< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحقيق فی الخلاف الموجود بين السيد الإمام والسيد الخوئي في تكليف الصبي والمجنون:

ذكرنا في الدرس الماضي أن السيد الإمام قال في تعلق الخمس بالمعدن بعدم الفرق بين كون مستخرجه هو البالغ أو الصبي وبين كونه العاقل أو المجنون، وقال بوجوب الخمس عليهما، وقلنا أنه قول مشهور الفقهاء.

وفي المقابل قال السيد الخوئي -خلافا للمشهور- بعدم تعلق الخمس بالمعدن إذا كان مستنبطه الصبي أو المجنون.

و هذا الخلاف لا يختص بكتاب الخمس وخمس المعدن بل يشمل كثيراً من أبواب الفقه، وليس المقصود منه هو الخلاف في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل المقصود المعاملات وبعض العبادات التي لها جهة علاقة بالمعاملات والأحكام الوضعية.

فلذلك لا نشهد نفس الكلام من السيد الإمام في كتاب النكاح وفي أبواب حرمة النظر إلى الأجنبية، بل يصرح بالفرق بين البالغ والصبي في تعلق الحكم وعدم تعلقه.

يقول السيد الإمام: لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللّمس بغير شهوة، لا معها لو فرض ثورانها.

يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ و شهوة.

يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميّز ما لم يبلغ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة على الأقوى في الترتّب الفعلي، وعلى الأحوط في غيره.

فظهر من ذلك أن الخلاف خلاف في المبنى وليس خلافاَ في الفتوى، لأنهما متحدان في حكم النظر إلى الأجنبية وعدم شموله إلى الصبي والصبية، أي لا خلاف في الفتوى في باب النظر الحرام ولكن الخلاف في باب تعلق الخمس بالمعدن.

وبما أن العديد من المباني الفقهية -كالمورد الذي نحن فيه- متخذة من النصوص والروايات الواردة في الباب فالخلاف المذكور كذلك لا بد وأن يكون من تفسير النصوص وفهمها، لأن الفقهاء اختلفوا في تفسير حديث رفع القلم ومدى دلالته ومقدار شموله، فالفرق الحاصل بين المبنيين لأجل الخلاف في تفسير حديث الرفع؛

فلذلك ينبغي نقل البحث إلى حديث الرفع على فرض صحته؛ لأنه هو الأساس في تكليف الصبي ورفع قلم التكليف أو المؤاخذة عنه.

تحقيق في تكليف الصبي وبيان مراد الإمام من خروجه عن دائرة التكليف

والكلام هنا يدور حول موضوع الصبي وتكليفه، وهناك بعض الأسئلة لا بد من الإجابة عليها:

فهل الصبي مكلف أو غير مكلف؟

و ما هو المراد من رفع القلم عن الصبي؟

فهل هو رفع قلم التكليف أو رفع قلم المؤاخذة؟

وبما أن السيد الإمام قدس سره قال بخروج الصبي والصبية عن أحكام النظر واللمس، وقال أيضاً بتعلق الخمس بالمعدن الذي استخرجه الصبي والمجنون فلا بد من البحث فی ذلك.

يعتبر حديث الرفع دليلاً لكثير من الأحكام والمسائل المختلفة التي يبحث عنها في أبواب متعدّدة من الفقه، وأقوال الفقهاء في معنى هذا الحديث مختلفة جداً، وهذا الاختلاف له أثره حسب ما يستفاد منه؛ فلذلك سنذكر المباني والأقوال المختلفة في معنى هذا الحديث.

وبالجملة يوجد هنا وجوه متعددة بل أقوال عديدة :

القول الأوّل: نفي قلم جعل الأحكام على الصبيّ والمجنون مطلقاً، واستثناؤهما عن قلم التشريع كالبهائم.

يعني لا ذكر لهما في القانون ولم يجر عليهما شي‌ء فبناء على ذلك لا فرق بين قلم التكليف والوضع، أي لا فرق بين الأحكام التكليفية الوضعية والإلزامية وغير الإلزامية وهذا مختار السيّد الخوئي[1] .‌

فالظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً، إمّا في هذه الثلاثة فقط أو في الجميع. ولكنّه غير ظاهر؛ وذلك لما أسلفناه في بعض المباحث السابقة من أنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبي والمجنون استثناؤهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عليهما بتاتاً كالبهائم، فلا ذكر لهما في القانون، ولم يجر عليهما شي‌ء. ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترتفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد، و هو الحكومة على الأدلّة الأوّلية.

وكذلك المحقّق النائيني قدّس سرّه حيث قال: المرفوع في الصبيّ ... يحتمل ... أحد المعنيين:

الأوّل: أن يكون رفع القلم كناية عن إرخاء العنان كالبهائم، ويكون كناية عن رفع التكليف وقلم التشريع، وهذا المعنى هو الأظهر.

الثاني: أن يكون المرفوع قلم التشريع وجعل الأحكام بالصراحة[2] .

الإشكال على هذا القول :

ويرد على هذا القول أنّه مستلزم لتخصيص الأكثر؛ لأنه قد ثبت بالضرورة الفقهيّة بين الفريقين كثير من الأحكام الوضعيّة للصبيّ، كالملكيّة والضمان والطهارة والنجاسة وغيرها، وهكذا بعض المستحبّات كالصلاة والصوم والحجّ.

اللهم إلا أن يقال أن هذا المقدار من التخصيص لا يبلغ حدّ الاستهجان وهو بعيد.

 

الحمد لله ربّ العالمين


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo