المطلقِ الكرّ وذهبت آثارُه ـ فقد طَهُرَ المضافُ، وبتعبير صحيح : فقد زال المضاف . نعم لا يضرّ بقاءُ قليل من آثار المضاف ـ لا من آثار النجاسة ـ كشيء من لون المضاف مثلاً إن لم يبقَ شيء من آثار القذارة والنجاسة، وإلاّ ـ أي إنْ بقيت ريحُ النجاسة، أو قل صفات النجاسة ـ فإنّ المضافَ يبقى على قذارته ونجاسته .

·أمّا إذا حصل شكّ في زوال القذارة والنجاسة فعلى ماذا يُبنَى ؟ على الطهارة أم على النجاسة ؟
·الجواب : لا شكّ في لزوم البناء على النجاسة لاستصحاب الحالة السابقة، ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف .
نعم، إن كان الشك في المنطقة الوسطى في البحر مثلاً بين النجاسة والطهارة وجاءت بعض الأمواج إلى الشخص فلا شكّ في أنه يَبني على طهارة ما جاءه، وذلك لأنه بعد سقوط الإستصحابين ـ إستصحاب نجاسة ناحية النجاسة واستصحاب طهارة ناحية الماء المطلق ـ يُرجَع إلى أصالة الطهارة، لأنّ الشكّ صار في هذه الكميّة من الماء هل هي طاهرة أم نجسة، وليس في هذا المورد علم إجمالي، فتجري أصالة الطهارة وقاعدتها بلا شكّ .

مسألة 7 : إذا اُلقيَ المضافُ النجسُ في الكرّ فصار الماءُ الكرّ مضافاً قبل الإستهلاك تنجس(10) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) لو فرضنا وقوعَ ليترٍ من الدم في كرٍّ من الماء فتغيّرَ لونُه أو طعمه ـ أي قبل استهلاك المضاف في الماء الكرّ ـ تنجّس كلّ الماء بلا شكّ .
وأمّا لو كان الدمُ على ثوب أزرقٍ مثلاً فوقع في الماء الكرّ، واستُهلِك الدمُ في الماء ولكن ـ مع ذلك ـ صار الماءُ مضافاً بلون المتنجّس ـ أي باللون الأزرق ـ فإن فَنَتِ النجاسةُ فلا شكّ في لزوم البناء على الطهارة ولو للإستصحاب .
وأمّا في مثل حالة نزول المجارير النجسة في البحر، فإنّ كلّ محلّ في البحر متّصف بأوصاف المجارير ـ ولو قليلاً ـ فهي متنجّسة، لحملها أوصافَ وآثارَ القذارات، وهذا هو الموضوع للحكم بالنجاسة .
وأمّا في المنطقة التي هي حدود فناء المجارير، والتي نشكّ فيها ببقاء التغيّر فهنا نقع في مشكلة وهي : ماذا نستصحب هنا ؟ هل نستصحب كونَ الماء مطلقاً ونستصحبُ طهارتَه ؟ أم نستصحب كون الماء مجارير ونستصحب نجاستَه ؟
الجواب : لا يمكن إجراء استصحاب أحدهما للتعارض، وح فقد تقول إذَنْ تجري أصالة الطهارة وقاعدتها، أقول : نَعَم، هذا صحيح، ولكن مع ذلك يجب ـ على الأحوط ـ اجتنابُ هذه المحوطة قدر المستطاع، وأن نأخذ بالإحتياط في ديننا .

ولو فرضنا حصول أدنى درجات الإضافة، كما لو حصل لون أصفر بعد استهلاك الدم في الماء، فهنا أيضاً لا بدّ من الإحتياط الوجوبي باعتباره نجساً لأنّ هذا اللون الأصفر من فروع لون الدم .

مسألة 8 : إذا انحصر الماء في مضافٍ مخلوطٍ بالطين، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتى يصفو ويصير الطين إلى الأسفل ثم يتوضأ(11)، وفي ضيق الوقت يتيمَّم لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) لا شكّ في وجوب الصبر إلى آخر الوقت وذلك لصدق أنّ عنده ماء ضمن وقت الصلاة ولإستفاضة الروايات في ذلك، فقد روى في الوسائل ما يلي :
1 ـ روى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطّاب) عن صفوان(بن يحيى) عن العلاء(بن رزين القلاّ) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : سمعته يقول : ( إذا لم تجد ماءً وأردتَ التيمم فأخِّرِ التيمُّمَ إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماءُ لم تَفُتْكَ الأرضُ)([31]) صحيحة السند، وهي تقول بوجوب الصبر إلى آخر الوقت، ومثلُها ما بعدها، ووحدة المناط واضحة بين عدم وجود الماء وبين كونه مضافاً، لأنّ المطلوب الماء المطلق لا الماء المضاف ـ كعصير الفواكه أو السبيرتو ـ فإنّ وجوده كعدمه .
2 ـ وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن (عُمَر)ابن أذينة عن زرارة عن أحدهما قال : ( إذا لم يجدِ المسافرُ الماءَ فليطلبْ ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمَّمْ، ولْيُصَلِّ في آخر الوقت ) صحيحة السند .
3 ـ وفي التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس(بن معروف) عن (عبد الله)ابن المغيرة عن عبد الله بن بكير(فطحي ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال قلت له : رَجُلٌ أمَّ قوماً وهو جُنُبٌ وقد تيمَّمَ وهم على طهور، قال : ( لا بأس، فإذا تيمَّمَ الرجلُ فليكن ذلك في آخر الوقت، فإنْ فاتَه الماءُ فلن تَفُوتَه الأرضُ )موثّقة السند، ورواها عبدُ الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن رجلٍ أجنب فلم يجد ماءً، يتيمّم ويصلّي ؟ قال : ( لا، حتى آخر الوقت، إنه إنْ فاته الماءُ لم تَفُتْهُ الأرض ) .
4 ـ وفي التهذيبين باسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن محمد بن سَماعة عن محمد بن حمران(ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : قلت له : رجلٌ تيمّم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يُؤتَى بالماء حين دخل في الصلاة، قال : ( يمضي في الصلاة، واعلمْ أنه ليس ينبغي لأحدٍ أن يتيمَّمَ إلا في آخر الوقت ) مصحّحة السند، والمشكلةُ في (محمد بن سَماعة) فإنه لم يوثّق ولكن البزنطي يروي عنه والبزنطي لا يروي إلاّ عمّن يوثق به، وروايات البزنطي ممّن أجمعت الطائفة على صحّتها، وهي تفيد جواز البَدار أوّل الوقت إلى التيمّم، نعم لا ينبغي ذلك .
أقول : لا بدّ من الأخذ بالروايات السابقة دون هذه الرواية فإنها أكثر عدداً وأقوى سنداً، أو قل هي المشهورة روائياً .
وقد تقول : صحيح أنّ هذه الرواية الأخيرة لا توجب عليك أن تفتي، ولكنها توجب عليك القول بالإحتياط .
أقول : لا، فإنّ العقل أيضاً ـ إضافةً إلى الروايات ـ يحكم بأنه إنِ احتَمَل أن يجد الماءَ في آخر الوقت فعليه ـ إدراكاً للملاك الأتمّ وهو الصلاة عن وضوء ـ أن يَنتظِرَ إلى آخر الوقت .

ثم لا شكّ في أنه مع ضيق الوقت وعدم وجود ماء مطلق يجب عليه التيمّم طبقاً لقاعدة وجوب أن يكون الوضوء بماء مطلق .

مسألة 9 : الماء المطلق بأقسامه ـ حتى الجاري منه ـ يَنْجُسُ إذا تغيَّرَ بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة (الطعم والرائحة واللون)(12) بشرط أن يكون التغيّرُ بملاقاة النجاسة، فلا يتنجس إذا كان بالمجاورة، كما إذا وقعت مَيْتَةٌ قريباً من الماء فصار جائفاً . ويشترط أن يكون التغيُّرُ بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) بالإجماع، وقد استفاضت بذلك الروايات من قبيل ما رواه في ئل([32]) قال :
1 ـ فقد روى في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني(ثقة) عن أبي خالد القمّاط(يزيد، ثقة) أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام ) يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه المَيتة والجيفة ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام ) : ( إن كان الماء قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه ـ أي بأوصاف المَيتة ـ فلا تشرب ولا تتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحه وطعمُه فاشرب وتوضّأ)صحيحة السند .
2 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا (وفيهم عدّة ثقات) عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام ) قال : ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغيّرَ ـ أي بأوصاف النجاسة ـ، ورواها في الإستبصار بإسناده عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام ) قال : ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغيَّرَ ريحه أو طعمه ـ أي بأوصاف النجاسة ـ فيُنزَح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة ) صحيحة السند .
3 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال : سأل رجلٌ أبا عبد الله (عليه السلام ) ـ وأنا حاضر ـ عن غديرٍ أتَوه وفيه جيفةٌ ؟ فقال : ( إن كان الماءُ قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ ) مصحّحة السند، ورواها في الفقيه قال قال : سأل الصادق (عليه السلام ) عن غدير فيه جيفة ؟ فقال : ( إن كان الماء قاهراً لها لا يوجد الريح منه ـ أي لم يتأثّر الماء برائحة الجيفة ـ فتوضّأ واغتسل )، والظاهر أن الشيخ الصدوق لم يَذكر سندَ الرواية لأنه لا يؤمن بأنّ محمد بنَ عيسى بن عبيد يروي عن يونس بن عبد الرحمن .
4 ـ وفي التهذيبين باسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) ([33]) عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابَّةٌ مَيْتَة قد أنتنت ؟ قال : (إذا كان النتنُ الغالبَ على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب ) موثّقة السند .
5 ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن عبد الجبار(ثقة) عن محمد بن سنان(موثّق عندي) عن العلاء بن الفضيل(بن يسار، ثقة) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الحياض يُبال فيها ؟ قال : ( لا بأس إذا غلب لونُ الماء لونَ البول ) مصحّحة السند .
6 ـ محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حَرِيز عن زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام ) : (إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيء تفسخ فيه أو لم يتفسخ، إلا أن يجيئ له ريح تغلب على ريح الماء ) صحيحة السند . قال الحرّ العاملي : "حمله الشيخ على أن المراد إذا بلغ حدَّ الكر، وكذلك أوعية الماء حملها على أنها تسع الكر، لما يأتي من المعارضات الصريحة مع احتمال هذا وأمثاله للتقية فيمكن حمله عليها" . ولا أعرف حجم الراوية، إلاّ أنه قال في لسان العرب : " إنها الوعاء الذي يكون فيه الماء الذي يحمله البعير . ويقال للضعيف الوادع : ما يَرُدُّ الراويةَ أي أنه يَضْعُفُ عن رَدِّها على ثقلها لما عليها من الماء . والراوية هو البعير أو البغل أو الحمار الذي يُستقَى عليه الماء"، ومن مجموع الكلمات يفهم أنّ الراوية هو أقصى ما يحمله البعير وينتقل به من مكان إلى آخر، وهو ما يساوي ـ ظاهراً ـ حوالي البرميل الواحد الذي وزنُه 200 كلغ أي هو يساوي نصف الكرّ تقريباً، ذلك لأنّ وَزْنَ الكرّ هو 393 كلغ، أي أنّ الكرّ أقلّ من برميلين بقليل .
7 ـ وروى في التهذيبين عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد(بن جعفر بن موسى) بن قولويه(صاحب كامل الزيارات) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن حَرِيز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : ( كلَّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيَّرَ الماءُ وتغيَّرَ الطعمُ ـ أي بأوصاف الجيفة ـ فلا تتوضأ منه ولا تشرب )، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حَرِيز عمَّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام ) مثله . وفي صحّة سندها كلامٌ لعلمنا بأنّ حَرِيزاً رواها عن شخصٍ عن الإمام، وإن كان المظنون أنّ الراوي المباشر هو أبو بصير لما سيأتيك في الرواية الآتية . هذا، ولكن بما أنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع فيحكم بصحّة المتن . ومن الواضح أنّ الماء لا يغلب على ريح الجيفة إلاّ إذا كان أكثر من كرّ .
8 ـ وفي التهذيبين أيضاً عن محمد بن محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى(بن عبيد اليقطيني) عن ياسين الضرير(مجهول) عن حَرِيز بن عبد الله عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام ) أنه سُئِل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب ؟ فقال : ( إن تغيَّرَ الماءُ ـ أي بأوصاف البول ـ فلا تتوضّأ منه، وإن لم تغيِّرْه أبوالها فتوضأ منه، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه ) ضعيفة السند .
المهم أنّ هذا الفرع من المسلّمات .

* وأمّا إن تغيّرَ الماءُ لمجاورته للنجاسة فصار نَتِناً فلا دليل على تنجّس الماء، وذلك لأنّ الروايات تفيد نجاسة الماء إن وقعت فيه نجاسةٌ ـ لا إن جاورَتهُ نجاسةٌ فصار الماءُ نتناً ـ فيُبنَى على الطهارة بلا شكّ للإستصحاب ولأصالة الطهارة وقاعدتها .

* إذن مِن خلال الروايات السابقة تعرفُ أنه يُشترَط أن يكون التغيّرُ بأوصاف النجاسة ـ لا بأوصاف المتنجّس ـ كما صرّح بذلك جماعةٌ كثيرة، لأنّ هذا هو المنصرَف إليه من الروايات السابقة . لاحِظْ مثلاً موثّقةَ سَماعة السابقة عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابَّةٌ مَيْتَة قد أنتنت ؟ قال : ( إذا كان النتَنُ ـ أي صفات النجاسة ـ هو الغالبُ على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب )، ومصحّحة العلاء السابقة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الحياض يُبال فيها ؟ قال : ( لا بأس إذا غلب لونُ الماء لونَ البول ـ فالنظرُ إلى صفات النجاسة ـ)، وكذا غيرهما . ومَنشأُ هذا الإنصراف هو أنّ العِبرة عقلاً وعرفاً هو التغيّر بأوصاف النجاسة ـ لا بأوصاف المتنجّس ـ فإنه هو القذِرُ ذاتاً .
نعم، إنْ كان المتنجّس يحمل النجاسة ـ كالمجارير المتنجّسة حينما تقع في البحر ـ وقد تغيّر ماء البحر بأوصاف القذارات المعروفة وصار مضافاً وطغت القذارة على ماء البحر ولم يُستهلَكِ بعدُ في البحر، فإنّ ماء البحر المضاف سيتنجّس ح بلا شكّ لأنه يحمل نجاسات واضحة عقلاً . أو قل : إنّ الروايات السابقة صريحة في أنّ النجاسة تحصل إذا طغت النجاسةُ على الماء، أي صارت واضحةً فيه عرفاً، وما ذلك إلاّ لأنّ القذارةَ أمرٌ عقليّ واضح جداً، أي حتى العقلُ يحكم بأنّ الماء إذا طغت عليه النجاسة صار نجساً قذراً وإن كان كرّاً، وليست القضيّة تعبّديّةً أصلاً .
* * * * *
ولا يشترطُ أن يكون التغيُّرُ بالعين المجرّدة، فالنجاسة الفعلية ولو لم نرها بأعيننا هي نجاسة حقيقية، فلو كان لون الماء المطلق أحمرَ أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم بحيث كان يغيِّرُه بلون الدم لو لم يكن نفس الماء أحمر فإنه ينجس لأنه يتقذّر، وهذا هو المناط في النجاسة(13)، وكذا لو كان الماءُ جائفاً فوقع فيه مَيْتَة بحيث لو لم يكن جائفاً لظَهَرَ تغيُّرُه فإنه ينجس، وذلك لتقذّره واقعاً وإنْ لم يَظْهَرْ لنا تغيُّرُه فعلاً، ففي هذه الصور إذا علم بالتغيّر الفعلي ولكنْ منعَنا مانِعٌ من الإحساس بالقذارة فإنه يحكم بالنجاسة، ومع الشكّ في حصول التغيّر فإنه يحكم بالطهارة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) وذلك لأنّ فَرْضَ المسألةِ هو أنّ الماء الكرّ الأحمر اللون قد تغيّر واقعاً بالدم، وموضوعُ النجاسة في الروايات هو حصول التغيّر بالنجاسة، كما لو كان الماء قذراً بأقذار طاهرة، ووقعت فيه مَيْتَة بحيث لولا قذارة الماء لرأينا أوصاف المَيتة في الماء بأمّ العين، لكن لوجود مانعٍ من الإحساس بها لم نشعر بأوصاف قذارة المَيتة، كما لو كنّا عُمْياً مثلاً، لا، بل نحن ـ في هكذا حالة ـ عُمْيٌ حقيقةً لأننا لم نرَ الواقعَ كما هو مع اعترافنا بالتغيّر وحصول القذارة ... لا، بل كلّ الروايات السابقة تنطبق على موردنا هذا، لأنّ الماء قد تغيّر بأوصاف النجاسة فعلاً، أو قل : طغت النجاسة فعلاً على الماء، فصغرى النجاسة ـ وهو التغيّر بالنجاسة ـ وكبراها ـ وهي حصول النجاسة في حال التغيّر ـ حاصلان ...
المهمّ هو أنّك تفهم من الروايات السابقة أمراً عقلياً واضحاً عند العقلاء وهو أنّ النجاسة هي الخباثة والقذارة إذا طغت على الماء وليست أمراً تعبّدياً .
وبتوضيح أكثر : لو فرضنا وجودَ حوضين متساويين بالحجم وفي كلّ واحد منهما كرّ من الماء وأحدهما مصبوغ بالأحمر والثاني صافٍ ونقيّ، وألقينا في كلّ واحد منهما ليتراً من الدم، وظهر لونُ الدم في الماء النقيّ، بينما لم يظهر في الماء الأحمر، ففي هكذا حالة لو سألت أهل الأرض من المسلمين والكفّار بأننا إذا حكمنا بنجاسة الماء الكرّ النقيّ لتغيُّرِه بلون الدم، فهل نحكم أيضاً بنجاسة الماء الأحمر الذي نعلم بتغيّره واقعاً ولكننا لم نحسّ بتغيّره لمانعيّة وجود صبغ أحمر في الماء ؟ لقالوا بأجمعهم : نحكم بنجاسة الماء الأحمر أيضاً، لأنّ العبرة بالتغيّر الواقعي، أو قل : موضوعُ النجاسة وعلّتُها هو التغيّر بأوصاف النجاسة .

فانظر إلى كلّ الروايات السابقة من قبيل صحيحة أبي خالد القمّاط إن كان الماء قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه ـ ولم يقل إنُ أحسستَ بالتغيّر في ريحه أو طعمه ـ فلا تشربْ ولا تتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحه وطعمُه فاشرب وتوضّأ، فلم يجعل أئمّتنا(عليهم السلام ) العبرةَ في مشاهدتنا نحن للتغيّر، وإنما كانوا دقِيقِين في كل تعبيراتهم فقالوا "إن تغيّر رِيحُ الماءِ أو طعمُه ..." والمفروض أنه قد تغيّر، لكننا نحن ـ لعمانا عن الواقع ـ لم نرَ، وبهذه المقالة قال السيدُ الخوئي .

* وهذا بخلاف ما لو كانت بعض النجاسات خفيفة لا تَطغَى على الماء ـ كما لو شرب إنسانٌ ماءً كثيراً من دون طعام بحيث صار بولُه نظيفاً جداً ـ وقع من هذا البول مقدارٌ كبيرٌ في الماء الكرّ بحيث لو كان بولاً متعارَفاً لغيَّرَ الماءَ الكرّ بأوصاف النجاسة، فإنه في هكذا حالة لا يمكن الحكمُ بنجاسة الماء الكرّ وذلك لعدم معلومية طغيان البول والقذارة والخباثة على الماء، ولك أن تقول : لا دليل على النجاسة في هكذا حالة، فنتمسّك بأصالة الطهارة وقاعدتها، لا بإستصحاب الطهارة، وذلك لعدم وجود الركن الأوّل من أركان الإستصحاب ـ وهو العِلْم بالقذارة والنجاسة ـ .

* وكذا إذا كان التغيّرُ الواقعيّ بالنجاسة مجهولاً فمن الطبيعي أن يُبنَى على الطهارة للإستصحاب في هذه الشبهة الموضوعية، وذلك كما لو فرضنا احمرار الماء الكرّ مثلاً بحيث لم نعلم بتأثير الدم فيه، وكما لو وقعت في الماء الكرّ مَيْتَةٌ في أيام الشتاء فلم تغيّرِ الماءَ، لكنْ لو كانت أيام الصيف لتغيَّرَ الماءُ لسرعة تفسّخ المَيتة في الحرّ ولحكمنا ح بالنجاسة، والأمر واضح فلا نطيل .
مسألة 10 : لو تغيَّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة ـ مثل الحرارة والبرودة والرقّة والغِلْظة والخِفّة والثقل ـ لم ينجس(14).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) هذا صحيح، وذلك لأنّ كبرى الحكم بالنجاسة يحدّدها الشارعُ المقدّس، ولم نعلم من خلال تغيُّرِ الماءِ بغير الأوصاف الثلاثة المعروفة بأنه قد تقذّر شرعاً وتنتّنَ، أوْ قُلْ : لم نعلم بأنّ التغيّر بغير الأوصاف الثلاثة المعروفة ينجّس شرعاً، فنبني على أصالة الطهارة وقاعدتها، لا على الإستصحاب، وذلك لعدم وجود الركن الأوّل من أركان الإستصحاب ـ وهو العِلْمُ بحصول النجاسة سابقاً ـ . هذا ولكن يصعب خارجاً أن يتأثّر الماء بغير أوصاف النجاسة الثلاثة المعروفة ولا يتقذّر الماء خارجاً، فالمسألة أشبه بالفرضية النظرية .

مسألة 11 : لا يعتبر في تنجس الماء أن يصير التغيُّرُ بعين وصف النجَس، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير وصف النجَس ـ كما لو اصفَرَّ الماءُ مثلاً بوقوع الدم فيه ـ فقد تنجس، لأنّ الإصفرار من فروع حمرة الدم، وكذا لو حدث في الماء ـ بسبب وقوع البول أو العَذِرَة مثلاً ـ رائحةٌ أخرى غير رائحتهما، فالمناط تغير أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة، وإن كان من غير سنخ وصف النجس(15).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) وذلك لعدم لزوم حصول التغيّر بنفس أوصاف النجس، وإنما العِبرة ـ في أكثر الروايات الصحيحة السابقة ـ في حصول التغيّر بسبب النجاسة، وهذا أمر عقليّ واضح، وذلك لحصول التقذّر عقلاً . أو قُلْ : ملاحظةُ الروايات تفيد أنّ المسألة علميّة محضة .
لاحِظْ مثلاً أقوالَهم (عليهم السلام ) السابقة إن كان الماءُ قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه ـ أي ولو بأوصاف غير أوصاف النجاسة ولكن كان التغيّر بسبب أوصاف النجاسة ـ فلا تشربْ ولا تتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحه وطعمُه فاشرب وتوضّأ، ومثلُها سائرُ الروايات ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغيّرَ ـ أي ولو بغير أوصاف النجاسة ولكن بسبب أوصاف النجاسة ـ ...

مسألة 12 : لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء ـ وهي النقاوة ـ أو الوصف العرَضي كالحُمرة مثلاً، فلو كان الماء أحمر لعارضٍ عَرَضَ عليه فوقع فيه البول حتى صار أبيضَ مثلاً تنجس، وكذا إذا زال طعمُه العرَضي أو ريحُه العرَضي بسبب النجاسة(16).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16)ذكرنا أكثرَ مِن مرّة أنّ المدقّق في الروايات يلاحظ أنّ المسألة هي في حصول القذارة والنتانة لا غير، ولا شكّ في أنه إذا عُلِم بحصولِ التغيّر ـ المذكور في المتن ـ فقد عُلِم بحصول القذارةِ والنتانة بسبب النجاسة فيُحكَمُ ح بالنجاسة بلا أدنى شكّ . وبتعبير آخر : ليس بالضرورة أن نحكم بالنجاسة إذا تغيّر الماء من خصوص النقاوة إلى الصفرة ـ في الدم مثلاً ـ وإنما هذا التغيّر هو كاشف ـ لا غير ـ عن حصول القذارة والنتانة، فالعِبْرةُ ـ إذَن ـ من علامية التغيّر هي في الكاشفية عن حصول القذارة .

مسألة 13 : لو تَغَيَّرَ طرفٌ مِن الحوض ـ مثلاً ـ تَنَجَّسَ هذا الطرفُ المتغيّر، فإن كان الباقي أقلَّ مِن الكر تَنَجَّسَ الجميعُ ولا يطهر لوحده إن زال التغيّر بعد مدّة . وإن كان الباقي الغير متغيّر بقدر الكرِّ بقي غيرُ المتغيّر على الطهارة، وإذا زال تغيُّرُ ذلك البعضِ المتغيّر ولو لاتصاله بالباقي الكرّ طَهُرَ الجميعُ لكون الباقي كرّاً حتى ولو لم يحصلِ الإمتزاجُ على الأقوى(17).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) هذه مسألة بديهية، لا شكّ فيها، ومثالُ الفرع الثاني : البحرُ الذي يتنجسُ بعضُ أطرافه ثم تزول النجاسة .
إنما الكلام فيما لو زال عنه التغيّر فهل تحصل الطهارة بمجرّد الإتصال بالماء الكرّ أم بحاجة إلى مزجٍ بالماء الكرّ كما يحصل في البحر ؟
فأقول : لا حاجةَ إلى الإمتزاج، وذلك للسيرة القطعيّة من أيام المعصومين (عليهم السلام ) في كلّ الأحواض التي كانت في زمانهم ـ سواء كانت في المساجد أو في الحمّامات العموميّة أو في أحواض الماء التي كانت موجودة في القرى من اجتماع مياه الأمطار ـ فلم يكونوا يمزجون الماء الكرّ إن وقع فيه شيء متنجّس، ولو كان هذا حاصلاً واقعاً لوصَلَنا في الكثير من الروايات مع أنه لم يصلنا لزومُ الإمتزاج ولا في رواية واحدة .
وبتعبير آخر : النجاسةُ ـ كما ذكرنا قبل قليل ـ أمرٌ عِلْميّ عقليّ، فطالما زال التغيّر ـ الذي هو علّة النجاسة ـ من الماء ـ أي صار الماء نقيّاً ـ وهو متّصلٌ بالكرّ فقد حصلت الطهارة حتماً .

نعم، هنا مسألةٌ مهمّة وهي : انهم ـ في المساجد اليوم ـ يخفّفون الماءَ النازِلَ في أحواض الماء كثيراً إلى حدّ أنهم يجعلون الحنفيةَ تُنْزِلُ ماءً أشْبَهَ بالخَيْط، وهذا أشبهُ شيءٍ بالخرافة والأضحوكة، فهذا خارجٌ عن قولهم (عليهم السلام ) (ماء البئر واسع لا ينجّسه شيء إلاّ أن يتغير ريحه أو طعمه فيُنزَحُ حتى يذهب الريح ويطيبَ طعمُه لأنّ له مادّة، فأيّ مادّة هذه النقاطُ القليلة ؟! وهل هذا الماء القليل جداً مِن شأنه أن يُذْهِبُ رِيحَ النجاسةِ أو يُطَيِّبَ طَعْمَ الماء لو وقعت فيه نجاسة ؟! أوْ هل أنّ حصول الإعتصام بهكذا إتصال ضعيفٍ هي مسألةٌ سِحْرِيّةٌ أشبه بالكهرباء، فكما أنّ الماء يتكهرب بمجرّد الإتصال بالكهرباء فهكذا حوض الماء يعتصم بمجرّد الإتصال ولو بالماء القليل ؟! أو هل لك أن تشَبِّهَ نَبْعَ الماءِ الموجودَ في قَعْرِ البئر بهذه الحنفية المفتوحة قليلاً جداً ؟! أو هل هذه تُعْتَبَرُ كماء المطر إذا جَرَى([34]) أو كالماءِ الجاري([35]) ؟!
ولذلك أقول : هذا المقدارُ من القِلّة لا يَرْفَعُ النجاسةَ إلاّ بعد مدّة طويلة من الزمان، ولو من باب استصحاب بقاء القذارة والنجاسة، ومع الشكِّ الأصلُ عدمُ التغيّر إلى النقاوة . وعليه فلو وقعت نجاسةٌ في حوض الماء وخرج الشخصُ من الحوض إلى محلّ الوضوء فإنه سينجّس كلّ شيء .
والأحوط أنْ تُفتحَ الحَنَفِيّةُ بقوّة مع كثرة المصلّين ـ أي في أوّل وقت الصلاة عند قدوم الناس ـ وتخفيف الماء عند رحيلهم . وأحوط شيء أن تكون الأحواض في المساجد أكثر من حجم الكرّ الذي هو 33,67 شبراً مكعّباً بأن تُجْعَلَ الأحواضُ خمسةَ أشبارٍ مثلاً في سبعة أشبار بِعُمُق شبر، وذلك لتُستهلَكَ النجاساتُ فيها، وبذلك نخرج من هذه المشكلة الواقعة في أكثر مساجدنا .
والمشكلةُ الأعظم أنّ أئمّةَ مساجدِنا لا يلتفتون إلى هذا الأمر، فلا ينبّهون عليه !
* * * * *
مسألة 14 : إذا وقع النجَسُ في الماء فلم يتغَيَّرْ ثم تغَيَّرَ بَعد مُدّة، فإن عُلِم استنادُه إلى ذلك النجَس تنجَّسَ، وإلا فلا (18).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) ذكرنا دليلَ ذلك أكثرَ من مرّة وقلنا بأنّ النجاسة أمرٌ علميّ عقلي، فإن عُلِم استنادُ التغيّرِ إلى النجاسة فهذا يعني أنّ الماء قد تقذّر فيُحكَمُ بنجاسته .
وأمّا إنْ حَصَلَ التغيّرُ ولكنْ لم نعلم سببَ ذلك هل هو النجَس لوحده أم شيءٌ آخر طاهر أم مجموع شيئين نجَس وطاهر، فهنا مرجعُ السؤال إلى أنه هل تنجّس الماء أم لا، فلا شكّ في هكذا حالة أنّ الشبهةَ موضوعيّة وح يجري استصحاب الطهارة .
وبِلُغَةٍ اُصوليّة : يجري استصحابُ عدمِ حصول التغيّر بالنجس، وهذا استصحابٌ للعدم الأزليّ في الشبهات الموضوعيّة، وهو ما يعبّرون عنه باستصحاب العَدَمِ النعتي، وذلك لأنّ المستصحَب هو عدم التغيّر ـ أي عدم الصفة ـ وليس الماء .
فإن قلتَ : وكذا الأصلُ عدمُ حصول التغيّرِ بغير النجَس، فيتعارض الأصلان،
قلتُ : هذا الأصلُ الثاني ـ الذي هو أصالة عدم حصول التغيّر بالطاهر ـ أثَرُهُ هو : حصول التغيّرِ بالنجَس، فإذن يُبْنَى على النجاسة .
أقول : هذا ـ أي الأصل الثاني ـ أصلٌ مُثْبِت، لأنه يريد إثباتَ أنّ التغيّر حصل بالنجَس، وهذا أثر تكويني لا تعبّدي، بخلاف الأصل الأوّل الذي يترتّب عليه الطهارة مباشرةً .

مسألة 15 : إذا وقعت المَيتة على طرف الماء الكرّ بحيث وقع جُزءٌ منها في الماء والجزءُ الآخر خارجَ الماء، وتَغَيَّرَ الماءُ بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجس، إلاّ إذا كان الواقعُ داخلَ الماء جزءً صغيراً منها كطرف ذيلها مثلاً أو طرف رِجْلِها فيُبنَى على الطهارة(19).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19)قد تقول : بما أنه لم يثبت ـ عِلميّاً ـ إستنادُ التغيّر إلى الجزء الواقع في الماء، وإنما كان بعض سبب التغيّر من الجيفة الموجودة خارج الماء وبعض السبب من جزء الجيفة الموجود خارج الماء، فيجب ح القول بالطهارة، وذلك لأصالة الطهارة وقاعدتها، وذلك لأنه يجب أن يستند التغيّر إلى الجيفة الموجودة في الماء لا إلى الجيفة المجاورة .
أقول : لكن هذا الكلام لا ينبغي أن يقول به عالِمٌ أو عاقل، وذلك لعدم ملامسة كلّ الجيفة ـ الواقعة في الماء ـ للماء، لأنّ داخلها لا يلامس الماءَ، بل لعلّ الدوابّ إذا ماتت يطفو نصفها أو ربعها على سطح الماء بعد انتفاخها، ورغم ذلك يقال عرفاً بأنّ التغيّر كان بسبب وجود الجيفة في الماء، فالمراد قذارةُ الماء ولو بسبب بعض الجيفة، وقد حصل، فيبعد التعلّق بعدم العلم بحصول القذارة من نصف الجيفة أو ربعها الموجود داخل الماء، فهذا القدر كافٍ عرفاً وعلميّاً في الحكم بالقذارة وبالتالي بالنجاسة، ولا أقلّ من باب الإحتياط الوجوبي في ذلك .
ولك أن تستدلّ على شمول حالتنا هذه للحكم بالنجاسة بإطلاق أقوالهم (عليهم السلام ) السابقة في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه المَيتة والجيفة ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام ) : (إن كان الماء قد تغيَّرَ ريحُه أو طعمُه ـ أي بأوصاف المَيتة ـ فلا تشربْ ولا تتوضأ منه، وإن لم يتغيَّرْ ريحُه وطعمُه فاشرب وتوضّأ )، وأنه سأل رجلٌ أبا عبد الله (عليه السلام ) عن غديرٍ أتَوه وفيه جيفةٌ ؟ فقال : ( إن كان الماءُ قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ )، وعن الماء فيه دابَّةٌ مَيْتَة قد أنتنت ؟ قال : ( إذا كان النتنُ الغالبَ على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب )، وأنه إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيءٌ تفسخ فيه أو لم يتفسخ، إلا أن يجيئ له ريحٌ تغلب على ريح الماء، وأنه كلَّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب، فإذا تغيَّرَ الماءُ وتغيَّرَ الطعمُ فلا تتوضأ منه ولا تشرب، ولم يفصّلِ الإمامُ (عليه السلام ) بما لو كانت المَيتة كلُّها داخل الماء أو بعضها، على أنه غير معلوم أنّ المَيتة تكون دائماً أو غالباً كلّها داخل الماء حتى يدّعى الإنصراف إلى وقوعها في وسط الحوض . بل لعلّ الجراثيم تنسحب إلى المنطقة الملامسة للماء .
نَعَم، إلاّ أن يكون الجزءُ الواقعُ في الماء قليلاً جداً كذَيل الدابّة أو رِجْلِها مثلاً فلا يبعدُ ح دعوى انصرافِ الروايات السابقة عن هكذا حالة فنحكم بالطهارة لا محالة، وذلك للشكّ الواضح في استناد التغيّر والتقذّر إلى الجزء الموجود داخل الماء، فقد يكون التغيّرُ مستنداً إلى مجاورة الدابّة للماء لا إلى الجزء الصغير الموجود في الماء، فنتمسّك باستصحاب الطهارة وأصالتها وقاعدتها .
* * * * *
مسألة 16 : إذا شك في التغَيُّر وعدمه، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر، لم يُحكَم بالنجاسة(20).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) لأصالة عدم التغيّر وعدم كونه بالملاقاة وعدم كون التغيّر بالنجاسة، فتُستصحَبُ الطهارةُ . ونِعْمَ ما قال "لم يُحكَم بالنجاسة" لأنّ الأصلَ عدمُ النجاسة حتى تَثبت، أو قُلْ لأنّ الأصلَ يفيدنا العدمَ ولا يفيدُنا الإيجابَ، فذَكَرَ مُفادَ الأصلِ .

مسألة 17 : إذا وقع في الماء دمٌ وشيءٌ طاهرٌ أحمر فاحْمَرَّ الماءُ بالمجموع، لم يحكم بنجاسته(21).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) يَقصُد أنّ التغيّر لم يكن مستنداً إلى الدم لوحده، فلولا الصِبغُ الأحمر لم يؤثّر الدمُ في تغيير الماء الكرّ، وعليه لا بدّ من الحكم بالطهارة، وذلك لأصالة الطهارة وقاعدتها .
نعم، لو كان بعض مراتب التغيّر ـ كحصول الصفرة مثلاً ـ مستنداً إلى الدم لوحده لوجب الحكم بالنجاسة بلا شكّ .

مسألة 18 : الماءُ المتغيِّرُ ـ سواءً كان قليلاً أو كثيراً ـ إذا زال تغيُّرُهُ بنفسه من غير اتصاله بالكُرّ أو الجاري لم يطهر(22) . نَعَم، الجاري والنابع إذا زال تغَيُّرُه بنفسه طَهُرَ، لاتصاله بالمادة، وكذا البعض من الحوض إذا كان متّصفاً بصفات النجاسة وكان الباقي النقيُّ بقدر الكر فإنه يطهر كما مرّ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) دليلُ المسألة واضح سواءً كان الماء قليلاً أم كثيراً، وإن كان الحكم بالنجاسة في الماء القليل أوضح، إذ لا دليل على الحكم بالطهارة بعد زوال التغيّر، ويكفينا للحكم بالنجاسة التعليلُ في قول الإمام الرضا (عليه السلام ) : ( ماء البئر واسعٌ لا يُفسده شيء إلا أن يتغيّرَ ريحه أو طعمهفيُنزَح حتى ـ أي إلى أنْ ـ يذهبَ الريحُ ويطيبَ طعمُه لأنّ له مادة ) (صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع)، فإنك ترى الحكمَ بالطهارة ح ـ أي في حالة ذهاب الريح وطيب الطعم مع كونه له مادّة ـ أمراً طبيعيّاً جداً، أو قُلْ : إنّ العلّة في الحكم بالطهارة هي اتّصاله بالمادّة . فلو تغيّر لوحده ـ أي من غير اتّصال بمادّة ـ فلا وجه للحكم بطهارته . ولذلك أجمع العلماء على الحكم بالنجاسة فيما لو كان الماء قليلاً، واشتهر الحكمُ بالنجاسة بينهم فيما لو كان كثيراً .
ولك أن تقول : هل زالت القذارةُ بالكليّة أم لا، فتَستصحِب بقاءَها، وهي موضوع النجاسة وعِلّتُها .
ولو فرضنا أنهم وضعوا في الماء بعضَ المعقِّمات بحيث زالت صفاتُ النجاسة وآثارُها فلا شكّ ـ اُصوليّاً ـ في لزوم الحكم بالطهارة ح، لما ذكرناه قبل قليل من كفاية زوال القذارة وآثارها، لكن الكلام في تحقّق الصغرى ـ أي في زوال القذارة ـ فلوجود شكٍّ في ارتفاع القذارة بالكليّة لا بدّ من الحكم ببقائها، وبالتالي يُحكَمُ بالنجاسة .
أمّا قولُه "وكذا البعض من الحوض .." فلا شكّ في صحّته، فإنّه لا شكّ في لزوم البناء على الطهارة إذا زالت القذارة بسبب اتّصال الماء المتغيّر بالكرّ، كما تتغيّر ماء المجارير النجسة في البحار .




[1] من الواضح أنّ المائع المعتصَرَ من الأجسام ـ .كعصير الفواكه ـ لا يطلَق عليه ماء، فلو قلتَ لشخصٍ : "اَعطني ماءً" فأعطاك عصيرَ الرمّان مثلاً لما كان قد أتى بالمطلوب، وهذا تماماً كما لو قلتَ له : "اَعطني عصير الرمّان" فأعطاك عصير البرتقال، فهذه أصنافٌ متغايرة، يجمعها نوعٌ واحد وهو المائع

[2] أمّا قضيّة عدم رافعيته للحدث فأقول : يمكن أن يكون رافعاً للحدث إذا كانت الإضافةُ قليلةً جِداً، وذلك كما لو كان بكثافة ماء البحر وماء السدر والكافور اللذين يغَسَّلُ بهما الميّت والشاي الخفيف ـ .لا كالحليب ـ وذلك لأنه ماءٌ حقيقةً وذاتاً رغم إضافة شيء قليل فيه . وعليه، قد لا يهمّ عدمُ إطلاق إسم الماء عليه بعدما كان ماءً في الواقع ـ أي بنسبة أكثر من 100/95 ـ فيُنظر إلى حقيقة الماء لا إلى إسم الماء، لأنّ الإنسان يتوضّأ ويغتسل بالماء لا بإسم الماء، وإنّ وجود
[3] أقصد بذلك ماءَ الوَردِ التجاري ـ أي الدرجة الثانية ـ لا الأصلي ـ أي الدرجة الاُولى ـ، والفرق بينهما معلوم عند أهل الخبرة وهو أنّ المراد بالدرجة الاُولى ما يستخرج بالغَلْيَة الاُولى ويكون غليظاً ولا يمكن الإغتسال به عادةً لشدّة رائحته وغلاظته ولكونه فيه زيت .
[6] لم يوثّق، إلاّ أنّ الشيخ الصدوق يروي عنه في الفقيه مباشرةً، وقد قال بأنه أخذ رواياته من الكتب التي عليها المعوّل وإليها المرجع، فعلى هذا ينبغي أن يكون صاحب هكذا كتاب ـ يعوّلُ عليه الشيعة ويرجعون إليه ـ ثقة وإلاّ لا يصحّ التعويل على كتابه والرجوع إليه، وإنما يكون قرينة فقط، وبتعبير أوضح : القدر المتيقّن أن يكون صاحب الكتاب على الأقلّ ثقة . هذا ولكننا ـ .رغم ذلك ـ لا نفتي على أساس روايته إلاّ إذا اقترنت الرواية بما يوجب الإطمئنان والوثوق .
[11] تجد هذه الروايات في الوسائل باب 25 من أبواب النجاسات. وتجدها ايضا
[14] وسائل الشيعة ج 2 ص 1002 . والمِرْكَن هو الطشت الذي تُغسل به الثياب .
[15] وسائل الشيعة ج 1 ص 103 . ح 1 من باب 3 من ابواب الماء المطلق .
[16] خلاصة بيان مذهب البترية أنهم يتولّون عليّاً والحسن والحسين عليهم السلام. ويدْعون إلى ولايتهم، ولكنهم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، بل ويثبتون لهما الإمامة أيضاً، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع بطون وُلْدِ علي بن أبي طالب، بل ويعتبرون الخارج منهم بالسيف إماماً .
[17] وسائل ج 1 ص 149 ب 4 من أبواب الماء المضاف .
[18] وسائل ج 1 ص 108 ب 6 من أبواب الماء المطلق ح 1 . .
[19] وسائل ج 1 ص 109 قال الشيخ الصدوق في الفقيه : "كلّ ما كان في هذا الكتاب عن عليّ بن جعفر فقد رويتُه عن أبي عن محمد بن يحيى العطّار عن العَمْرَكِي بن علي البُوفَكي عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام. ورويته عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه عن محمد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله جميعاً عن أحمد بن محمد بن عيسى والفضل بن عامر عن موسى بن القاسم البجليّ عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام.، وكذلك جميع كتاب عليّ بن جعفر قد رويته بهذا الإسناد" إنتهى . أقول : كلا السندين صحيح .
[22] وسائل ج 2 ص 1033 باب 25 من أبواب النجاسات..
[23] وسائل ج 2 ص 1033 ثقة لرواية صفوان وابن أبي عمير عنه بأسانيد صحيحة..
[24] وسائل ج 2 ص 1033 فيه كلام طويل، خلاصته أنه لا يُعتمد عليه، لا أقل للتعارض بين توثيق الشيخ في كتاب العدّة له ورواية ابن أبي عمير والبزنطي بأسانيد صحيحة عنه من جهة، ومن جهةٍ اُخرى يقول محمد بن مسعود ـ .في الموثقة ـ : حدّثني علي بن الحسن بن فضّال قال : علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم، ونحوها من الروايات .
[25] وسائل ج 2 ص 1033 طين أحمر يُصبغ به .
[26] وسائل ج 2 ص 1048 ب 32 من أبواب النجاسات..
[30] الحُبّ ـ بضمّ الحاء ـ هو الخابية أي الجرّة الكبيرة، وهو الذي يُجعل فيه الماء. لسان العرب .
[31] وسائل ج 2 ص 993 ـ 994 ب 22 من أبواب التيمّم ..
[32] الوسائل 1 ص 102 ـ 109 ب 3 من أبواب الماء المطلق ص 102 ـ 109 ..
[33] صرّح الشيخُ الصدوق بأنّ سَماعة بن مِهْران واقفيّ، أي وقف على الإمام الكاظم عليه السلام ولم يقل بإمامة الإمام الرضا عليه السلام، ثم تبعه في ذلك الشيخ في رجاله . أقول : هذا عجيب، إذ كيف ـ مع وقْفِه ـ يصفه النجاشيّ بأنه ثقة ثقة ! وهو مَدْحٌ لا يستحقُّه الواقِفَةُ لعنهم الله، ويصفه الشيخ المفيد بأنه "من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم"، ولم يتعرّض لوقفه البرقيُّ ولا الكشّي ولا إبن الغضائري !! بل في كلّيّات في علم الرجال ـ للشيخ جعفر السبحاني ص 413 ـ أنه مات في زمان الكاظم عليه السلام ! فكيف يكون قد وقف على الإمام الكاظم ! ولم يقل بإمامة الرضا عليه السلام ؟!! ولذلك لن ترانا نقول بوَقْفِه، إلاّ أننا ـ مع ذلك ومع الإعتذار من سَماعة ـ لعلّنا نَصِفُ رواياتِه بالـ موثّقة أحياناً سَيراً مع القوم أو قل مسايرةً لهم ولاحتمال وقْفِه، ولو كان احتمالُ وقْفِه في غاية الضعف، ولا ضير في هكذا إصطلاحات، بعد كون الموثّقةِ حجّةً كالصحيحة . .
[34] راجع ئل 1 ب 6 من أبواب الماء المطلق ترى كلّ الروايات الصحيحة تفيد بأنّ العبرة في تطهير ماء المطر إذا كان أكثر من النجاسة وكان يجري، وليست المسألة تعبّديّة، وإنما هي علميّة وعقليّة محضة .
[35] روى في الكافي عن الحسين بن محمدبن عامر بن عِمران : أبي عبد الله الأشعري ثقة عن عمّهعبد الله بن عامربن عِمران : من وجوه أصحابنا ثقة عن علي بن مهزيار عن محمد بن اسماعيلبن بزيع عن حنّانبن سدير واقفي ثقة قال : سمعت رجلاً يقول لأبي عبد الله عليه السلام : إني أدخل الحمّام في السَّحَر وفيه الجنب وغيرُ ذلك، فأقوم فأغتسل فينتضح عليّ ـ .بعدما أَفرَغُ ـ مِن مائهم ؟ قال : أليس هو جارٍ ؟ قلت : بلى، قال : لا بأس موثّقة السند .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo