< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إيراد على كلام السيد الخوئي (قدس سره)

كما قلنا: إن السيد الخوئي (قده) في شرحه على العروة الوثقى خالف رأي السيد اليزدي وقال بعدم وجوب الخمس فيما إذا زاد ما اشتراه للمؤونة وبقي بعد تمام الحول من دون فرق بين صورتي الاستغناء وعدم الاستغناء، مستدلاً بالقاعدة الأصولية (تخصيص العام الأفرادي دون الأزماني).

و السيد قد بذل جهده لتطبيق القاعدة على ما نحن فيه؛ بين عمومية دليل وجوب الخمس، وبين الدليل المخصص الدال على استثناء المؤونة من عمومية الحكم، وعمومية شمول الدليل.

أي إن الدليل العام وهو قوله تعالى: ﴿وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ‌ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه‌..﴾ [1]

أو رواية سماعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: (فِي‌ كُلِ‌ مَا أَفَادَ النَّاسُ‌ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِير)[2] ، وهو يدل على وجوب الخمس في الفائدة ومطلق الربح.

وأما دليل الخمس فيستثني المؤونة، أي أنه يدل على تخصيص الفرد الذي يعتبر مؤونة، فهو خارج عن عمومية وجوب الخمس بالدليل المخصص، واستظهر السيد الخوئي بأن هذا عام أفرادي، وليس عامّاً أزمانياً، يعني أنّه قد خرج بكونه مؤونة عن وجوب الخمس، وليس تابعاً لزمان دون زمان.

فإذا قلنا بذلك فلابد من القول في فرض خروج العين المشتراة للمؤونة عن الحاجة، بعدم دخولها تحت العام، لأنها خرجت عنه بسبب الدليل المخصص الذي أخرجها كمفردة، ولم يخرجها في زمان معين فقط، وما أُخرِج من الدليل فكيف يمكن القول بشمول الدليل له بعد زمان؟! لأن الدخول بعد الخروج يحتاج إلى دليل وهو غير موجود، فهذا المورد غير المورد الأول.

ولكي يوضح السيد استدلاله ذكر مثالاً، وشبّه المورد بذلك المثال.

قال السید: وأمّا إذا كان أفراديّاً بأن أخرج فرداً عرضيّاً من أفراد العامّ، كخروج زيد عن عموم وجوب إكرام العلماء، فإنّه خارج عن موضوع ذلك البحث، فإذا خرج زيد ولو في زمان واحد يؤخذ بإطلاق الدليل المخصّص المقدّم على عموم العامّ، لعدم كون زيد فردين من أفراد العام كما لا يخفى، فسواء أكان الزمان مفرداً أم لا لا مجال للتمسّك فيه بأصالة العموم، بل المرجع أصالة البراءة عن تعلّق الحكم به ثانياً.

ونحن نقول في مقام الإيراد على قول السيد الخوئي (قدس سره) بأن هذه القاعدة أصلها من مسلّمات أصول الفقه، ولا غبار عليها، وإن كان للأصوليين فيها مباحث عديدة فهي في بعض جوانب البحث فيها، لا في نفس القاعدة.

وأما تطبيقها على ما نحن فيه فمورد إشكال وإيراد، لأن المورد أولاً ليس كمورد خروج زيد بسبب الدليل المخصص وهو (لا تكرم زيداً) عن عموم وجوب إكرام العلماء بسبب الدليل العام وهو (أكرم العلماء) بل إنّ ما نحن فيه وهو عنوان المؤونة في الدليل المخصص وهو (الخمس بعد المؤونة) كمورد وعنوان فساق العلماء في الدليل المخصص وهو (لا تكرم فساق العلماء) في مقابل الدليل العام الدال على وجوب إكرام العلماء وهو (أكرم العلماء).

لأن هذا العنوان صدقه يدور مدار الحدوث والبقاء معاً، ولا يدور مدار الحدوث فقط.

أي إن زيداً العالم في هذا الفرض الذي فرضنا أنه كان فاسقا في زمانٍ بارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة، ثم تاب ورجع وزال عنه عنوان الفاسق، بل أحدث له عنوان العادل، فهل يمكن القول بشمول الدليل المخصص الذي كان يشمله حين صدق عنوان الفاسق عليه؟ أو لا؟

الجواب: طبعاً لا.

لأن المخصص يخرِج من يصدق عليه عنوان الفاسق حدوثاً وبقاءً، ولا يخرِج من يصدق عليه عنوان الفاسق حدوثاً فقط.

وأما المثال الذي ذكره السيد الخوئي في المقام مثل خروج زيد بسبب الدليل المخصص (لا تكرم زيداً) فهو أجنبي عما نحن فيه، لأن من تأمل فيها يظهر له أن زيداً اسم، وعلمٌ لذات هذا الشخص، ومن الواضح أن الذات لا تقبل الزوال إلا بعد زوالها عن الوجود، ولا تزول بزوال صفاتها، بل إن زيداً هو زيد بنفسه سواء كان عالماً أم جاهلاً، فاسقاً كان أم عادلا.

فلذلك فإن تطبيق السيد الخوئي (قدس سره) القاعدة على ما نحن فيه غير صحيح.

مضافاً إلى ذلك ليس عنوان المؤونة عنواناً مشيراً مثل (إلا هذا الجالس) كي يقول البعض بأن العنوان المشير لا يدل على خصوصية العنوان، أي أن الجلوس لا خصوصية له في المقام، بل العنوان هنا عنوان حقيقي، وله خصوصية واضحة، وهو الحاجة بعد الاستغناء، لأنّ المؤونة تدور مدار الحاجة، وفي فرض الخروج عن الحاجة يدخل تحت العام وهو وجوب الخمس في كل ربح وفائدة.

لتوضيح المسألة أكثر ينبغي أن نتأمل في الآييتين الكريمتين الآتيتين، وتنظير المسألة بموضوع وجوب الجهاد على الجميع في فرض معين واستثناء بعض العناوين كالمريض وغيره:

قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأَمْوَالِکُمْ وأَنْفُسِکُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذٰلِکُمْ خَيْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌﴾ [3]

هذه الآية خاصة بمورد تكون فيه الدولة الإسلامية أو الأمة الإسلامية في حرب وخطر عظيم، وهي بحاجة إلى الدفاع العام في جانب معين، وبالتالي في هذا الفرض يجب الجهاد على الجميع.

و أما بعد عدة آيات من نفس السورة فيبدأ تعالى ببيان بعض الاستثناءات فيقول عزّ من قائل:

﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ولاَ عَلَى الْمَرْضَى ولاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * ولاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْکَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُکُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [4]

وكما ترون فيوجد هنا دليلٌ عامٌّ ودليلٌ آخر مخصص، والدليل العام يدل على وجوب الجهاد في فرض معين على الجميع، وأما المخصص فيُخرِج بعضَ الطوائف، مثل الضعفاء والمرضي وغيرهما عن الحكم العام.

وعليه لابد من أن نسأل السيد الخوئي: هل يمكن إجراء دليل العام الأفرادي هنا والتمسك بإطلاق الدليل الخاص؟ وعلى فرض إجراء ذلك هل يمكن الالتزام بنتيجة الإجراء أو لا؟

ومن الواضح أن الجواب لا، فلا يمكن الالتزام بالنتيجة.

لأن المريض الذي سقط عنه الوجوب بحكم الدليل المخصص لو شفي وبرئ من المرض حين الجهاد، أو قبل الجهاد ألا يجب عليه الجهاد؟ أم يجب عليه قطعا؟!

فهل يمكن القول بجريان أصالة البراءة، لا رفع وجوب الجهاد عنه، أو جريان الاستصحاب، أو القول بأن وجوب الجهاد على هذا الشخص الذي برئ من المرض ومن الضعف يحتاج إلى دليل جديد، ولا يشمله الدليل العام؟!

وهناك أمثلة عديدة يمكن ذكرها في المقام مثل ما إذا امتلك شخصٌ بيتاً ومنزلاً، وكان يعتبر من المؤونة ويصدق عليه العنوان، ثم بعد فترة تمكن من اشتراء بيت جديد أوسع من الأول، فاشتراه وانتقل من الأول إلى الثاني، وخصص الأول للإيجار والتجارة، وبذلك خرجت العين (البيت) من الحاجة، ومن المؤونة، فهل يمكن القول بعدم وجوب الخمس على المنزل الأول؟ الجواب: طبعاً لا.

فبناء على ذلك إن كلام السيد الخوئي (رض) لا يمكن الالتزام به، بل لا شك في شمول الدليل العام لما نحن فيه إذا خرجت العين عن الحاجة وعدم صدق عنوان المؤونة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo