< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الإخلاص:

قال الإمام علي (عليه السلام) : ِ طُوبَى‌ لِمَنْ‌ أَخْلَصَ‌ لِلَّهِ‌ عَمَلَهُ‌ وَ عِلْمَهُ وَ حُبَّهُ وَ بُغْضَهُ وَ أَخْذَهُ وَتَرْكَهُ وَ كَلَامَهُ وَ صَمْتَهُ وَ فِعْلَهُ وَ قَوْلَه[1]

نقاط هامة في الحديث:

الأولى: إن الإخلاص ليس عملاً خاصاً بل إنه حالة وروحية معنوية تجتمع مع كل ما يعمله الإنسان من عبادة وجهاد وعلم وطلب الرزق الحلال وإنفاق وجميع أعمال الخير.

وفي الحقيقة يمكن ترجمة الإخلاص بالتقرّب إلى الله تعالى بالعبادات والأعمال الحسنة، وترك المعاصي والذنوب. وقصدُه سُبحانهُ وتعالى دونَ غيرهِ من المخلوقات، بحيث لا يختلط بأعماله ونيّاته وأقواله أي رياء أو سُمعة أو حب شهرة، فهوَ يقصد العمل فقط لوجهِ الله، ويبغي بهِ رضاه، فيكونُ القصد خالصاً لوجهِ الله تعالى.

الثانية: ليس الإخلاص هبةً إلهية يهبها الله عز وجل لعباده لا دخل للإنسان في تحصيله، بل لا بد من تحصيل الإخلاص بجهد العبد، لأن الإمام قال : طوبى لمن أخلص لله ولم يقل من أخلصه الله ، أي إن الإخلاص من وظيفة الإنسان المؤمن.

فلذلك لا يحصل الإخلاص بالدعاء بل لا بد للعبد من الجهد والتعب والسعي.

الثالثة: إن الإخلاص ليس خاصاً بالأعمال التي يعملها الإنسان بسبب الجوارح والأعضاء، بل يشمل الأعمال والحالات القلبية كالحب والبغض، فالإخلاص في القلب أولا ثم يؤثر في الجوارح والأعضاء ثانياً، أي إن التأثير والتأثر من الجانبين ، القلب الخالص يؤثر في الأعضاء، والأعمال الخالصة توثر في القلب أيضاً.

الرابعة: إن الإمام قال طوبى لمن.....فإذا كان الإخلاص عاماً وشاملاً لجميع الأعمال والنيات فهذا يقتضي أن الإخلاص شرط قبول الأعمال، لأن الأستاذ يقول طوبى لمن ينجح في الامتحان، أو يقول طوبى لمن قرأ الكتاب جيداً فهو دليل على أن قراءة الطالب كتابه يوجب نجاحه في الامتحان فالإخلاص هو المادة الأصلية في امتحان العبد في محضر الرب.

يقول طاووس اليمانيّ : (رَأَيْتُهُ يَطُوفُ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى السَّحَرِ وَ يَتَعَبَّدُ فَلَمَّا لَمْ يَرَ أَحَداً رَمِقَ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ‌ وَقَالَ إِلَهِي غَارَتْ نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ وَ هَجَعَتْ عُيُونُ أَنَامِكَ وَ أَبْوَابُكَ مُفَتَّحَاتٌ لِلسَّائِلِينَ جِئْتُكَ‌ لِتَغْفِرَ لِي‌ وَ تَرْحَمَنِي وَ تُرِيَنِي وَجْهَ جَدِّي مُحَمَّدٍ ص فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ وَ عِزَّتِكَ وَ جَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ وَ مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَ أَنَا بِكَ شَاكٌّ وَ لَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ وَ لَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَ لَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَ أَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سِتْرُكَ الْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ فَأَنَا الْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي وَ بِحَبْلِ مَنْ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي فَوَا سَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَ لِلْمُثْقِلِينَ حَطُّوا أَ مَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَ لَمْ أَتُبْ أَ مَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي ثُمَّ بَكَى ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ‌

أَ تُحْرِقُنِي بِالنَّارِ يَا غَايَةَ الْمُنَى‌     فَأَيْنَ رَجَائِي ثُمَّ أَيْنَ مَحَبَّتِي

أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ رَدِيَّةٍ     وَ مَا فِي الْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي‌

ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُعْصَى كَأَنَّكَ لَا تُرَى وَ تَحْلُمُ كَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ تَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِكَ بِحُسْنِ الصَّنِيعِ كَأَنَّ بِكَ الْحَاجَةَ إِلَيْهِمْ وَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي الْغَنِيُّ عَنْهُمْ ثُمَّ خَرَّ إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَ شِلْتُ رَأْسَهُ وَ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَ بَكَيْتُ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعِي عَلَى خَدِّهِ فَاسْتَوَى جَالِساً وَ قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي أَشْغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فَقُلْتُ أَنَا طَاوُسٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَ الْفَزَعُ وَ نَحْنُ يَلْزَمُنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا وَ نَحْنُ عَاصُونَ جَافُونَ أَبُوكَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَ أُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَ جَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَ قَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا طَاوُسُ دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَ أُمِّي وَ جَدِّي خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَ أَحْسَنَ وَ لَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً وَ خَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَ لَوْ كَانَ قُرَشِيّا".....) [2]

بهذا الإخلاص الأسطوريّ بلغ علي (ع) تلك المكانة العظمى حتى قال رسول الله (ص): (لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ‌ مِنْ‌ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْن‌)كان الشهيد مرتضى المطهري يقول:

حضرت دروس المرحوم آية الله العظمى البروجردي ثمانيَ سنوات، فتعلّق قلبي به لِما وجدت فيه مثالاً لرجل الدين الحقيقيّ والمؤمن الكامل المتّقي. وعندما أصيب بعارض صحي، زرته وهو على فراش المرض الذي أدى لوفاته بعد عدّة أيام. فوجدته في حالة تأثّر شديد يعبّر عن ضيقه من التقصير في العمل أيّامَ حياته (مع أنّ حياته طافحة بالإنجازات)، فبادرته بالقول: لماذا تقولون ذلك وأنتم بحمد الله قد نلتم تلك الدرجة العالية من التوفيق والسداد وأديتم عظيم الخدمات! فيا ليتنا كنا مثلكم وهذه صحيفة أعمالكم المشرقة أكبر دليل. فلم يُعِر اهتماماً بمدحي إيّاه، واكتفى بالإجابة بهذا الحديث: (أَخْلِصِ الْعَمَلَ فَإِنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ). [3]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo