< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تأييد لما سبق من إمكان الجمع بين الأقوال:

بعد التأمل في أقوال الفقهاء في اشتراك الكافر مع المسلمين وعدم اشتراكهم يمكن الجمع بين قول الشيخين الطوسي والأنصاري استلهاماً من الخطاب الاجمالي والتفصيلي في كلام الشيخ الأنصاري، فهنا أيضاً نؤكد عليه ونذكر مؤيداً لقولنا من كلام الشيخ الطوسي في كتابه الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد.

إن الشيخ الطوسي بعد بيان اشتراط العلم بالتكليف في تنجز التكليف واستحقاق الثواب والعقاب عليه، وبما أنه لا بد للمكلف من العلم بالأحكام والتكاليف جزءا فجزءا ولا بد له أيضاً من العلم بقبح تركه كي يستحق الثواب على فعله أو يستحق العقاب على تركه وذلك من أجل إتيانه بالتكليف وإيقاع الفعل على وجه خاص وكذا في ترك الفعل، علَّلَ الشيخ في كتابه هذه القاعدة بأن الكفار متمكنون من تحصيل العلم بالشرائع والأحكام وقال:

ولذلك قلنا إن الكفار مكلّفون للشرائع لتمكنهم من العلم بها بالنظر في معجزات الأنبياء[1] .

فالشيخ يريد أن يقول أن الكافر إذا يلتفت إلى معجزات الأنبياء فيعلم إجمالا بوجود الأحكام والشرائع فهو يتمكن من المتابعة كي يصل إلى المعرفة التفصيلية.

وبناء على ذلك يثبت ما قلناه سابقاً من أن الشيخ الطوسي والمشهور إذا قالوا بأن الكفار مكلفون بالفروع، فليس مقصودهم أن الكفار مشتركون مع المسلمين في التكليف ومخاطبون بالخطاب مطلقاً وبشكل عام، بل معناه أنهم مخاطبون بالخطاب الاجمالي ومشتركون مع المسلمين في التكليف، بشرط تمكنهم من تحصيل العلم بتفاصيل الأحكام.

وبهذا البيان والتوضيح في كلام الشيخ الطوسي يظهر عدم الخلاف بينه وبين المنكرين، لأنه لا يقول بتكليف الكفار مطلقاً، وكذلك لا ينكر تكليفهم مطلقا، فالقول الأول يعني تكليفهم بشرط التمكن من العلم بالأحكام، والقول الآخر معناه عدم تكليفهم لعدم تمكنهم، فبهذا التفسير يمكن الجمع بين قول المشهور وغير المشهور.

رجوع إلى الأدلة في المقام :

أدلة المثبتين :

الإجماع:من الأدلة التي ذكرت في المقام على إثبات هذه القاعدة أي اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف هو الإجماع الذي ادعي في المقام من ناحية بعض الفقهاء كالشيخ الطوسي وابن زهرة على ما حكيناه عنهما.

وفيه:

أولا: إن الاجماع كما ترى غير حاصل لوجود القول بالخلاف والقائل بعدم الاشتراك كما هو قول جماعة من الفقهاء، ومع مخالفة جماعة كيف يمكن القول بثبوت الاجماع والاستدلال به، فلذلك لا إجماع على هذه القاعدة بين الأصحاب.

ثانياً: إن شيخنا الأستاذ مكارم الشيرازي قد ذكر إشكالا على الاستدلال بالاجماع وقال على فرض حصول الإجماع لا يمكن الاستدلال به لأنه مدركي فلا يعتنى به.

و أما علة القول بأن الاجماع مدركي فهو التأمل في حقيقة العبادة، يقول سماحته:

إن التأمل في حقيقة العبادة يكشف عن اشتراط واضح وهو اشتراط قصد التقرب أي يشترط في تحقق العبادة أن يقصد الإنسان التقرب بها إلى الله تعالى وإذا كان كذلك فقصد التقرب يستلزم وجود ثلاثة أركان في العبادة.

وبعد فرض وجود الأركان الثلاثة يتمكن العبد أن يتقرب بعمله إلى الله تعالى وبدون أي واحد منها لا يمكنه التقرب:

الركن الأول: حسن الفعل.

يعني أن العمل الذي يريد العبد أن يتقرب به إلى الله تعالى لا بد وأن يكون حسنا، لأنه لا يمكن التقرب بالعمل القبيح أو المعصية أو حتى المباح بل لا بد أن يكون راجحا.

الركن الثاني: حسن الفاعل.

يعني أن الفاعل الذي يريد أن يتقرب بعمله إلى الله تعالى لا بد أن قصد التقرب وأن تكون نيته حسنة، لأن الإنسان الذي يعمل عملا بقصد الرياء لا يتمكن من التقرب به.

الركن الثالث: قابلية التقرب.

بعد أن فرضنا حسن الفعل وحسن نية الفاعل لا بد من إحراز قابلية الفاعل للتقرب الى الله تعالى.

لأن حسن الفعل يحكي عن قابلية العمل، وأما قابلية الفاعل فلا بد من إحرازها أيضاً ومن الواضح أن الكافر الذي لا يعتقد بالله ولا بالأصول فليس عنده صلاحية وقابلية للتقرب إلا بعد الإيمان بالأصول.

وبعد التأمل في هذه الأركان الثلاثة لتحقق العبادة يظهر أن الكافر لا يتمكن من التقرب إلى الله بدون الإيمان بالأصول.

فهذا العمل الذي عمله الكافر ليس عبادة؛ لأنه لم يحقق أركان العبادة.

وكل إنسان يتأمل في حقيقة العبادة يعلم بضرورة وجود هذه الأركان الثلاثة، وهذا الدليل في مقابل الاجماع، فإذا صار الاجماع مدركياً لا يعتنى به في مقام الاستدلال.

هذا تمام ما يريد أن يقوله شيخنا الأستاذ.

ولكننا نقول: هذه المطالب التي ذكرها الشيخ صحيحة وأما فيما نحن فيه فلا نحتاج إليها لعدم صلاحية الاجماع؛ لأنه غير ثابت، مضافاً إلى وجود الاستدلال بالكتاب والسنة، وبذلك يكون مدركيا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo