< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: طريقة الجمع بين الأقوال، وهل هناك أصل عقلي وشرعي في المقام؟

أشرنا سابقاً أنه يمكن أن يقال بعدم الخلاف من الأساس بين الأقوال وإمكان رفع الخلاف بين الفقهاء انطلاقاً من النقطة التي أشار إليها الشيخ الأنصاري وهي أن المراد بأن المنكر للرسول مثلاً مخاطب بالإيمان به والائتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه، فإن آمن وحصل ذلك كلّه، كان مطيعاً، وإن لم يؤمن ففعل المحرّمات وترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الايمان، لمخاطبته بها إجمالًا، وإن لم يخاطب بها تفصيلًا بفعل الصلاة وترك الزنا، أي أن المهم والملاك في تأسيس قاعدة الاشتراك هو شمول الخطاب، وعدم شمول الخطاب للكفار.

فلو قلنا بشمول الخطاب لهم فهم مكلفون والقاعدة ثابتة، وأما لو لم نقل بشموله فهم غير مكلفين.

ولا شك في أن خطاب التكليف ينقسم إلى قسمين: الخطاب الإجمالي، والخطاب التفصيلي.

ولا شك في أن الخطاب الإجمالي بنفسه لا ينجز التكليف في حق المخاطبين ما دام لم يعرفوا تفصيل الأحكام، وإنما الخطاب الذي يفيد في وجوب التكليف هو الخطاب التفصيلي.

إلا أنه في بعض الموارد يكفي الخطاب الإجمالي في تنجز التكليف وهو فيما لو تمكَّن المخاطب بالخطاب الإجمالي من المعرفة التفصيلية.

وبما أنه متمكن من المعرفة التفصيلية، ولم يفعل شيئا فهو مستحق للعقاب ولا يقبح عقابه، بل لا يشمله قبح عقاب بلا بيان، لأن الخطاب الإجمالي -مع تمكنه بالمعرفة التفصيلية- بنفسه بيان.

فبهذا التوضيح الذي قدمناه استلهاماً من كلام الشيخ الأنصاري يمكن القول بأن مراد الشيخ الطوسي في ما نحن فيه باشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف أنه إذا كان الكافر متمكناً من تحصيل المعرفة التفصيلية، أي هذا الكافر عنده اطلاع وعلم بوجود دين الإسلام والشريعة الإسلامية ويستطيع أن يتعرف على الخطاب التفصيلي والمعرفة التنفصيلية، فهو مكلف بالفروع، وأما مخالفة المشهور والقول بعدم تكليف الكفار فهو ناشئ عن الخطاب الإجمالي الذي لا يستطيع المخاطب أن يتعرف على تفصيل الأحكام من خلاله. وبالنتيجة هو غير مكلف، فالقول بالتوقف هو المردد بين الأمرين أي بين التمكن وغير التمكن.

وبناء على ذلك لا خلاف بين الفقهاء في البين.

لذلك لو نلتفت إلى هذه النقطة وهي الخطاب الإجمالي والتفصيلي لأمكن الجمع بين القولين الأول والثاني وبناء على ذلك يحتمل القول بعدم وجود الخلاف الأساسي في البين فليتأمل جيداً.

فعلى أي حال لا ثمرة مهمة في وجود الأقوال العديدة وعدم وجود الأقوال إلا في تحقق الشهرة الفتوائية أو الإجماع على فرض وجوده وتحصيله، وإن كان لا بد من البحث عن الأدلة في المقام.

الأدلة في المقام:

قبل البحث عن الأدلة فلا بد من البحث عن وجود أصل عقلي أو شرعي في المقام كي نتمكن من الاستناد إليه أو لا؟

والمهم قبل ذكر الدليل البحث عن تأسيس الأصل، فإننا نطرح هذا السؤال لأن الفقيه بشكل طبيعي قبل الفحص عن وجود أي دليل لإثبات الحكم أو عدمه لا بد أن يبحث عن وجود أصل أولي عقلي، بحيث أنه في حالة عدم وجود الدليل الشرعي يمكن إرجاع المسألة إليه. والبحث عن وجود أصل عقلي غير ما يستفاد من الأدلة الشرعية المرتبطة بالباب.

فهل يوجد هنا أصل عقلي يبين عدم تكليف الكفار بالفروع؟ أو هل يوجد أصل يقتضي تکليف الكفار واشتراكهم مع المسلمين؟

أما في ما نحن فيه: فبما أن الأصل العقلي يبتني على حكم العقل، وفي المقام لأجل ارتباطه بالفروع الفقهية فلا حكم للعقل بتكليف‌ الكفار في الفروع.

لأن العقل إنما يحكم استقلالا بلزوم الطاعة لله والشكر على نعمائه وحذراً من عقابه، ومن الواضح أن هذا الحكم متفرع على إحراز أمر أو نهي من جانب المولى الذي يجب طاعته وإطاعته، وهذه المسألة إنما ترتبط بالمسائل العقدية وأصول الدين، ولا علاقة لها بالفروع. لأن الفروع لا يدركها العقل ولا يحكم عليها.

فلذلك لا أصل عقلياً في المقام بتكليف الكفار، وكذلك لا أصل شرعياً بما أن الأصل الشرعي الذي يمكن الإرجاع اليه إنما هو مستفاد من الآيات والروايات، ولا أصل خارج هذا النطاق، فإذن لا بد من الفحص عن الدليل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo