< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تتمة الاستدلال بالكتاب:

ظهر مما ذكرنا أن الغنيمة لها معنى عام ومعنى خاص، ولكن الأصل في معناها هو المعنى العام، أي مطلق الفائدة، وبناء على ذلك فإن أئمّة أهل اللغة كانوا يستعملون الغنيمة في مطلق ما يحوزه الإنسان ، ويفوز به، ولو كان بغير حرب وقتال.

ويؤيد ما ذكرنا من معنى الغنيمة أن ضدها الغرم يعني الغنم ضده الغرم وواضح أن الغرم عبارة عن مطلق الخسارة وليس مختصا بالخسارة في ميدان الحرب فقط.

وإذا كان معنى الغرم الذي يكون ضد الغنم عبارة عن مطلق الخسارة فلا بد من كون الغنم أيضاً مطلق ما يتصور فيه من المعنى؛ لأنه إذا كان احدهما مطلقا والآخر مقيدا فلا يتصور ضدية أحدهما مع الآخر.

و إذا ثبت الإطلاق في معنى الغنم فالاستدلال بالكتاب وبالآية المباركة صحيح.

التفات الى استعمال لفظ الغنيمة في الكتاب:

وردت هذه اللفظة في عدة مواضع من الكتاب واستعملت في مطلق ما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال والحرب، بل يشمل ما كان عن طريق العمل العادي الدنيوي أو الأُخروي، وكذلك السنّة المفسِّرة.

فلذلك لأجل التوضيح وبيان المراد منه في القرآن نبدأ بدراسة الآيات التي استعمل فيها لفظ (الغنيمة) أو إحدى مشتقاتها:

الآية الأولى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ‌﴾[1]

الآية الثانية: ﴿وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها.﴾ [2]

لا شك في أن المقصود من مفردة (مغانم) في هاتين الآيتين هو الغنائم الحربية، حيث أن بعض المفسرين تكلم فيها وربطها بمغانم خيبر، وربطها آخرون بمغانم هوازن، فعلى أي حال وردت واستعملت في كلتا الحالتين بمعنى الغنائم الحربية.

وأما الآية التي بعدها وهي الآية الثالثة من نفس سورة الفتح: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ﴾ [3] هذِهِ‌ ... فهي بناء على ما ورد في التفاسير عامة شاملة للجميع وليست مختصة بالمغانم الحربية.

فإن هذه اللفظة وإن كانت تشير إلى مغانم خيبر، ولكنه بما أنه عز وجل قد وعدهم بالمغانم الكثيرة فهل تلك المغانم الكثيرة التي وعد الله المسلمين بها مختصة بالحروب التي تليها، أو أنها واسعة تشمل جميع النعم والعطايا الإلهية حتى يوم القيامة؟ الجواب واضح أنها عامة وواسعة تشمل الجميع.

والمفسرون عموماً من الخاصة والعامة قد أشاروا إلى ذلك:

فمثلا يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني في خصوص هذه الآية: (هي على ما قال ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين ما وعد الله تعالى المؤمنين من المغانم إلى يوم القيامة)[4] .

فيمكن القول أن المغانم التي وعد الله تعالى إلى يوم القيامة ليست محصورة بالمغانم الحربية فحسب، بل تشمل جميع النعم والعطايا الإلهية؛ لأن المغانم الكثيرة التي تشمل الرزق الكثير والخير الوفير ووعد الله تعالى بها المؤمنين، وبالتالي إن الذي سماه الله تعالى كثيراً مما لا يعد ولا يحصى قطعاً، فكيف يمكن حصر ذلك بالمغانم الحربية فحسب، وإن كانت من مصاديقها بل إن أغلبها متعلق بيوم القيامة.

فنستنتج من ذلك أيضاً أن مفردة (المغانم) في هذه الآية الكريمة استعملت كذلك في غير المغانم الحربية، وعمومها تشمل غير المغانم الحربية بل مطلق الفوائد.

وبعد هذا البيان يمكن أن نطبق على ما نحن ما قاله العلامة الطباطبائي (ره): (الغنم والغنيمة، إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب، وتنطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب). [5]

و أما الآية الرابعة : فهي ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ.﴾[6]

الظاهر أن بداية الآية حول الجهاد، ولكن هذه الآية أوضح من سابقتها في أن المراد من المغانم ليس المغانم الحربية، لأن قوله: عند الله‌ ليس مختصاً بالدنيا والحرب فحسب، بل في مقابل الدنيا وفي مقابل متاع الدنيا الزائلة.

ويستفاد من هذه الآية أن كل ما يحمل عنوان الثواب الأخروي هو (غنيمة)، وبالتالي، يمكن اعتبار الثواب الأخروي غنيمة في الواقع، لأن الإنسان يحصل عليها بلا مشقة تتناسب مع ما يكسبه من ثواب عظيم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo