< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحاصل من التحقيق في تكليف الصبي والمجنون:

بعد الحديث حول تكليف الصبي والمجنون ونقل أقوال الفقهاء في هذه المسألة وكلمات المستشكلين والمدافعين كقول السيد الإمام وقول السيد الخوئي وقول كل من كان يدافع عنهما لا بد من التأمل فيها من جميع الجوانب كي نصل إلى النتيجة الحاصلة من البحث.

قبل الانتقال إلى نتيجة البحث لا بد من ملاحظة نص حديث رفع القلم حيث إن السيد الإمام (قدس سره) ذكر نموذجاً من نص الروايات التي تتعلق برفع القلم والتي رويت في المصادر الخاصة والعامة قال : >عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ‌ قَالَ: أُتِيَ‌ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ فَجَرَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَمَرُّوا بِهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالُوا مَجْنُونَةٌ فَجَرَتْ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ فَقَالَ لَا تَعْجَلُوا فَأَتَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ<[1] .

وهذه الرواية وإن كانت مشتملة على رواة ضعاف ولكن بما أن بعض الفحول كالشيخ المفيد رواها بهذا التعبير (روت العامة والخاصة) وهذه العبارة تحكي عن أن الشيخ المفيد أرسله إرسال المسلمات وكأنه شهد على وجود خبر متواتر ومسلم الصدور وقطعی الصدور عند العامة والخاصة، وكما هو واضح فإن هذه العبارة لا تدل على نقل الرواية في كتاب من كتب العامة بل تدل على تواتر نقل هذا الخبر عند العامة والخاصة.

وبناء على ذلك فإن ما قاله الشيخ المفيد في الحقيقة شهادة صادق على صدق الحديث. و بما أن الشيخ المفيد ثقة بل أوثق الثقات ونقطع بصدقة، فشهادته تثبت اعتباراً للحديث وتعتبره حجة ودليلا يمكن الاعتماد عليه.

هذا بالنسبة إلى سند الحديث وأما دلالة الحديث فتحدثنا حولها بالتفصيل وبشكل جامع.

وروى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ كَانَ‌ يَقُولُ‌ فِي‌ الْمَجْنُونِ‌ وَ الْمَعْتُوهِ‌ الَّذِي لَا يُفِيقُ وَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ عَمْدُهُمَا خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَ قَدْ رُفِعَ عَنْهُمَا الْقَلَمُ[2]

وکذلك نشهد بعض الروايات غير حديث الرفع لكنها تدل على جري قلم التكاليف الإلزامية على الصبي بعد ظهور علائم البلوغ.

وفي موثقة عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ:سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلَامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَالَ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ[3] .

فالحاصل بناء على ما ذكرناه في هذا المجال أنّ دليل الرفع لا يدل على رفع قلم التكليف وجميع الأحكام تكليفيًا ووضعيًا وإلزاميًا وغيره كالمستحبات.

ولهذا اشتهر في الفقه أنّ الأحكام الوضعيّة ليست مختصّة بالبالغين، وكذلك اشتهر القول بصحّة العبادة واستحبابها للصبيّ؛ لأنّ أدلّة التكليف تشمل الصبي كشمولها للبالغ، ولا منافاة بين رفع قلم الإلزام عن الصبيّ وبين استحباب العبادات له، ولأنه في الواجبات رفع القلم يوجب رفع إلزامها فقط، وأمّا مطلوبيّة التكاليف الواجبة فهي باقية على حالها، و مطلوبية العمل تكفي لصحة العمل وعليه فتصحّ العبادات الواجبة عن الصبيّ لو أتی بها.

وهذا القول هو الذي قاله السيد الإمام في تحرير الوسيلة وفي كتاب البيع وكذلك هو نفس ما قاله المشهور من الفقهاء من أن المقصود من حديث الرفع هو رفع المؤاخذة و العقاب؛ لأنه من الواضح أن المؤاخذة والعقاب وإن كان متأخراً عن جعل التكليف بمرتبتين ولكنه مختص بالتكاليف الإلزامية فبالنتيجة القول باختصاص رفع القلم بالتكاليف الإلزامية أقوى.

وأما بالنسبة إلى الأحكام الوضعية كالملكية وغيرها فالحديث قاصر عن الدلالة عليه كما أشار إليه السيد الإمام في كتاب البيع:

يقول: >إن قلت: إن مورد الرواية رفع الرجم عن الزانية، وهو دليل على أعمية مضمونها من الأحكام الوضعية؟ قلت: الرجم لا يثبت للزنا إذا كان بغير معصية، كالصادر مكرها أو اشتباها وخطأ، ولعل المراد برفع القلم رفع التكليف، ومعه لا يرجم، فلا تدل الرواية، بملاحظة موردها على سلب الوضعيات[4] .

و هذا ما نريد تطبيقه فيما نحن فيه من كتاب الخمس وتعلق الخمس بالمعدن الذي استنبطه الصبي والمجنون.

مضافاً إلى ذلك أنه لا يمكن التفكيك بين الملكية وتعلق الخمس فكما قلنا سابقا في البحث أن الأدلة تدل على تعلق الخمس بسبب ملكية المال؛ لذلك لا شك في تعلق الخمس بعد عروض الملكية والاعتراف بالملكية للصبي والمجنون.

ومن الواضح أن ملكية الصبي والمجنون ثابت ومسلّم وإنما الخلاف كان في أداء الخمس وكما قاله السيد الإمام يجب إخراجه على الولي.

فالحق مع السيد الإمام كما أن الحق مع المشهور من الفقهاء وكذلك يمكن الجمع بين القول الثالث والرابع والخامس وبين القول المشهور.

و يمكن أن نزيد في تأييد ما قاله السيد بعض المؤيدات التي ذكرناها في بيان قول المشهور فعلى هذا يتعلق الخمس بالمعدن الذي استنبطه الصبي والمجنون.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo