< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الثاني: الاستدلال ببعض النصوص على القاعدة:

من الأدلة التي استدل بها المنكرون على قاعدة اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف هو الاستدلال بالنصوص التي تدل على عدم تكليف الكفار بالفروع فممن ذكرها واستدل بها هو المحدث البحراني في الحدائق (ره) ، حيث ذكر النصوص وكيفية الاستدلال بها و من هنا خالف المشهور.

فمن النصوص التي استدل بها في المقام صحيحة زرارة:

محمد بن يعقوب عن مُحَمَّد بْن يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه‌السلام: أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ مِنْكُمْ وَاجِبَةٌ عَلى جَمِيعِ الْخَلْقِ؟

فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ـ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ رَسُولاً وَحُجَّةً لِلّهِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ ، فَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ، وَاتَّبَعَهُ ، وَصَدَّقَهُ ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ؛ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَيَعْرِفْ حَقَّهُمَا، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ وَهُوَ لَايُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَيَعْرِفُ حَقَّهُمَا؟قَالَ: قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَيُصَدِّقُ رَسُولَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللهُ؟ أَيَجِبُ عَلى ‌أُولئِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِكُمْ؟قَالَ: نَعَمْ ، أَلَيْسَ هؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ فُلَاناً وَفُلَاناً ؟

قُلْتُ: بَلى، قَالَ : أَتَرى أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةَ هؤُلَاءِ؟ وَاللهِ ، مَا أَوْقَعَ ذلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ الشَّيْطَانُ، لَا وَاللهِ ، مَا أَلْهَمَ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّنَا إِلاَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ[1]

إن صاحب الحدائق ذكره في موضعين من كتابه: مرة في كتاب النكاح في حکم نكاح الكافر الذی تزوج حال کفره ثم دخل في الإسلام، وفي هذا المقام قبل ذكر الحديث ذكر مقدمة وهي:

>وأما على ما يظهر من جملة من الأخبار من أن الخطابات الشرعية والتكاليف الفرعية لا تتناول الكافر في حال كفره، بل هي مختصة بالمسلم، وإنما يخاطب بها ويكلف بأحكامها بعد الإقرار بالإسلام، فمن الجائز أن يقال: إن جميع ما فعله في حال كفره من العقد والتزويج بكل من كان وكيف كان وعلى أي نحو كان لا يترتب عليه أثر لا حكم بالنظر إلى شريعتنا، و إنما يترتب على أحكام شريعتهم وملتهم.

نعم متى دخل في الإسلام تعلقت به التكاليف الإسلامية، و توجهت إليه الخطابات الشرعية....

ثم بعد ذکر الحديث وفي مقام بيان تقريب الاستدلال قال:

و الحديث صحيح صريح في المدعى، و التقريب فيه أنه إذا لم يجب عليه معرفة الإمام الحامل للشريعة و المستودع أحكامها فبطريق الأولى لا يجب على القيام بتلك الأحكام و لا تعرفها ولا الفحص عنها التي هي لا تؤخذ إلا منه، و هذا بحمد الله سبحانه واضح لا خفاء عليه[2] .

وأما الموضع الثاني الذي ذكره صاحب الحدائق فهو في كتاب الطهارة في وجوب الغسل على الكافر فيقول:

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كاد يكون إجماعا أنه يجب الغسل على الكافر لأن الكفار مكلفون بالفروع، و لم ينقلوا في المسألة خلافا عن أحد من الخاصة بل من العامة إلا عن أبي حنيفة، قالوا: لكن لا يصح منه حال كفره لاشتراط الصحة بالإسلام ولا يجبّه الإسلام وإن جبّ الصلاة لخروجها بدليل خاص.

و ما ذكروه (نور الله مراقدهم وأعلى في الفردوس مقاعدهم) منظور فيه عندي من وجوه:

الأول - عدم الدليل على التكليف المذكور و هو دليل العدم كما هو مسلم بينهم.

الثاني - الأخبار الدالة على توقف التكليف على الإقرار والتصديق بالشهادتين، ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة . و ذكر الحديث بتمامه ثم قال:

وهو كما ترى صريح الدلالة على خلاف ما ذكروه، فإنه متى لم تجب معرفة الإمام قبل الإيمان بالله ورسوله فبطريق الأولى معرفة سائر الفروع التي هي متلقاة من الإمام (عليه السلام) والحديث صحيح السند باصطلاحهم صريح الدلالة، فلا وجه لرده وطرحه والعمل بخلافه إلا مع الغفلة عن الوقوف عليه. [3]

ثم بدأ المحدث البحراني بذكر بعض المؤيدات للعمل بهذا الحديث ومما يؤيده قول المحدث الكاشاني في كتابه الوافي حيث يقول بعد ذكر الحديث:

وفي هذا الحديث دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا انتهى.

ثم يذكر مؤيدا ثانيا لما قاله في المقام وهو ما ذكره المحدث الأمين الاسترابادي في كتابه الفوائد المدنية ويقول: صرح فيه بأن حكمة الله تعالى اقتضت أن يكون تعلق التكاليف بالناس على التدريج، بأن يكلفوا أولا بالإقرار بالشهادتين ثم بعد صدور الإقرار عنهم يكلفون بسائر ما جاء به النبي (ص) و ذکر الحديث[4] .

فظهر مما ذكرنا من الاستدلال بالنصوص أن دلالة هذا الحديث وأمثاله بالنسبة الى ما نحن فيه تامة الدلالة ولا يرد عليها شي، فيدل على عدم اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف.

 

مقتضی التحقيق والقول المختار:

بعد ذكر أدلة الطرفين من المثبتين والمنكرين وبيان المناقشة في الاستدلال بأدلة المثبتين وقبول وجه دلالة أدلة المنكرين نقول: التحقيق فی المسألة يقتضي عدم تكليف الكفار بالفروع في عرض تكليفهم بالأصول؛ وذلك لعدم وجود دليل صالح يدل على تكليفهم، ومقتضى دلالة بعض النصوص الصحيحة التي استدل بها في المقام على نفي تكليفهم.

فإذن مقتضى التحقيق عدم تكليف الكفار بالفروع في عرض الأصول.

و أما توهم البعض بأن الروايات التي استدللتم بها في المقام قد أعرض عنها المشهور، وإعراض المشهور يوجب وهن سند الحديث، فلا يجوز الاستدلال بالحديث الذي سنده موهون فهو توهم مدفوع؛ وذلك لأن هذا الكلام غير مقبول؛ لأنه أولا: بعد أن ناقشنا أدلة المثبتين لا نحتاج الى الفحص عن دليل النفي، لأنه إذا لم يحرز دليل على إثبات التكليف فهو غير ثابت في حق الكافر وعدم الدليل دليل على العدم.

وثانيا: إن القول باشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف بالفروع مشهور بين المتأخرين كما ذكره المحدث الكاشاني وليس مشهورا بين المتقدمين.

وعلى فرض القول بأن إعراض المشهور يوجب الوهن. فهذا ليس مورد إعراض المشهور مطلقا، بل هو مورد إعراض مشهور المتأخرين وهو لا يضر باعتبار سند الحديث.

مضافا إلى أنه يمكن الجمع بين ما ذهب إليه المشهور وبين من خالف المشهور، بما قلناه سابقا من تكليف الكفار بالفروع بعد تكليفهم بالأصول، أي إن الكفار مكلفون بالفروع في طول تكليفهم بالأصول.

و بناء على ذلك لا خلاف بين المشهور وغير المشهور.

بل يمكن القول بأن تمسك الفقهاء بهذه القاعدة في كثير من موارد الفقه وتطبيق القاعدة على مواردها إنما هو تمسك بالدليل الخاص في مورد الخاص وليس تمسكا بإطلاق القاعدة من دون وجود دليل خاص، أي إن الفقهاء يتمسكون بالقاعدة بعد وجود دليل يدل على شمول حكم من الأحكام للكفار كبعض الحدود وغيرها فلذلك بهذا البيان تخرج القاعدة من شهرة القول بها حتى بين المتأخرين.

فيصح القول بأن الخطابات تشمل الكفار إجمالا ولا تشملهم تفصيلا، وأما المسلمون فيشملهم تفصيلا واجمالا، ويصح القول بشمول التكليف الفرعي للكفار في طول التكليف بالأصول، وهو الأقوى ونحن نقول به خلافا للمشهور لو قلنا بصحة شهرتها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo