< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم ما لو كان الدين من السنوات السابقة:

تحدثنا حول الديون التي تثبت في الذمة في عام الربح مقارنا لظهور الربح أو متأخرا عنه، وأما الديون التي ثبتت في ذمة الانسان من السنوات السابقة فالظاهر من عبارات الفقهاء أن بعضا منهم قد اشترطوا احتسابه من المؤونة واستثنائه من الربح، بشرط واحد و بعضا أخر بشرطين.

الشرط الأول: هو أداء الدين في عام الربح، والشرط الثاني هو عدم التمكن من الأداء في السنوات السابقة.

أما بالنسبة الى الشراء الأول فكثير منهم قد صرحوا باشتراطه، وكأنهم بهذا الشرط قد فصلوا بين ما أداه في سنة الربح فيحسب من المؤونة ويستثنى من ربح السنة، وبين ما لو لم يؤده الى انقضاء عام الربح فلا يحسب من المؤونة ولا يستثنى من الربح.

وهذا التفصيل هو الذي صرّح به السيد الإمام (ره) حينما قال:

وكذا الحاصل بالاستقراض والنسيئة وغير ذلك إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح، فإنه من المؤونة على الأقوى خصوصا إذا كانت تلك السنة وقت أدائه..

فهذا الشرط قد أقر به المشهور، وإن لم يقل به البعض كالسيد الخوئي لأنه يقول بعدم استثناء الديون السابقة من أرباح السنة: يقول:

المقام الثاني: فيما إذا كان الدين من السنين السابقة. ولا ينبغي الشكّ في عدم استثنائه من أرباح هذه السنة، لأنّ المستثنى منها خصوص ما يعدّ من مؤن هذه السنة، ولا ريب أنّ ديون السنين السابقة ـ حتى ما كانت لأجل مؤونتها فضلاً عمّا كانت لغير المؤونة ـ لا تكون من مؤونة هذه السنة، فالاستثناء لا يثبت جزما[1] .

ولكن ما قاله السيد الإمام (ره) و غيره في مقام التفصيل هو مقتضى التحقيق في الديون السابقة على عام الربح.

وأما الوجه في التفصيل الذي قلناه به هو صدق عنوان صرف الربح في مؤونة السنة على الفرض الأول وهو أداء الدين في عام الربح وعدم صدق العنوان على الفرض الثاني وهو عدم أداء الدين في عام الربح.

لأن المهم في هذا هو صدق العنوان عند العرف، وواضح أن العرف يحكم بأن أداء الدين بنفسه يحسب مؤونة من دون تقييد بمنشأ الاستدانة، مثلا استدانة لمؤونة السنة أو السنوات السابقة.

هذا هو المهم في مقتضى التحقيق.

وأما الشرط الثاني: وهو عدم التمكن من أداء الدين السابق في السنوات السابقة، وبقي إلى سنة الربح، في هذا الفرض وبعد حصول هذا الشرط يمكن القول باستثنائه من الربح واحتسابه من المؤونة، وأما لو كان متمكنا من الأداء ولم يؤده لا يستثنى من الربح .

هذا هو الذي قال به السيد اليزدي في العروة: أداء الدين من المؤونة إذا كان في عام حصول الربح أو كان سابقا‌ ولكن لم يتمكن من أدائه إلى عام حصول الربح ....

نعم إن السيد يقول بجواز الاستثناء بشرط عدم تمكنه من الأداء في السنوات السابقة إلى عام الربح.

هذا الشرط قد وقع موقع الاشكال من جانب بعض الاعلام كالسيد الخوئي فأشكل على السيد اليزدي وقال:

(ولم يظهر لنا وجه لهذا التقييد ، إذ لا مدخل للتمكّن وعدمه في هذا الحكم ، بل العبرة بصدق كون الأداء المزبور مؤونة لهذه السنة، فإن ثبت بحيث صدق على صرف الربح فيه أ نّه صرفه في المؤونة جاز استثناؤه ، وإلاّ فلا .ولا يناط ذلك بعدم التمكّن السابق بوجه كما هو الحال في بقيّة المؤن ، فلو تزوّج أو اشترى داراً من أرباحه ولو مع التمكّن من الصرف من مال آخر صدق عليه بالضرورة أ نّه قد صرف الربح في المؤونة ، فالتمكّن المزبور أو عدمه سيّان في هذا الحكم وأجنبيّان عن صدق الصرف في المؤونة جزماً ، فلا فرق إذن بين الصورتين أبداً .والظاهر تحقّق الصدق المذكور ، فإنّ منشأ هذا الدين وإن كان قد تحقّق سابقاً إلاّ أنّه بنفسه مؤونة فعليّة ، لاشتغال الذمّة به ولزوم الخروج عن عهدته ، سيّما مع مطالبة الدائن ، بل هو حينئذ من أظهر مصاديق المؤونة ، غايته أنّ سببه أمر سابق من استدانة أو إتلاف مال أحد أو ضرب أو قتل بحيث اشتغلت الذمّة بالبدل أو الدية ، فالسبق إنّما هو في السبب لا في المسبّب ، بل المسبّب ـ أعن : كونه مؤونة ـ متحقّق بالفعل .فهو نظير من كان مريضاً سابقاً ولم يكن متمكّناً من علاج نفسه إلاّ في هذه السنة ، أو كان متمكّناً وأخّر عامداً ، فإنّه على التقديرين إذا صرف من أرباح هذه السنة في معالجة نفسه فقد صرفه في مؤونته وإن كان سببها المرض

السابق ، فليست العبرة بسبق السبب ، بل الاعتبار بفعليّة المؤونة وهي صادقة حسبما عرفت). [2]

وأيضا اعترض عدد من الفقهاء في الحاشية على السيد، وعلى التقييد بعدم التمكن، منهم السيد الإمام (ره)، و السيد الحكيم والسيد البروجردي والكلبايكاني قالوا: بل وإن تمكّن.[3]

وهناك إشكال آخر نشأ من منظار جديد وهو الالتفات الى موضوعية الأداء والوفاء في الدين أو طريقية الأداء والوفاء.

يعني هل يكون لأداء الدين في عام الربح خصوصية أو لا بل الأداء هو الطريق الى منشأ الدين؟

 

لعل ظاهر عبارة السيد يدل على أنه ليس المعيار بالوفاء وأداء الدين بنحو الموضوعية، بل الدين ينظر إليه بنحو الطريقية والاستطراق الى منشأه، فإذا كان ذلك في سنة الربح كان من مؤونات تلك السنة، وإذا كان من السابق فهو مؤونة السنة السابقة، الّا اذا كان غير متمكن من وفائه.

هذا هو مضمون ما قاله السيد الهاشمي الشاهرودي في كتابه الخمس تحليلا لكلام السيد اليزدي واستلهاما من تعليقة أستاذه الشهيد محمد باقر الصدر.

وبعد تحليل كلام السيد اليزدي والإشارة إلى اعتراض جملة من الأعلام على السيد اليزدي بأن مجرد سبق منشأ اشتغال الذمة وعدمه لا دخل له في صدق المؤونة على نفس الوفاء وفك الذمة والخروج عن عهدة الدين، الذي هو غرض شرعي وعقلائي في كل آن، نظير ما إذا كان سبب مرضه سابقا وكان متمكنا من علاجه ولكنه لم يعالجه، فانه لا إشكال في صدق المؤونة على علاجه في أي سنة كان.

بعد ذلك يتصدى السيد الشاهرودي للدفاع عن السيد اليزدي ويبين بأن الاعتراض غير وجيه، لأن اداء الدين يختلف عن الحاجات التكوينية الأخرى، وذلك لأن تلك الحاجات تكون بنفسها وعلى نحو الموضوعية مؤونة متى ما تحققت بخلاف باب الدين، فإنه وإن كان يستبطن شغل الذمة والذي يريد الانسان رفعه والتخلص عنه، الّا انه في نفس الوقت يلحظ العرف بأن اشتغال الذمة هذا كان في قبال مال آخر قد صرف سابقا في شأن من الشؤون، وإن الوفاء كأنه نحو مبادلة بين مال الوفاء ومقابل ذلك الدين، وهذه الخصوصية تجعل العرف ينظر الى اداء الدين بنظرة طريقية، فكأن مال الوفاء مصروف في مقابل الدين، فإذا كان ذلك من مؤونات سنة الربح كان مستثنى من الخمس والّا فلا[4] .

فعلى أي حال الحق أن بعد التحقيق في المسألة أن الأداء و الوفاء لا خصوصية له ولا يكون معيارا بل المعيار هو صدق صرف المال في مؤونة السنة، دينا أو عينا، وأداء الدين من أبرز مصاديق ما يحتاج إليه خلال السنة، فلا نقول بالفرق بين التمكن و عدم التمكن بل المهم صدق العنوان.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo