< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إبتلاء المؤمن:

محمد بن يعقوب الكُلَينِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (ع) قَالَ: إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع): أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْوَصِيُّونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، وَ إِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ، فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ.

وَ ذَلِكَ أَنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَ لَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ، وَمَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ، وَأَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْض[1] .

نقاط هامة في الحديث:

    1. ما هو المقصود من كتاب علي (ع)؟

قد عبّر عن كتاب علي (ع) بثلاثة عناوين: الجامعة، الصحيفة، كتاب أمير المؤمنين (ع).

و لاشك شك في أن هذه العناوين الثلاثة كلها تحكي عن محتوى واحد وكتاب واحد وهو كتاب أملاه رسول الله (ص) و كتبه هو (ع) بخطه، وكان مرجعاً علمياص لأهل البيت ع وميراثاً للامامة.

    2. لماذا كان المؤمن المتقي أشد بلاء في الدنيا من الكافر؟

أولا: أن البلاء والابتلاء سنة وقانون إلهي لا يختص بأحد من المؤمنين والكافرين.

ثانيا: إن شدة البلاء وكثرته يشمل المؤمن المتقي أكثر وأكثر.

ثالثا: إن البلاء والابتلاء له جوانب عديدة، وجوانبه أيضاً تختلف بالنسبة الى الأفراد والظروف وغيرهما.

منها: امتحان من الله عزوجل. ومن بما أن المؤمن يمكنه أن يرتقي في إيمانه ويُكمِل إيمانه، فلا بد من تقديم امتحانات متنوعة، كما كان امتُحِن النبي ابراهيم ع في سن كبيرة، وبعد ذلك جُعلت له الامامة.

و أما الكافر فلايمكن أن يرتقي في حال كفره إلا بالخروج من الكفر، ولذا فالمؤمن يتحمل البلاء أكثر من الكافر.

يقول الإمام الصادق :إنّ عظيم الأجر لمع عظيم البلاء وما أحبّ اللّه قوماً إلا ابتلاهم.» [2]

ومنها: إن كثرة البلاء وشدته في هذه الدنيا للمؤمن أكثر؛ لأن الله تعالى يريد أن يكون في راحة في الآخرة.

وأما الكافر فهو في راحة من الدنيا، وأما في الآخرة فيعذب عذاباً أليماً.

ومنها: إن البلاء عامل مهم لتعميق ارتباط الانسان بالله عز وجل وبما أن الله تعالى يحب المؤمن ويحب أن يكون مرتبطا به ولايحب زوال علاقته بعبده يجعله أكثر بلاء وأشد.

قال الإمام الصادق : ‌إنّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه، فما ينالها إلا بإحدى الخصلتين: إمّا بذهاب ماله، أو ببليّة في جسده. [3]

و منها: تقليل حب الدنيا من قلوب المحبين والمؤمنين بالله عزوجل.

بما أن حب الدنيا رأس كل خطيئة فلا بد للمؤمن أن يقلل من حبه للدنيا فيجعل الله بلاءه أكثر كي لا يتعلق قلبه بغير الله.

قال رسول الله (ص): حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ مِفْتَاحُ كُلِّ سَيِّئَةٍ وَ سَبَبُ إِحْبَاطِ كُلِّ حَسَنَة »[4]

و منها: إن الدنيا ليس ثواباً للمؤمن ولا عقابا للكافر.

إن المؤمن ليس له ثواب في الدنيا، جعل بل الله عز وجل ثواب المؤمن في الآخرة ولما كان عقابه الكافر في الدنيا، بل الله عز وجل جعل عقابه في الآخرة، ولأن الدنيا مبغوضة والمؤمن محبوب، والمبغوض لا يناسب المحبوب.

وكما يقول الملا صالح المازندراني في شرحه على الكافي: ولو جعلها كذلك لما منع المؤمن من الدنيا ولما اختبره بالبلاء ولما سقى الكافر فيها شربة من الماء وإنما جعل الآخرة كذلك فلذلك يعطي المؤمن فيها ما تقر به عينه من الثواب ويعاقب الكافر فيها بأنواع من العقاب.

منها: المؤمن في بلائه مشارك للأنبياء والأولياء وهذا فخر للمؤمن وينبغي أن يفتخر بذلك ولا ينبغي للمؤمن الممتحن بالبلاء أن يغتم لأنه مشارك للانبياء والأولياء، ولا للغني الخلي منه أن يغتر ويفتخر لأنه مشارك للكفرة والجهلاء.

منها: تمحيص ذنوب المؤمنين.

الإمام الباقر (ع) يقول: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يُكْرِمَ عَبْداً وَ لَهُ ذَنْبٌ ابْتَلَاهُ بِالسُّقْمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَهُ ابْتَلَاهُ بِالْحَاجَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ شَدَّدَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ لِيُكَافِيَهُ بِذَلِكَ الذَّنْب[5] .

ويقول الإمامُ عليٌّ (ع) : الحَمدُ للّه الّذي جَعلَ تَمْحيصَ ذُنوبِ شِيعتِنا في الدُّنيا بمِحْنتِهِم ، لِتَسْلَمَ بِها طاعاتُهُم ويَسْتَحِقّوا علَيها ثَوابَها[6]

وأما في ذيل الحديث يقول: وَأَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْض‌.

لما ذا شبّه البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل إلى الأرض؟

ويمكن ذكر وجوه عديدة لذلك:

منها: تشبيه في سرعة النزول.

منها: تشبيه في استقرار البلاء في حياة المؤمن كاستقرار المطر في الأرض.

منها: تشبيه في كثرة منافع البلاء للمؤمن كما إن المطر له منافع عديدة للأرض.

منها: تشبيه في إحياء البلاء للمؤمن ولقلب المؤمن وسبب للحياة الأبدية كما أن المطر سبب لإحياء الأرض وإلقاء روح الحياة فيها.

وقد ورد عن علي (ع): إِنَّ الْبَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ وَ لِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ وَ لِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةٌ وَ لِلْأَوْلِيَاءِ كَرَامَة[7] .


[4] إرشاد القلوب إلى الصواب، ج‌1، ص21.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo