< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقي هنا أمران:

بعد أن شرحنا إشكالية مدركية الاجماع واختلاف المباني بين القدماء والمتأخرين في جانب وبين متأخري المتأخرين في جانب بقي هنا أمران:

الأمر الأول: إن المستشكل إذا يستشكل على الاجماع من أجل وجود المدرك في مورده ويعبر عنه بالاجماع المدركي فلا يريد إسقاط الاجماع من الحجية برمته، بل المقصود من الإشكال تنزيله من مستوى اعتباريته بعنوان دليل مستقل الى مستوى اعتباريته بعنوان مؤيد فيمكن الاعتماد عليه بعنوان المؤيد لا بعنوان الدليل المستقل!

فعلى هذا إن وجود المدرك في مورد الاجماع ينزل الاجماع عن درجات الاعتبار ولا يسقطه عن الاعتبار.

فلذلك نشهد أن الفقهاء الكثيرين حتى الذين يستشكلون على الاجماع لأجل مدركيته ينقلون الاجماع ويذكرونه في مورد وجود المدرك والنص ومن الواضح ينقلون بعنوان المؤيد.

وكذلك إن الذين يستشكلون في الأصول يذكرونه في الفقه ويستدلون به بعنوان المؤيد، وهذا يؤيد ما قلنا من تنزيل الإجماع عن درجته في الاعتبار ولا يسقطه عن الاعتبار كلياً.

وهذه العبارة معروفة ومشهورة بين الفقهاء بعد البحث والإشكال والإيراد على الاجماع يقولون: ولکن لا نتجرأ على مخالفة الاجماع.

والى هذا أشار سماحة الشيخ جوادي الآملي في درس الفقه وقال: أغلب الفقهاء كصاحب الجواهر وغيره يتمسكون في المسائل العديدة في الفقه بالاجماع، في حين أننا لسنا بحاجة إلى الاجماع؛ لوجود آية أو رواية ولا يحتمل أحد وجود الاجماع التعبدي في مثل هذه الموارد مع توفر الأدلة، فلذلك مثل هذا الاجماع في هذه الموارد التي ليست بقليلة لا يفيد الاجماع إلا تأييداً لفهم الفقيه، فكلام الشيخ جوادي الآملي كذلك يؤيد ما قلناه من اعتبار الاجماعات بعنوان المؤيد.

إضافة لتأييد ما قلناه باعتبار الاجماع المدركي بعنوان المؤيد لا بعنوان الدليل: إن السيد الخوئي يقول في الأصول بأنه لا يوجد إجماع تعبدي في جميع الفقه إلا في موردين:

الأول في منع ولد الزنا من الإرث لأنه المدرك الوحيد في هذه المسألة الاجماع فقط ولا دليل آخر عليه،

والثاني: اشتراط الاستقبال في وضع الميت في القبر ففي هذا المورد الدليل الوحيد هما إجماعان تعبديان، وأما غيرهما فكلها إجماعات مدركية، ولكنه مع اعتقاده بذلك ذكر الاجماع في كثير من موارد الفقه واستدل بالاجماع، بل قسم من فتاواه مبتنية على ادعاء الاجماع فهذا أيضا تأييد لما قلناه آنفا من اعتبار الاجماع المدركي بعنوان المؤيد.

وأما الذي روي عن السيد البروجردي (ره) بطريق بعض العلماء المعاصرين فهو أنه كان يقول بأن الدليل في سبعين مورداً من موارد الفقه هو الاجماع فقط و لا يوجد دليل آخر.

الأمر الثاني: لابد من الفرق بين الاجماع المدركي وبين التوافق الجامع الذي حصل بسبب وجود مدرك معتبر صحيح.

نعم قد يقال أن الاجماع قائم في هذه المسألة أي أن الفقهاء قد أجمعوا في مسألة واحدة واتفقوا على رأي، وبالمقابل قد يقال أن الفقهاء توافقوا هنا على أمر أو رأي أو فتوى بسبب وجود مدرك صحيح يدل عليه، أي أن المدرك الموجود الذي توافق الفقهاء على دلالته قد سبب اتفاق الآراء والفتاوى.

لا ريب في أن المورد الأول يصدق عليه الاجماع ويكشف لنا عن رأي المعصوم ولكنه بما أننا قد وجدنا رأي المعصوم من أجل التعرف على الدليل والمدرك الذي يحكي لنا قول المعصوم أو فعله أو تقريره فلا نعتبر الاجماع في هذا المورد دليلا مستقلا بل نعتبره مؤيدا.

أما المورد الثاني فلا يصدق عليه الاجماع اصطلاحاً لأن الاجماع في هذا المورد من تحصيل المدرك و لا يكشف لنا رأي الإمام أبدا إلا من خلال الدليل.

أي لولا الدليل لما حصل الاجماع، فالإجماع الذي يحصل بسبب وجود المدرك والدليل ليس إجماعا بل هو توافق محض، ولا يطلق عليه الاجماع، فهو خارج من دائرة الاجماع تخصصا.

نعم إن التوافق في مورد من الفقه والأصول له اعتبار ما ولكن خارج عن إطلاق الاجماع حسب الاصطلاح ولا يعتبر دليلاً كاشفاً عن رأي المعصوم.

والذي نشهده في الفقه وبعض الفقهاء يعبرون عنه بالاجماع فهو إجماع مسامحة وليس إجماعا بالدقة العرفية!

والأحسن أن يقال في مثل هذه الموارد : توافق واتفاق الفقهاء و لا يقال: اجماع، لأنه في الحقيقة الدليل هو النص المعتبر، والتوافق هو المؤيد.

فالحاصل من جميع أطراف البحث حول الاجماع المدركي أن هذا البحث هو بحث متأخر ولا أثر له بين القدماء وحتى المتأخرين ولا بد من الفحص في المشي الأصولي الجديد بعد تطور علم الأصول من زمن الشيخ الأنصاري ومشي المحقق النائيني وغيرهما وإنما المقصود من عدم اعتباره عدم اعتباره دليلا مستقلا و ليس المراد إسقاط الاجماع عن الاعتبار برمته، فيبقى مؤيدا للأدلة والمدارك الموجودة.

 

الحمد لله ربّ العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo