< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المراد من المؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله:

إن السيد الامام بعد بيان استثناء مؤونة التحصيل ومؤونة نفسه وعياله عما يتعلق به الخمس، بدأ ببيان وتعيين المراد من المؤونة التي تستثنى من الربح، ويقول في ذلك:

مسألة 11 المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله الواجب النفقة وغيره، ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته، والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفيّة. نعم، يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً وسرفاً، فلو زاد على ذلك لا يحسب منها، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسبة لمثله؛ لا صرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله، بل لا يخلو لزومها من قوّة. نعم، التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة.

والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلًا لا مقدارها، فلو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يحسب مقداره منها، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي‌ء كالحجّ أو أداء دين أو كفّارة ونحوها ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه لم يحسب مقداره منها على الأقوى. [1]

فالذي يظهر لنا أن المسألة هنا تتكفل بيان أمرين:

الأول: بيان حقيقة المؤونة، كما بينها في صدر بيانها. وفي هذا المقام:

أولا: قد عمم المراد من المؤونة بين ما ينفقها في الأمور الدنيوية والأخروية والمادية والمعنوية في جميع شوونه الفردية والاجتماعية بحيث يشمل الهدايا والجوائز والصدقات والزيارات غيرها.

وثانياً: قد خصص المؤونة بأنّها لا بد من أن لا تبلغ حدّ السفه والإسراف، يعني يجب كونها حداً وسطاً ولائقاً بشأنه، لأن شأن الأشخاص يختلف في صرف المؤونات وإنفاقها، وكذلك تطبيق المورد على الاسراف يختلف باختلاف الأشخاص. فالإسراف لايكون حداً واضحاً بالنسبة إلى الجميع كما أن الانفاق أيضاً كذلك.

فربّ مؤونة تكون إسرافاً بالإضافة إلى شخص ولا يکون إسرافا بالاضافة الى آخر، نظراً إلى أنّ الشخص الواحد ولو كان في حالة واحدة من جهة الفقر والغني يمكن له أن يعيش في الرتبة الأعلى بحسب حاله، ويمكن له أن يعيش في الرتبة الأدنى، ولا يخرج شي‌ء منهما عن مقتضى حاله ورعاية شأنه، لكن رعاية الحدّ المتوسّط لا شبهة فيه.

نعم ن السيد الامام في نفس الوقت الذي خصص فيه المؤونة برعاية الحد الوسط فقد عمم هذا الشرط حتى يشمل الأمور المعنوية من الزيارات والصدقات وغيرها.

أي في الأمور المعنوية و القربية لا بد من رعاية الشأن والحد الوسط.

فمثلاً من كان من شأنه ومن المتعارف في حقّ مثله زيارة العتبات المقدسة في كلّ عام مرّة أو مرّتين، لکنه إذا أراد أن يزورها في كلّ شهر مرّة ، فمن الواضح کونها خارجاً عن المتعارف وعن شأنه.

الثاني: بيان ما هو المراد من المؤونة ، فهل المراد المؤونة الفعلية أو المؤونة التقديرية؟

نعم إن السيد الامام بيَّن ذلك وصرّح بأن المقصود منها هي المؤونة الفعلية وليس المراد المؤونة التقديرية فما صرفها يعتبر من المؤونة وإن احتمل كون حاجته أكثر مما صرفه.

لأن يمكن أن يكون لائقا بشأنه صرف مبلغ معين لكنه قتّر على نفسه ولم يصرفه، فلا يحسب المبلغ التقديري بل يحسب المبلغ الفعلي الذي صرفه، أو تبرّع له متبرّع فلا يحسب له مقدار ما تبرّع به؛ لعدم تحقّق المؤونة الفعليّة منه، وزاد السيد الامام في القضية و ذكر في المتن أنّه لو وجب عليه صرف مال في أثناء السنة لحصول الاستطاعة الموجبة للحجّ أو لأداء الدين أو للوفاء بالنذر أو مثله، ولكنّه لم يصرف في هذه الأُمور عصياناً أو نسياناً أو نحوهما، لا يبعد فيه عدم الاستثناء؛ وذلك لأنّ وجوب الصرف لا يقتضي تحقّق المؤونة الفعلية؛ لأنه لو أدى دينه فيحسب من المؤونة وأما لو يريد عدم أداء الدين فلا يحسب من المؤونة وطبعا لا يستثنى من الخمس.

هذا ما يستفاد من كلام السيد الامام وأما السيد اليزدي فرأيه نفس رأي الامام وإن لم يصرح في ضرورة رعاية الحد الوسط حتى في الأمور المعنوية، لكنه يظهر من إطلاق عبارته كما فهمه السيد الخوئي في شرحه لكلام السيد.

لكن البعض كالسيد الخوئي ره قد أشكل على هذا التفصيل أي التفصيل بين اللائق بشأن الانسان وغير اللائق بشأنه في الأمور الدينية والمعنوية والقربية وقال بعدم صحة هذا التفصيل بل قال باستثاء ما صرفه في الأمور المعنوية والدينية.

و اليكم نص عبارته:

هذا کلّه في الأُمور الدنيوية. وأمّا بالإضافة إلي العبادات و الأُمور القربية من صدقة أو زيارة أو بناء مسجد أو حجّ مندوب أو عمرة و نحو ذلک من سائر الخيرات و المبرات، فظاهر عبارة المتن و صريح غيره جريان التفصيل المزبور فيه أيضاً، فيلاحظ مناسبة الشأن، فمن کان من شأنه هذه الأُمور تستثني و تعدّ من المؤن، و إلّا فلا.

و لکن الظاهر عدم صحّة التفصيل هنا، فإنّ شأن کلّ مسلم التصدِّي للمستحبّات الشرعية و القيام بالأفعال القربية، امتثالًا لأمره تعالي و ابتغاءً لمرضاته و طلباً لجنّته، و کلّ أحد يحتاج إلي ثوابه و يفتقر إلي رضوانه، فهو يناسب الجميع، و لا معني للتفکيک بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه و عائلته في سبيل اللّٰه ذخراً لآخرته و لينتفع به بعد موته کان ذلک من الصرف في المؤونة ، لاحتياج الکلّ إلي الجنّة، و لا يعدّ ذلک من الإسراف أو التبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلک، و کيف يعدّ الصرف في الصدقة أو العمرة و لو في کلّ شهر أو زيارة الحسين (عليه السلام) کلّ ليلة جمعة أو في زياراته المخصوصة من التفريط و الخروج عن الشأن بعد حثّ الشريعة المقدّسة المسلمين عليها حثّا بليغاً؟! فالإنصاف أنّ کلّ ما يصرف في هذا السبيل فهو من المؤن قلّ أم کثر. و التفصيل المزبور خاصّ بالأُمور الدنيوية حسبما عرفت[2] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo