< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم ما لو مات المكتسب أثناء الحول:

يقول السيد الإمام:

المسألة الثامنة عشرة: لو مات في أثناء حول الربح، سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت [1] .

ذكر الفقهاء هذه المسألة في باب خمس الأرباح واستثناء المؤونة، وتعرضوا لبيان حكمها والحديث حولها، ويمكن القول بأنها من المسائل التي اتفق عليها الفقهاء ولا يوجد فيهم مخالف، بدليل اتفاق الفقهاء الذين تعرضوا لها، وموافقتهم لما ذكره السيد اليزدي في العروة إذ لم يعلق عليه أحد منهم إلى يومنا هذا، فقد جعلوها موضعاً للقبول.

قال السید اليزدي:

إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح‌ سقط اعتبار المؤونة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة‌. [2]

فهذه المسألة ذكرها الفقهاء بعد السيد في كتبهم وتعليقتهم على العروة الوثقى، كما هو سيرة الفقهاء المعاصرين أيضاً إذ يذكرون في تعليقاتهم عليها كل ما يخالف رأي السيد، ولكنهم لم يذكروا تعليقة واحدة على هذه المسألة.

ويقول المحقق النراقي في المستند ضمن البحث حول فورية إخراج الخمس بعد حصول الربح، أو عدم فوريته: وهل وجوبه فيه بعد حصوله فوريّ مضيّق أم لا؟ ثم ذكر فروعاً... إلى أن قال:

(لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح وقبل التموّن به كلاّ أو بعضا‌ ، يخمّس ما بقي منه ، لظهور أنّه لا مؤونة له غير ما تموّن) [3] .

فالمسألة من جهة الأقوال لا تحتاج إلى مزيدٍ من البيان، لأنها واضحة، وأما الحكم الذي ذكره السيد الإمام وسائر الفقهاء من أنه لو مات المكتسب أثناء حول الربح لا تستثنى المؤونة في باقي أيام سنة الربح، يحتاج إلى الالتفات إلى عدة نقاط، وبعد الالتفات إليها ستتضح المسألة ولا تحتاج إلى ذكر دليل جديد، بما أن الأدلة في المقام نفس الأدلة التي ذكرناها من قبل.

النقطة الأولى: هل الاعتبار في استثناء المؤونة بالمؤونة التقديرية أو الفعلية؟

قد بينا سابقاً أن المراد من المؤونة، وصدق عنوان المؤونة هو المؤونة الفعلية، لا التقديرية، وهذا هو المقصود من كلام السيد الإمام والسيد اليزدي وغيرهما، كما صرح به السيد الإمام وذكرنا نصه في محله ولكنه ينبغي الإشارة إليه هنا:

قال السيد الإمام:

(والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلًا، لا مقدارها، فلو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يحسب مقداره منها، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي‌ء كالحجّ أو أداء دين أو كفّارة ونحوها ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه لم يحسب مقداره منها على الأقوى). [4]

کما ظهر من عبارة السید الإمام أن المراد من المؤونة، هي المؤونة الفعلية، وليس المراد المؤونة التقديرية، يعني أن ما صرفه يعتبر من المؤونة وإن كان ربما يمكن أن تكون حاجته أكثر مما صرفه.

لأنه يمكن أن يكون لائقاً بشأنه صرف مبلغ معين ولكنه قتّر على نفسه ولم یصرفه، فلا يحسب المبلغ التقديري، بل یحسب المبلغ الفعلي الذي صرفه.

أو قد يتبرّع له متبرّع فلا يحسب له مقدار ما تبرّع به كذلك؛ لعدم تحقّق المؤونة الفعليّة منه، حتى أن السيد الإمام زاد في القضية وذكر في المتن أنّه (لو وجب عليه صرف مال في أثناء السنة لحصول الاستطاعة الموجبة للحجّ أو لأداء الدين أو للوفاء بالنذر أو مثله، ولكنّه لم يصرف في هذه الأُمور عصياناً أو نسياناً أو نحوهما) لا يبعد فيه عدم الاستثناء؛ وذلك لأنّ وجوب الصرف لا يقتضي تحقّق المؤونة الفعلية.

وأما السيد اليزدي فرأيه نفس رأي الإمام ويظهر ذلك من إطلاق عبارته كما فهم ذلك السيد الخوئي في حاشيته على كلام السيد.

نعم إن السيد الخوئي ره قد أشكل على السيد اليزدي في التفصيل بين اللائق بشأن الإنسان، وغير اللائق بشأنه في الأمور الدينية والمعنوية والقربية، ولكنه لم يشكل عليه من جهة فعلية المؤونة.

وقد ذكرنا ذلك في موضعه، كما ذكرنا الرد على إشكال السيد الخوئي، والدفاع عن السيد الإمام، والسيد اليزدي (ره) فراجع.

فإذن: المسألة من هذه الجهة واضحة، ورأي الفقهاء في ذلك مستند إلى هذا المعيار، ولا يرد عليه إشكال.

النقطة الثانية: استثناء المؤونة أولاً من الربح، وثانياً لأجل ما يحتاج إليه الرابح، وهذا واضح، وفيما نحن فيه هل يوجد رابح حتى نقول باستثناء ما يحتاج من الربح عن تعلق الخمس؟

المفروض أن المكتسب (أي الرابح) قد مات في أثناء حول الربح، وبعد وفاته لا يوجد رابح حتى نقول باستثناء مؤونته عن الربح في تعلق الخمس، وبالتالي في فرض عدم وجود الرابح والمكتسب لا يمكن القول بالاستثناء، لأن القضية سالبة بانتفاء الموضوع.

و هذه النقطة أيضاً بعد الالتفات إليها لا تحتاج إلى المزيد من البيان ولا إلى ذكر الدليل.

فإن قيل: نعم إن الرابح قد انتقل إلى رحمة الله ومات، ولكن عياله وورثته موجودون ويحتاجون إلى المؤونة فلماذا لا نقول بالاستثناء؟

كان قولنا في الإجابة: نعم إن عياله موجودون، ولكن الإنسان مادام حياً مسؤولٌ عن عياله، ونفقة عياله، ومؤونة عياله، وغيرها، ولكنه بعد موته ليس مسؤولاً عن مؤونتهم، بل المال ينتقل بموته إليهم.

فخلاصة القول: إذا مات الإنسان الذي له ربح فهو لا يحتاج إلى مؤونة، وهو غير مسؤول عن عياله بعد الموت، وبما أنه قد ربح في تجارته، أو جاءته أرباحٌ اتّفاقية فالخمس واجب فيها بلا شك.

بقي هنا أمرٌ:

وهو أن الشيء الذي بقي هنا هو عبارة عن مؤونة تجهيز الميت وتكفينه ودفنه، هل يمكن القول باستثنائه من الأرباح أم لا؟

نعم من الواضح أن الرابح بعد موته لا يتصور له صدق المؤونة الدنيوية كالأكل والشرب والسكن وغيرها، والعنوان أيضاً لا يشمل المؤونة التقديرية، بل يشمل الفعلية فقط، وهو أيضاً غير مسؤول عن عياله بعد موته. ولكنه بعد موته بحاجة إلى الغسل والكفن والدفن، ولاشك في صدق عنوان المؤونة على هذه الموارد، والقول باستثناء مؤونة تجهيز الميت بالمقدار الواجب من الربح وعدم القول بتعلق الخمس فيها.

وذلك لما قد ثبت في الفقه بأن أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين، وفیما نحن فیه الكفن هو من جملة تجهيز الميّت ومثال لها.

فما یصرف في تجهیز المیت بالمقدار الواجب مع مراعاة شأنه فهو من المؤونة وتستثنى من الربح.

مضافاً إلى ذلك أن دليل (الخمس بعد المؤونة) يقول: الخمس بعد المؤونة المستخرجة من الربح، ولم يقل إن الخمس بعد مؤونة الحيّ، حتى يقال بأنها مختصة بالحيّ.

هذا تمام ما يقال في المسألة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo